قضايا وآراء

آفة التضخم في مصر وتركيا

أشرف دوابة
1300x600
1300x600

لا يزال العالم يعاني من ويلات التضخم وآفاته لا سيما بعد الحرب الروسية الأوكرانية وارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة. وقد سجل التضخم في مصر في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي أعلى مستوى له منذ أربع سنوات، حيث ارتفع معدل التضخم السنوي العام في المدن المصرية إلى 16.2 في المئة مقارنة بـ15 في المئة في الشهر السابق وفقا للبيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

وقادت أسعار الأطعمة والمشروبات هذا الارتفاع، وهي أكبر مكون في السلة المستخدمة لقياس التضخم، حيث قفزت بنسبة 23.8 في المئة على أساس سنوي في تشرين الأول/ أكتوبر، بعد أن تراجعت إلى 21.7 في المئة في أيلول/ سبتمبر. ولم تسلم جميع قطاعات الاقتصاد من الضغوط التضخمية، حيث قفز التضخم السنوي الذي يستبعد السلع شديدة التقلب مثل الطاقة والغذاء، إلى أعلى مستوى منذ خمس سنوات تقريبا ليصل إلى 19 في المئة في تشرين الأول/ أكتوبر، مقارنة بـ18 في المئة في أيلول/ سبتمبر، وفقا لبيانات البنك المركزي المصري.

وهذا الارتفاع في معدلات التضخم يكشف أن له ما بعده، حيث لم تعكس بيانات تشرين الأول/ أكتوبر أثر القرار الذي اتخذه البنك المركزي في 27 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي بتعويم مرن للجنيه المصري مما أدى إلى تراجع الجنيه بأكثر من 24 في المئة مقابل الدولار. وهو ما يعني توقع المزيد من الضغوط التضخمية، وارتفاع أسعار السلع والخدمات، ويصاحب ذلك مشاكل جمة في الاقتصاد المصري في ظل ارتفاع فاتورة الديون الخارجية والداخلية وتحجيم الدعم وانكماش القطاع الخاص، والاتجاه نحو المشروعات المظهرية بعيدا عن المشروعات التنموية التي تعالج الفجوة الاستيرادية وتعزز الصادرات وتفتح آفاق العمل وتكوين الدخول.

توقع المزيد من الضغوط التضخمية، وارتفاع أسعار السلع والخدمات، ويصاحب ذلك مشاكل جمة في الاقتصاد المصري في ظل ارتفاع فاتورة الديون الخارجية والداخلية وتحجيم الدعم وانكماش القطاع الخاص، والاتجاه نحو المشروعات المظهرية بعيدا عن المشروعات التنموية التي تعالج الفجوة الاستيرادية وتعزز الصادرات وتفتح آفاق العمل وتكوين الدخول

ورغم آفة التضخم في مصر ورغم تحفظنا على النسبة الرسمية للتضخم التي لا تعكس الواقع، فإن آفة التضخم أيضا لها أبعادها المؤثرة في تركيا، فقد بلغ معدل التضخم السنوي في تركيا 85,51 في المئة في تشرين الأول/أكتوبر الماضي ليصل إلى أعلى مستوى له منذ 25 عاما.

وفي الوقت الذي اتخذت فيه السياسة النقدية المصرية رفع سعر الفائدة للسيطرة علي التضخم وارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية حيث تم رفع أسعار الفائدة بمقدار 200 نقطة أساس، مع رفع سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي لتصبح 13.25 في المئة و14.25 في المئة و13.75 في المئة على الترتيب، فإن السياسة النقدية التركية اتخذت اتجاها معاكسا بخفض سعر الفائدة الشهر الماضي للمرة الثالثة على التوالي، لتسجل 10,5 في المئة مقارنة بـ12 في المئة، في ظل تبني الرئيس أردوغان نموذجا مختلفا عما تسير عليه دول العالم التي تعاني من التضخم، حيث يرى أن سعر الفائدة هو "أكبر عدو" وأن معدلات الفائدة المرتفعة هي التي تؤدي إلى التضخم.

ومع تأكيدنا على آفة أسعار الفائدة كسبب رئيس من أسباب التضخم، فإن خفضها تدريجيا والتخلص منها كليا والعودة للمشاركة في الربح والخسارة الذي رسخ له النظام الاقتصادي الإسلامي هي طوق النجاة للخروج من تبعات النظام الرأسمالي وقيوده، أما الذين يسيرون وراد النظريات التقليدية وسلموا أنفسهم لها فقد وجدوا بأم أعينهم كيف يسير اقتصادهم نحو الركود التضخمي الذي أصبح رفع فيه سعر الفائدة عبئا وليس حلا.
الحكومة التركية مطالبة بأن تستفيد استفادة عظمى من كبر ومرونة صادراتها لفتح أسواق جديدة وتعزيز السياحة التي تشهد رواجا بها، وأخذ خطوات واضحة العالم للسيطرة على أسعار المواد الغذائية والعقارات السكنية تمليكا وإيجارا، في ظل جشع بات ملحوظا ومتناميا

ومع ذلك، فإن الحكومة التركية مطالبة بأن تستفيد استفادة عظمى من كبر ومرونة صادراتها لفتح أسواق جديدة وتعزيز السياحة التي تشهد رواجا بها، وأخذ خطوات واضحة العالم للسيطرة على أسعار المواد الغذائية والعقارات السكنية تمليكا وإيجارا، في ظل جشع بات ملحوظا ومتناميا. كما أنه ليس من المنطق أن تغذي الدولة التضخم بقراراتها من خلال ما صدر عن هيئة الإحصاء التركية عن معدل إعادة التقييم والذي يستخدم لحساب مختلف الضرائب والرسوم والغرامات لعام 2023. حيث كان هذا المعدل حوالي 36.2 في المئة في العام الماضي، وحددته الهيئة 122.9 في المئة للعام القادم 2023.


لقد آن الأوان للسيطرة على التضخم الذي يسرق أموال الناس من جيوبهم وودائعهم، ويلهبهم بالغلاء، وينقلهم من طائفة المستورين إلى طائفة الفقراء المعدمين، وليكن الدفع نحو الإنتاج بما يلبي متطلبات الناس بالسعر العادل علاجا وليس السير وراء لولب الأسعار-الأجور منهجا، الذي يتم فيه زيادة الأجور بارتفاع الأسعار، فتزيد الأسعار تارة أخرى ونعيش في تلك الدوامة التي تفتك بالمواطن حياة ومعيشة.  

 

twitter.com/drdawaba
التعليقات (0)