المنشية في فلسطين.. بقايا قرية مهجرة تقاوم الاندثار

ينتشر اسم المنشية في عدد من الدول العربية ويكاد يطلق في غالبية الدول على مدن وقرى أو أحياء سكنية، وبشكل خاص في بلاد الشام ومنها فلسطين التي توجد فيها 11 قرية تحمل اسم المنشية تقع في عدة محافظات وألوية.

من بينها منشية عكا التي تقع شمالي شرقي عكا وعلى بعد 3 كلم إلى الشمال من نهر النعامين. وقناة الباشا التي كانت تجلب المياه من ينابيع الكابري إلى عكا. وبسبب قربها من عكا أتيح لسكانها الاستفادة من نظام المواصلات وغيره من الخدمات في المدينة.


                                       قبور أثرية في قرية المنشية

وتحيط بها قرى: الدامون، المكر، كفرياسيف، أبو سنان، وأراضي قرى حيفا وعكا، ويضم قضاء عكا لوحده نحو 26 قرية مدمرة.

 

بنيت قرية المنشية على موقع يقال له "دبة النملة" واسم المنشية مشتق من منشأة، أي إنشاء جديد، وقد أنشأت القرية بعد فتح عكا من قبل القائد صلاح الدين الأيوبي.

 

ويقال بأن القرية تأسست في فترة المماليك الذين استقدموا سكانها من شمال إفريقيا حين تضاءل عدد السكان في المنطقة بسبب الأوبئة والحملات الصليبية على المنطقة.

 

ويعتقد أن القرية تلاشت لاحقا لأنها ليست واردة في جملة القرى التي تذكر السجلات العثمانية أنها كانت تدفع الضرائب في عام 1596. ولم تظهر القرية كذلك في خريطة الباحث الفرنسي جاكوتان من عام 1799 ويشار إلى الموقع كمكان متروك وبه آثار قديمة. وقد ورد ذكر القرية في مذكرة بعثها القنصل البريطاني في عكا أثناء زيارته للبلاد عام 1839. ويبدو أن المنشية كانت آهلة مرة أخرى خلال القرن التاسع عشر ووصفت بنهاية ذلك القرن أنها كانت تقع في سهل وتحيط بها الأراضي الزراعية وكانت منازلها مبنية بالحجارة والطين وعدد سكانها 150 نسمة تقريبا.

 

وقد بلغ عدد سكان المنشية عام 1922 نحو 371 نسمة، وارتفع عام 1945 إلى 810، وكلهم من المسلمين.

 

ومن أشهر الأماكن في القرية قبر بهاء الله مؤسس الطائفة البهائية، الذي أسره العثمانيون في سجن عكا وتوفي عام 1892 ودفن في قطعة أرض كان قد اشتراها في المنشية.

                                   
      أضرحة مهملة في مقبرة المنشية

وكان فيها إصلاحية للشباب الجانحين، ومعهد زراعي تابع للانتداب البريطاني حمل اسم "الدبويا"، وأيضا مطار عسكري للانتداب أقيم على أراض صادرتها من القرية..

 

في حين بني أول مسجد في القرية عام 1945.

 

وعثر على "مقام أبو عتبة" الذي يعود تاريخه إلى عام 1140، وكان يوجد في القرية معامل للمشروبات الغازية وللنسج، كما عثر على مقابر لجنود فرنسيين ممن رافقوا نابليون في حملته لاحتلال فلسطين عام 1799.

 

وفي عام النكبة شنت عصابات صهيونية هجمة عسكرية صدها أهالي القرية بكل قوة، لكن في 14 أيار/ مايو عام 1948، أعاد الصهاينة الكرة مرة أخرى من خلال عملية عسكرية عرفت بـ "عملية بن عمي" التي قادتها عصابات الهاجاناه في 16 حزيران/ يونيو، وكشف يومها ديفيد بن غوريون بأنه بدأ تدمير المنشية فعلا.

 

بعد عام 1948 ضم الاحتلال أراضي قرية المنشية لمدينة عكا، وأقيمت أحياء يهودية مثل موريا وبن غريون ونيفي أبيب ونيفي ألون، وفي ذات العام أنشئت مستعمرة شمرات وبستان هجليل. وأقيمت في عام 1972 على أنقاض القرية كلية الجليل الغربي.

 

أما فيما يتعلق بالمواقع الأثرية في القرية فقد استخدم قصر بيضون كمؤسسة للرفاه الاجتماعي لسنوات ثم ترك، وهناك بيوت حجرية ما زالت قائمة إلى اليوم أحدها فوق بئر المنشية ومنزل آخر وكلاهما يستخدمان كدكاكين.

 

وعلى الطرف الجنوبي من المنشية أقيمت حديقة ليلى شارون زوجة أرئيل شارون. وما تزال أجزاء من قناة الباشا قائمة، وما يزال قبر بهاء الله قائما ومن حوله حديقة البهجة، أما الإصلاحية فقد استخدمها الاحتلال الإسرائيلي كمؤسسة عسكرية حتى عام 1953 ثم حولها لمدرسة للأحداث والتي تعرف اليوم باسم معهد الأخوة.


                                    قبور أثرية في قرية المنشية

 

أما المسجد فما يزال قائما وهو اليوم مغلق، ولا تزال المقبرة واضحة للعيان محاطة بسياج تشرف مجموعة إسلامية على تنظيفها وصيانتها، فيها شاهد يعود للقرن الثامن عشر والفترة العثمانية يعتقد البعض بأنه للظاهر العمر الزيداني حاكم عكا والجليل المتوفى عام 1775، وفي طرف المقبرة الرئيسية تقع أيضا مقبرة بهائية وفيها مبنى ذو قبة رمادية.

 

وتعد أراضي قرية المنشية مصادرة بالنسبة لقانون الاحتلال الإسرائيلي، ضمن ما يسمى "قانون أملاك الغائبين"، وهي تقع تحت تصرف "دائرة أراضي إسرائيل".

 

المصادر

ـ مصطفي الدباغ، بلادنا فلسطين.

ـ النكبة الفلسطينية، عارف العارف.

ـ لكي لا ننسى، وليد الخالدي.

ـ"المنشية" المهجرة بعكا.. رهبة إسرائيلية من "الجندي المجهول" فيها، صحيفة السبيل الأردنية، 24/10/2022.

ـ عبد الحميد الهمشري، قرى ومدن فلسطينية شرد أصحابها عنها بالإرهاب الصهيوني منذ العام 1948، صحيفة الصباح الفلسطينية، 25/10/2020.