اقتصاد عربي

"كنوز منسية".. هل تنقذ الرمال السوداء مصر من الإفلاس؟

من المتوقع أن ينتج المجمع الصناعي 370 ألف طن سنويا من المعادن المستخلصة من الرمال السوداء- فيسبوك/الرئاسة المصرية
من المتوقع أن ينتج المجمع الصناعي 370 ألف طن سنويا من المعادن المستخلصة من الرمال السوداء- فيسبوك/الرئاسة المصرية

بعد تاريخ طويل من محاولات استغلال ثروات مصر المهدرة على السواحل الشمالية، عاد الحديث مجددا في وسائل الإعلام المصرية عن الرمال السوداء، بعد افتتاح رئيس سلطة الانقلاب عبد الفتاح السيسي مجمع الرمال السوداء بمدينة البرلس التابعة لمحافظة كفر الشيخ (شمال القاهرة).

 

ورغم تأسيس أكثر من شركة مصرية بمسميات مختلفة على مدار أكثر من 90 عاما بهدف استخلاص المعادن الثقيلة من الرمال السوداء، إلا أن الإعلام المصري يروج لمشروع الرمال السوداء الجديد الذي افتتحه السيسي، الأربعاء، على أنه اكتشاف جديد.

 

والرمال السوداء هي رواسب شاطئية تأتي من منابع النيل، وتتكون قرب مصبات الأنهار الكبيرة بفعل المد والجزر عبر العصور، وسميت بهذا الاسم لاحتوائها على كثير من المعادن الثقيلة، لذا يغلب عليها اللون الداكن. ومن أبرز المعادن التي تحتويها التيتانيوم والألمانيت، ويتم استخدامها في صناعات متعددة.

 

وقال السيسي، خلال افتتاحه للمشروع؛ إن مصر تمتلك أحد أكبر الاحتياطيات من الرمال السوداء على مستوى العالم، ويتركز وجودها في محافظات: البحيرة، كفر الشيخ، دمياط، بورسعيد، شمال سيناء، البحر الأحمر وأسوان.

 

هيكل الملكية

 
ويستحوذ الجيش المصري ممثلا في جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة، على 61 بالمئة من مشروع مجمع مصانع الرمال السوداء، فيما تمتلك هيئة المواد النووية 15 بالمئة، وبنك الاستثمار القومي نحو 12 بالمئة، ومحافظة كفر الشيخ بنسبة 10 بالمئة، والشركة المصرية للثروات التعدينية نحو 2 بالمئة.


وعلى مدار عقود، لم تستفد مصر من تلك الثروة واستغلالها إلا بشكل محدود، وبدأت في أواخر الثلاثينيات من القرن الماضي بشكل محدود وبدائي، ثم أخذت الحكومة خطوة أكبر في الأربعينيات وأنشأت شركة الرمال السوداء المصرية ومقرها الإسكندرية، واستمرت في العمل حتى تأميمها في 1961، وتعثرت فيما بعد وتم تصفية الشركة بعد 8 سنوات من تأميمها.

وطوال السنوات الماضية، فشلت محاولات استغلال الرمال السوداء في مصر بسبب غياب الإرادة السياسية للتنفيذ، التي حالت دون إنشاء مصانع للاستفادة من تلك الثروة، وفي تسعينيات القرن الماضي، تم وضع حجر الأساس للمصنع لكنه لم ير النور، لذلك يصفها البعض بأنها "كنوز منسية".

وفي عام 2012، انتبهت حكومة الرئيس الراحل محمد مرسي إلى أهمية المشروع وشرعت في تنفيذه مبكرا، وبعد شهرين من بدء عمل الحكومة، أعلن محافظ كفر الشيخ، وعضو المكتب التنفيذي لحزب الحرية والعدالة، سعد الحسيني، المعتقل حاليا، عن طرح مزايدة عالمية لاستغلال الرمال السوداء بمنطقة ساحل البرلس، وذلك باستثمارات قدرها 125 مليار جنيه (كانت تقدر حينها بنحو 21 مليار دولار).

وحال الانقلاب العسكري ضد الرئيس مرسي في 3 تموز/ يوليو 2013 دون استكمال المشروع. وبعد الانقلاب بنحو 3 سنوات، تم تأسيس الشركة الوطنية للرمال السوداء بالبرلس بمحافظة كفر الشيخ؛ تمهيدا لتنفيذ مشروع استخلاص المعادن الثقيلة من الرمال السوداء.

 

أهمية الرمال السوداء

ومن المتوقع أن ينتج المجمع الصناعي 370 ألف طن سنويا من المعادن المستخلصة من الرمال السوداء، فيما يبلغ احتياطي مصر من الرمال السوداء نحو 5 ملايين طن، ويوفر المجمع الصناعي الجديد نحو 5 آلاف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، بحسب حامد ميرة، رئيس هيئة المواد النووية في مصر.

وفقا لدراسات الجدوى التي أجرتها هيئة المواد النووية، فمن المخطط أن يتم استخراج ما يقرب من 76 مليون طن معادن اقتصادية، تكفي للتشغيل ما يزيد على 200 عام، وتدر على مصر مئات ملايين الدولارات، في حال التوسع في استخدامها بدلا من تصديرها كرمال خام.

وتكمن أهمية المشروع الاقتصادي في إمكانية استخراج 6 معادن؛ مثل معدن "التيتانيوم"، الذي يستخرج منه "الألمينيت" عالي الجودة. والروتيل، الذي يتم استخدامه في صناعة البويات والدهانات والبلاستيك والمطاط والسيراميك ومستحضرات التجميل والجلود والأدوية. ومعدن الزركون والجرانيت وخام الماجنيتيت، الذي يتم استخدامهم في العديد من الصناعات الحيوية، بما فيها السيارات والمفاعلات النووية.

نقاط فارقة

 
وصف عضو لجنة الخطة والموازنة بالبرلمان المصري سابقا، محمد مسعد، الترويج لمشروع الرمال السوداء على أنه اكتشاف جديد، بأنها "إحدى عمليات الاغتصاب للإنجازات والمشروعات".

 

وقال في تصريحات لـ"عربي21": "هناك نقاط فارقة بين المشروع في أصله والفكرة المغتصبة، ناهيك عن إضاعة 10 سنوات من عمر المشروع الذي من المفترض أنه قد وصل إلى نقطة متقدمة، ومن ثم جنب البلاد عوائد ضخمة بالعملة الصعبة، وصناعات كانت يمكن أن تقوم على جانبي المشروع".

وأضاف: "المشروع في صورته الأولى كان ملكا للشعب وتقوم به الحكومة، لكن الآن هو ملك للجيش، والسيسي نسب له الفضل زورا في استغلاله".

 

وأشار إلى أن "المشروع أعدت له قبل 10 سنوات دراسات الجدوى من خلال شركات متخصصة، وليس جهاز الخدمة الوطنية، وكان مطروحا للاستثمار العالمي المباشر وليس بالأمر المباشر، و كان يهدف إلى توطين صناعات كثيرة ومتعددة".

المستفيد من المشروع

وقال استشاري تمويل وتطوير المشروعات والأوقاف الاستثمارية، علاء السيد؛ إن "الرمال السوداء أحد أهم ثروات مصر التي يمكن أن تنقذ اقتصادها من الإفلاس، ولا تقل قيمتها الاستراتيجية عن قيمة مناجم الذهب وحقول البترول والغاز الطبيعي والرمال البيضاء (سيليكا ساند) والفوسفات".

وأعرب في حديثه لـ"عربي21" عن مخاوفه من عدم استفادة المصريين من المشروع؛ بسبب الفساد، قائلا: "ينبغي أن تكون أعمال التنقيب والاستخراج والاستخلاص والتنقية والتحويل في أياد مصرية خالصة؛ لضمان أعلى عائد استثماري وأعلى مشاركة لمثل هذه الثروات المهدرة للناتج المحلي الإجمالي ولإيرادات الموازنة العامة للدولة، وهو ما لا يحدث للأسف الشديد بسبب الفساد المستشري واستئثار الجيش ورئيس الدولة شخصيا، ممثلا فيما يسمى بصندوق مصر السيادي والمخابرات العامة، ممثلة بالشركات التابعة لها أحيانا ولقيادات بعينها شخصيا في الأغلب الأعم حاليا".

وأكد السيد أن "سيطرة الجيش على الرمال السوداء يفند مزاعم السلطة بأنها تفسح المجال للقطاع الخاص، وفي الحقيقة هو يستأثر بثروات ومقدرات البلاد، ويترك للقطاع الخاص ما يريدن ويشاركه في ذلك الصناديق السيادية الخليجية وعدد محدود من الأشخاص الفاسدين في السلطة، ويجري التدليس على الشعب بأن هؤلاء هم القطاع الخاص".

وبشأن توقف الشركات عن عدم الاستفادة من المشروع، أوضح الخبير الاقتصادي: "لم تكن هناك شركات بالمعنى المعروف لاستغلال تلك الثروة، ولم تهتم الحكومات طوال العقود بتنمية هذه الثروة التي برزت أهميتها في العقدين الأخيرين مع التطور العلمي، إضافة إلى أنه لا يمكن للفساد وأسلوب إدارة مصر بعقلية التجار والمقاولين والسارقين، أن ينقذ مصر وشعبها واقتصادها رغم أن مصر في تقديري، هي من أغنى دول المنطقة، ولكنها أكثر دولة تعرضت للنهب والاستغلال وتجريف الثروات في العالم".

 

أزمة مالية

 

وتعاني مصر في الوقت الحالي من أزمة نقص حادة للنقد الأجنبي بالبلاد على خلفية التوسع في الاقتراض الخارجي، وهروب الاستثمارات الأجنبية من البلاد، وتراجع إيرادات السياحة، وهو ما أدى إلى تدهور قيمة الجنيه مقابل الدولار.

 

والخميس، قال وزير المالية المصري محمد معيط، وزير المالية، خلال مقابلة مع شبكة CNBC عربية؛ إن 22 مليار دولار من استثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومي "الأموال الساخنة"، خرجت من مصر خلال الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية.

 

وقبل أسبوعين، قال البنك الدولي، في تقرير حديث له؛ إن المالية العامة لمصر لا تزال تعاني من أعباء فوق طاقتها، مما يعوق قدرتها على التوسع في الإنفاق على القطاعات الاجتماعية.

 

وأوضح أن نسبة الدين الحكومي إلى الناتج المحلي الإجمالي لا تزال مرتفعة، وواصلت ارتفاعها لتصل إلى 92.4%، كما استمر أيضا ارتفاع إجمالي الاحتياجات التمويلية الذي يعرف بأنه مجموع عجز الموازنة، وقيمة الديون التي يحين أجل استحقاقها على مدار السنة.

وأشار التقرير إلى أن هذا الإجمالي يقدر بنحو 40% من الناتج المحلي الإجمالي، وتشكل الالتزامات الطارئة (التي تقدر بنحو 18.4% من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2020)، مخاطر إضافية على المالية العامة.

التعليقات (2)
محمد غازى
الجمعة، 21-10-2022 09:55 م
ألم يعلم ألمصريون حتى أليوم أن مغتصب ألسلطة ألسيسى، جىء به لتدمير ألإنسان ألمصرى،وعظمة مصر ألأكثر شعبا بين ألعرب، خدمة لأسياده بنو صهيون! أفسد كل ألضباط ألكبار بالإمتيازات ألتى منحها لهم، وجعل ألمواطن ألمصرى يعمل 18 ساعة يوميا حتى يستطيع إطعام عائلته! ألسيسى عدو مصر والعروبة.
...نازلين 11-11....
الجمعة، 21-10-2022 11:38 ص
حاليا يتم سرقه مصر علنا .... هل تعلموان لدينا جبال من السيلكون الخام الذى يدخل فى صناعه شرائح الكمبيوتر...جبال من الاسمده...مناجم الذهب...جبال من المنجانيزوالرخام....يتم تصدير هذه الثروات ولانرى اى دخل فى الميزانيه....ايراد قناه السويس معظمه مرتبات...الجيش لابد ان يترك البلد للشعب كفايه سرقه