هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في اختبار جديد لحكومة محمد شياع السوداني، تشن إيران هجوما مستمرا على أراضي إقليم كردستان العراق، أوقع عددا من الضحايا في صفوف المدنيين، الأمر الذي أثار تساؤلات عديدة عن كيفية تعامل بغداد مع تصعيد طهران في ظل حكومة يقودها حلفاء طهران.
وهدد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، الاثنين، بأن تطال هجمات الحرس الثوري المدن والقرى والمناطق السكنية في منطقة إقليم كردستان، بالقول إن الهجمات المقبلة ستستهدف "المناطق المزدحمة بالسكان" في كردستان العراق.
وفي السياق ذاته، كشفت وسائل إعلام إيرانية، الثلاثاء، أن قائد فيلق القدس الإيراني إسماعيل قاآني زار بغداد والتقى برئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، وبحث معهما القصف الذي تشنه بلاده على إقليم كردستان، مشيرة إلى أن "إيران ستستمر بالقصف".
اقرأ أيضا: قتيل و8 جرحى جراء قصف إيراني على شمال العراق (شاهد)
اختبار حقيقي
وبخصوص الحجج الإيرانية في قصف العراق، قال الخبير الأمني والإستراتيجي العراقي معن الجبوري لـ"عربي21" إن "القصف الإيراني الحالي يمثل اختبارا حقيقيا لحكومة محمد شياع السوداني، وأن قاآني أبلغ رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء في بغداد بنية بلاده في الاستمرار بالقصف".
وأوضح الجبوري أن "رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد غادر مباشرة بعد اللقاء مع قاآني إلى إقليم كردستان العراق، واجتمع بالمسؤولين وقادة الأحزاب هناك للبحث في خطورة الرسائل الإيرانية من وراء القصف".
وأشار الخبير العراقي إلى أنه "لا يوجد على الإطلاق أي فصيل مسلح في العراق يعمل ضد إيران، ولم تقدم الأخيرة على مرّ التاريخ أي دليل يفيد بشن هؤلاء هجمات مسلحة ضدها، وذلك لأنهم أحزاب سياسية معارضة ويستضيفهم إقليم كردستان على هذا الأساس".
ولفت الجبوري إلى أن "إيران تعيش حاليا وضعا داخليا صعبا جدا، وبالتأكيد أن خلق أي عدو افتراضي قد يخفف الأزمة ويهدئ من روع الشعب الإيراني المنتفض ويوحد صفوفهم، لذلك هذا ما يفسر جزءا من أسباب الهجمات الإيرانية على العراق".
وأضاف: "الهجمات الإيرانية المتكررة هي أيضا محاولة من طهران لإسقاط تجربة إقليم كردستان الناجحة في العراق حتى لا تتكرر في إيران، وهذه أبعاد القصف الإستراتيجية على المدى البعيد".
واتفق الباحث في الشؤون الأمنية والسياسية العراقية، مخلد حازم، مع هذا الطرح بالقول: "الهجمات الإيرانية تعتبر انتهاكا صارخا للسيادة العراقية، ولا نرى أن الهدف الرئيس من هذه العمليات هو وجود حزب (كومله) الإيراني".
وأوضح حازم في حديثه مع "عربي21" أن "هذا الحزب الإيراني المعارض قديم جدا ومتواجد على الأراضي العراقية منذ ستينيات القرن المنصرم، وبالتالي لم نسمع أن لديه عمليات مسلحة داخل الأراضي الإيرانية".
وبيّن الباحث أن "هذا الحزب المتواجد في الأراضي العراقي منزوع السلاح ولديه مكاتب سياسية فقط، ولا توجد على أرض الواقع إثباتات على تدخلهم في الأراضي الإيرانية وما يحصل من حراك شعبي هناك، ولم تقدم طهران أي إثباتات، وإنما مجرد تصريحات، وهذا لا يؤخذ به".
وأكد الباحث أن "هناك ضغطا إيرانيا كبيرا على هذا الحزب وعلى الأراضي الكردستانية، الهدف منه رفض استنساخ تجربة إقليم كردستان العراق في إيران، والضغط على هذا الحزب على اعتبار أن يساعد المظاهرات في إيران، وخصوصا في المناطق الكردية".
اقرأ أيضا: ماذا وراء مقتل أمريكي ببغداد في ظل حكومة يرأسها حلفاء إيران؟
سيناريوهات متوقعة
وعن إجراءات العراق المتوقع اتخاذها لإيقاف هجمات إيران ومنع تكرارها، قال الجبوري إن "الحكومة العراقية صدر عنها تلميحات بتقديم احتجاج شديد اللهجة، لكن إيران تعرف أن هذا الاحتجاج لا يغني ولا يسمن من جوع".
ودعا الجبوري إلى "ضرورة اتخاذ العراق إجراءات أكثر ردعا لإيران، لأن استمرارها بهذه الأعمال يقوض السلم المجتمعي وأمن العراق"، لكنه أكد في الوقت ذاته "صعوبة تدويل العراق لقضية القصف الإيراني، لأنها تعتبر بالنسبة للأحزاب الموالية لإيران خطوة عدائية، كما أن طهران لن تقبل بمثل هذا التصرف من حكومة عراقية موالية لها".
وأكد الخبير العراقي أن "هناك إجراءات كثيرة بإمكان العراق فعلها، مثل تدويل القضية وطرد السفير الإيراني من بغداد، وسحب السفير العراقي في طهران، وهذه على الأقل رسالة قبل أن تأتي خطوات أكثر تشددا، لكن هذه الأمور مستبعدة حاليا لأن الحكومة ولدت حديثا، ولا يمكن أن تدخل في مثل هذه الصراعات خصوصا مع إيران".
ونوه الجبوري إلى أن "أقصى ما يمكن أن يفعله العراق هو الجهد الدبلوماسي، والذي قد يكون الطلب من إيران عدم إحراج حكومة السوداني، ويجب مساعدتها في تبييض صورتها أمام الشعب، لأن الحكومات السابقة أخفقت كثيرا في معالجة المشهد العراقي".
من جهته، قال الباحث العراقي مخلد حازم: "لم نر موقفا حازما من الحكومة العراقية ووزارة الخارجية، وإنما مجرد بيان للأخيرة قالت فيه إنها ستتعامل مع هذا الموضوع على مستوى عالٍ، بينما لدينا أوراق كثيرة يمكن أن نتعامل بها مع إيران، أولها تدويل القضية لدى مجلس الأمن الدولي".
وتابع: "الأمر الآخر هو الورقة الاقتصادية، وكذلك الورقة السياسية يمكن التعامل بها مع إيران على اعتبار أن ما يحصل انتهاك للسيادة العراقية، لكن إيران ترى أن العراق ليس لديه إمكانية للردع العسكري أولا، ولا كذلك للردع السياسي والاقتصادي لأنها تأمن أطراف العملية السياسية بعدم الذهاب في هذا الاتجاه، ولا حتى تدويل القضية".
ولفت الباحث إلى أن "العراق يرتبط باتفاقية أمنية وإستراتيجية مع الولايات المتحدة توجب على الأخيرة التدخل متى ما تعرض الأمن القومي العراقي إلى أي انتهاك"، متسائلا: "هل ستتعامل واشنطن مع القصف الإيراني على أنه تدخل سافر واعتداء على الأمن القومي العراقي، لأننا حتى اللحظة لم نر موقفا حازما حتى من السفيرة الأمريكية في بغداد، بالتالي هذه الانتهاكات تكررت من الجانب الإيراني".
وشدد حازم على ضرورة أن "توجه الحكومة العراقية ردعا حقيقيا لما تقوم به إيران، لأن هناك غضبة جماهيرية في الشارع العراقي على ما يحدث من قصف لإقليم كردستان، وأن تكون الحكومة والدبلوماسية العراقية أكثر حدة وصرامة في التعامل مع القصف الإيراني لمنع تكراره".
ورغم وصف بيان الخارجية العراقية، الاثنين، الهجوم الإيراني بأنه "عدائي وتجاوز سافر على سيادة العراق ومواطنيه"، وتوعدها باتخاذ إجراءات دبلوماسية عالية المستوى، إلا أن رئيس الوزراء، شياع السوداني، لم يتطرق نهائيا إلى القصف في مؤتمره الصحفي الأسبوعي الذي عقده، الثلاثاء.
وكانت السلطات في إقليم كردستان العراق، قد أعلنت الاثنين، أن شخصا واحدا على الأقل قُتل وأصيب عشرة آخرون، بعد أن أصابت صواريخ مقر الحزب الكردي الإيراني في كويا، بالقرب من أربيل عاصمة الإقليم.