تكشف وفاة الأسير المحرر المبعد من قبل سلطات
الاحتلال
الإسرائيلي، يحيى دعامسة، بعيدا عن أهله وذويه مدى المعاناة المركبة التي
تعيشها تلك الفئة، التي تستهدف بشكل متواصل خلال حياتها وحتى بعد وفاتها.
وتوفي في قطاع
غزة السبت الماضي، المحرر المبعد
دعامسة (61 عاما) من بيت لحم، وهو أحد محرري صفقة الجندي شاليط، التي أبرمت بين حركة "حماس" والاحتلال الإسرائيلي عام
2011، وتحرر بموجبها أكثر من ألف أسير
فلسطيني.
الاحتلال عمق الفراق
وتعتمد سلطات الاحتلال سياسة الإبعاد ضد
المناضلين الفلسطينيين، حيث أبعدت مئات الأسرى من محرري تلك الصفقة إلى جهات
مختلفة، وصل منهم ما يزيد عن 120 إلى قطاع غزة المحاصر، وكان المحرر دعامسة من
الذين وصلوا غزة مبعدا، عن مسقط رأسه مدينة بيت لحم جنوبي الضفة الغربية المحتلة.
واعتقل دعامسة لأول مرة نهاية السبعينيات وحكم
عليه الاحتلال بالمؤبد، قضى منها 12 عاما، حيث تحرر في صفقة تبادل للأسرى بين
الجبهة الشعبية القيادة العامة عام 1985 والاحتلال، وأعاد الأخير اعتقاله عام 2002
وحكم عليه بالمؤبد مرتين زائد 40 عاما، ليتم الإفراج عنه بعد 9 أعوام في صفقة
شاليط.
وبموجب الصفقة أبعد دعامسة إلى قطاع غزة، وعانى
مثل العديد من الأسرى الذين تعرضوا لصنوف العذاب والتعذيب داخل سجون الاحتلال من
أمراض مختلفة، ومنع من السفر للعلاج خارج القطاع عبر مصر، رغم إطلاقه العديد من
المناشدات.
اظهار أخبار متعلقة
ووسط شعور عميق بألم الفراق، أفاد إبراهيم
"أبو يحيى" (40 عاما) وهو نجل المحرر دعامسة، أنه لم يلتق بوالده بعد
تحرره سوى فترة 20 يوما اجتمع معه في غزة، حيث لم تسمح له السلطات المصرية بالعبور
من خلال القاهرة عبر معبر رفح البري لرؤية والده، رغم محاولاته العديدة، وقال إن
السنوات التي قضاها طيلة حياته مع والده لم تتجاوز بالمجمل 4 أعوام.
وأوضح في حديثه لـ"عربي21"، أن والده
قبيل وفاته بساعات قليلة، أوصى بأن يتم دفنه "قرب العائلة" في مسقط
رأسه بيت لحم، وفور وصول خبر الوفاة، توجه إلى جهاز المخابرات الفلسطيني بالطلب من
أجل جلب جثمان والده للدفن في بيت لحم، لكنه أبلغ من الطرف الفلسطيني أن سلطات
الاحتلال رفضت الطلب، وبناء على ذلك ووري جثمان المحرر دعامسة الثرى في غزة.
زيارة قبر دعامسة
وقال إبراهيم: "أرض فلسطين واحدة، حاولنا
تنفيذ وصيد الوالد ليكون بجانبنا لكننا لم نستطع"، مضيفا: "أولادي لم
يجتمعوا مع جدهم، ولا يعرفونه إلا من خلال الصور، حتى أنا لم أعش حياتي معه، حيث
عاش إما أسيرا أو مطاردا، شعور لا يوصف حينما يدفن بعيدا عن أولاده وأحفاده، حزننا لا
يوصف".
وأعرب عن أمله أن يتمكن برفقة أطفاله من زيارة
قبر والده الذي عانى كثيرا بسبب الأسر في سجون الاحتلال، مناشدا الجميع بالعمل على
مساعدته من أجل أن يتمكن من الوصول إلى غزة حيث قبر والده دعامسة.
وفي تعليقه على تعمد سلطات الاحتلال اتخاذ
العديد من "الإجراءات الانتقامية" ضد الأسرى المبعدين وخاصة إلى غزة،
أوضح الأسير المحرر المختص في الشأن الإسرائيلي والمبعد إلى غزة، سعيد بشارات، أن
"العديد من الأسرى المبعدين أصبحوا ناشطين في العمل ضد الاحتلال، وبالتالي
الاحتلال اتخذ موقفا ضدهم وضد عائلاتهم؛ وقام بمنع زيارة الأهالي".
ولفت في حديثه لـ"عربي21"، أن
"عائلات بعض الأسرى ممنوعون من الحديث مع ذويهم من الأسرى المبعدين"،
منوها أن من بين الأسباب، أن "الاحتلال يعتبر صفقة "وفاء الأحرار"
غلطة ولا يريد أن يكررها، لذا يقوم بإجراءات انتقامية ضدنا".
الإبعاد "جريمة حرب"
وأفاد بشارات، أن "أقارب بعض الأسرى من
الدرجة الأولى والثانية في الضفة الغربية؛ إخوة وأخوات، يمنعهم الاحتلال من السفر
خارج الضفة خوفا من لقاء الأسرى المبعدين".
وبين أن "التطورات التي تشهدها الساحة
الفلسطينية واكتشاف الاحتلال أن هناك دورا لبعض المبعدين في تحريك الضفة وتأليبها
على الاحتلال الإسرائيلي تدفعه للانتقام من الأسرى المبعدين حتى بعد موتهم، بمنع
دفنهم في مسقط رأسهم مثل ما حصل مع دعامسة والمحرر المبعد إلى غزة باسم نزال الذي
توفي في غزة عام 2021".
وعن الرأي القانوني الدولي حول إبعاد هؤلاء
الأسرى أو أي مواطن فلسطيني عن وطنه وأهله، أوضح مدير الوحدة القانونية في المركز
الفلسطيني لحقوق الإنسان، إياد العلمي، أن "الإبعاد هو جريمة حرب".
اظهار أخبار متعلقة
وذكر الحقوقي في حديثه لـ"عربي21"،
أن منع سلطات الاحتلال بعض الأسرى المبعدين من التواصل مع ذويهم أو حتى اللقاء
بهم، "يندرج تحت العقاب الجماعي"، منوها أن "العمل جار منذ بداية
الاحتلال حتى يومنا هذا، من أجل وقف الانتهاكات ورصدها وفضحها".
ورأى العملي، أنه "لا بد من مواجهة النظام
الإسرائيلي من خلال عدة مستويات، واستخدام المحاكم الدولية والوطنية الأوروبية
وأيضا محكمة الجنايات الدولية"، لافتا أن "النضال مستمر على مستوى
الجهات الدولية بما فيها المحكمة الجنائية الدولية، من أجل وقف الانتهاكات والجرائم
الإسرائيلية".
ونوه الحقوقي، أنه "يجري باستمرار مطالبة
المؤسسات الدولية بضرورة إعادة المبعدين إلى وطنهم وقراهم، لكن حتى الآن هناك رفض
من الجانب الإسرائيلي لإعادة من تم إبعادهم".
جدير بالذكر، أن الأسرى يواصلون معركتهم
النضالية وخطواتهم الاحتجاجية داخل السجون الإسرائيلية منذ 21 يوما، رفضا لإجراءات
وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير التي تستهدف زيادة معاناتهم
داخل السجون الإسرائيلية.