مقالات مختارة

سيخرب العالم وسينجو العرب!

فيصل القاسم
1300x600
1300x600

نشرت في الآونة الأخيرة عدة مقالات تتحدث عن المستقبل الرهيب، الذي يواجه الغرب في ظل ارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات قياسية وجنون أسعار المواد الاستهلاكية، وتصاعد أسعار الطاقة بشكل مخيف وازدياد نسبة الفقر بشكل خطير، مما يشكل عبئا غير مسبوق على جيوب المواطنين الغربيين، ومن ثم على استقرار المجتمعات الغربية وأمنها بشكل عام.

 

واستشهدت بكلام زعماء وسياسيين أوروبيين يحذرون من أن زمن الرفاهية قد انتهى، ولا بد من الاستعداد لزمن التقشف والمعاناة. وتساءلت: إذا كان الكبار في العالم مقبلين على أوقات صعبة للغاية على الصعيدين الاقتصادي والمعيشي، تهدد الدول الأوروبية لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، فما بالك العالم العربي الذي يعاني أصلا على الأصعدة كافة، وخاصة في الجمهوريات المزعومة التي ثارت شعوبها قبل عقد من الزمان، وازدادت فيها الأوضاع سوءا وتدهورا.


لا شك أن تدهور الأوضاع في العالم المتقدم سيلقي بظلاله على شعوبنا المسحوقة، لكن البعض في واقع الأمر لديه رأي آخر في هذا الطرح، وأنا أتفق معه إلى حد ما. ويقول أصحاب ذلك الرأي؛ إن «المبلل لا يخشى من المطر»، وكما يقول المتنبي: «أنا الغريق فما خوفي من البلل». وللأمانة يجب ألا نخشى كثيرا على بلادنا مما هو قادم من أهوال اقتصادية على الدول المتقدمة؛ لأن العديد من شعوبنا تعيش أصلا تحت التحت، ولم تعد تتأثر بأي تقلبات أو انهيارات اقتصادية أو مالية أو معيشية.

 

صحيح مثلا أن البريطانيين من الآن فصاعدا سيدفعون أسعارا مضاعفة لقاء استهلاك الكهرباء، مما سيضع على العائلات الفقيرة أعباء غير مسبوقة، ومما قد يحرم البعض من التدفئة بسبب ارتفاع أسعار المحروقات، لكن في آخر النهار فالكهرباء متوفرة بانتظام على مدار الساعة، وقد تتدخل الحكومات لمساعدة العائلات المنكوبة، بينما في سوريا مثلا، لا يرى الشعب الكهرباء حتى في مناطق الشبيحة سوى سويعات قليلة، ينقطع خلالها التيار مرات ومرات، وكأن النظام يعمل على تعذيب السوريين بشكل ممنهج، فلا يدعهم حتى يستمتعون بالدقائق القليلة التي يشاهدون فيها الكهرباء، فيقطعها بين دقيقة وأخرى.

 

بربكم كيف سيتأثر المواطن السوري الذي يتعرض للتنكيل الكهربائي منذ سنوات بارتفاع أسعار الكهرباء على الأوروبيين؟! فهو أصلا خارج التصنيف العالمي، والكهرباء بالنسبة له صارت من حكايات الماضي، حتى لو امتلك ثمن استهلاكها، فهي غير موجودة بقرار رسمي؛ لأن العصابة تبيعها للدول المجاورة وتقبض ثمنها بالدولار لحسابها الخاص، وهذا مؤكد من مصادر موثوقة من الساحل السوري. وما ينطبق على المواطن السوري في أزمة الكهرباء، ينسحب على المواطنين العرب في بلدان عدة كلبنان والعراق والسودان وغيره بنسب متفاوتة، فمشكلة الكهرباء مستفحلة منذ سنوات أصلا في بلدان عدة، وخاصة في لبنان الذي يعتمد معظم سكانه على المولدات الخاصة.

المواطن الأوروبي سيدفع أثمانا مضاعفة للغاز من الآن فصاعدا، لكن مهما ارتفعت فاتورة الغاز فستبقى أرخص بكثير من الفاتورة التي يدفعها المواطن السوري أو السوداني أو اللبناني أو اليمني مثلا لقاء جرة غاز


نعم، المواطن الأوروبي سيدفع أثمانا مضاعفة للغاز من الآن فصاعدا، لكن مهما ارتفعت فاتورة الغاز فستبقى أرخص بكثير من الفاتورة التي يدفعها المواطن السوري أو السوداني أو اللبناني أو اليمني مثلا لقاء جرة غاز، فحسب آخر إحصائية، فإن الثمن الذي يدفعه السوريون اليوم من أجل الحصول على قنينة غاز، كان كافيا في الماضي لشراء غسالة أو براد أو تلفزيون.


ولا ننسى أن ملايين العرب في الأرياف العربية المعدمة من مشرق العالم العربي إلى مغربه، لا تعرف أصلا كل أساسيات الحياة الحديثة التي بدأ المواطن الأوروبي يعاني ارتفاع أسعارها وندرتها. السواد الأعظم من العرب يعيش على قارعة الحياة منذ عقود وعقود بلا أدنى خدمات بسيطة. ولتأكيد ذلك سأل أحدهم صديقه يوما: كم عدد سكان ذلك البلد العربي الكبير؟ فقال أكثر من خمسين مليون نسمة. فرد عليه: أنت مخطئ، فالعدد الذي يعيش بشكل شبه معقول لا يتجاوز عشرة ملايين، أما باقي الشعب فهو خارج نطاق الحياة الحديثة عمليا، ولا يعرف من المواد أو الوسائل التي باتت تشكل عبئا على المواطن الأوروبي حتى اسمها.

 

وإذا استثنينا بلدان الخليج، ستجد أن نسبة الفقر تصل أحيانا إلى تسعين بالمائة في بعض البلدان كسوريا واليمن والسودان ولبنان. وحتى العراق الذي يمتلك ميزانية هائلة بسبب عائدات النفط، لا يملك لا الكهرباء ولا الماء النظيف ولا أبسط مقومات العيش أحيانا. وللعلم، فإن معظم الذين يصفقون لقيس سعيد في تونس هم من الأرياف التونسية التي لا يختلف حالها عن بقية الأرياف العربية التي تعيش خارج التاريخ الإنساني. كيف تخشى على ملايين العرب الذين لا يصل راتب بعضهم أحيانا إلى عشرة دولارات، وهو ثمن وجبة بسيطة جدا في أوروبا، وأحيانا تدفعه على فنجان قهوة في مقهى بفندق؟


ماذا يهم ملايين العرب إذا ارتفعت أسعار الكهرباء أو الغاز أو حتى القمح، فهم لا يعرفون الغاز أصلا. أما الكهرباء فهي بالنسبة لهم من الكماليات الترفيهية منذ سنوات. ماذا يضير سكان العصر الحجري إذا ارتفع التضخم في البلدان المتقدمة، فهم لا يعرفون في حياتهم أصلا سوى تضخم البروستات. لا تتوقع من شعوب محرومة من كل شيء ومعزولة وخارج نطاق التغطية الإنسانية، أن تتأثر بكل ما يحدث في العالم من أزمات.

 

لهذا، لا أخشى على الكثير من الشعوب العربية المسحوقة مطلقا من أي هزات اقتصادية ومالية ومعيشية واجتماعية كالأزمات التي يواجهها العالم اليوم في الشرق والغرب. شعوب تلك البلدان التعيسة بقيادة السيد الرئيس (والحمد لله) جهزت نفسها من قبل لمواجهة الأزمات، فليس عندها بنوك تتعامل مع العالم أصلا، ولا تعرف من التحويلات البنكية أو أسعار الفائدة أو التضخم سوى الدريهمات التي يرسلها أبناؤها اللاجئون في الخارج، لسد رمق أهاليهم المعزولين عن العالم.

 

لقد كان حكامنا ما شاء الله يقرؤون المستقبل ويتوقعون كل هذه الأزمات المالية والاقتصادية والمعيشية المقبلة على البشرية، لهذا أعادوا شعوبهم إلى عصور الظلام، والسادة الحكام بحكمتهم العظيمة، جعلوا الشعوب تحلم بليتر بنزين ورغيف خبز وحبة دواء، كما جعلوا أبسط مقومات الحياة حلما للمواطنين كي يكونوا جاهزين لمواجهة الكوارث العالمية القادمة. شايفين قديش القيادات حكيمة عندنا.. يا متعلمين يا بتوع المدارس!

كاتب واعلامي سوري
[email protected]

 

(عن صحيفة القدس العربي)

4
التعليقات (4)
محمد ورسمة
الإثنين، 10-10-2022 02:13 ص
بداية السلام عليكم وبعد ، تحياتي للاستاذ فيصل القاسم على وأهنئك على هذا المقال الجميل وإن كان يحمل نوع السخرية المريرة للوضع العربي ، وأعذر الكاتب على هذا الاحساس بالمرارة والذى هو نتيجة طبيعية للاحداث الكارثية والمجازر التى تحدث للشعب السوري الحبيب منذ سنوات ، فهو انسان سوري قبل ان يكون كاتبا او اعلاميا ، بالتأكيد اتفق مع الكثير من النقاط و اختلف معه فى بعضها ، اولا / اذا كان الغربيين سيواجهون صعوبات فى الطاقة فإننا فى العالم الثالث سنواجه مجاعات ، اذا كان الغربيين سيواجهون صعوبات فى التدفئة فإننا فى العالم الثالث سنموت بسبب نقص الدواء وتفشي الامراض ، اذا كان الغربيين سيواجهون تحديات ومخاطر كبيرة فإننا فى العالم الثالث سنواجه مخاطر وجودية ، وفى المحصلة النهائية فإن الغربيين مهما واجهتهم مصاعب فهم يمتكلون من أدوات القوة والعلوم والخبرات والمهارات والارادة السياسية ما يمكنهم من التغلب على تلك المصاعب والتى مروا بها من قبل سواء فى حروب عالمية أو كوارث طبيعية أو كوارث اقتصادية ، بينما نحن للاسف لم نواجه مثل تلك الصعوبات حتى الان ولم نكتسب تلك الخبرات وليست لدينا تلك الامكانيات ، لا أعتقد أن العالم العربي قد فقد 76 مليون انسان فى حربين عالميتين فى خلال 8 سنوات متفرقة ولا أعتقد أن العالم العربي قد مات منه 220 ألف انسان فى يومين بسبب قنبلة ذرية كما حدث فى اليابان ، أستاذ فيصل اعذرني انا لا أتفق معك فى أن العرب و المسلمين سيكونون افضل حالا من الاخرين للاسباب التى ذكرتها ولكن بالتأكيد أتفق معك بأن العالم الاسلامي هو عالم محظوظ لانه محمي بعناية الله سبحانه ولطفه لان فيه البيت الحرام والغرفة الشريفة لقبر الرسول صلى الله عليه وسلم وفيه الاذان وتلاوة القرأن العظيم ، نحن سنكون محظوظين لأن عناية الله سبحانه تحرسنا وكل مانعانيه نحن المسلمون الان هو لاننا فرطنا فى القوة الوحيدة التى نمتلكها وهي قوة الايمان بأنه لاإله الا الله محمد رسول الله ، استاذ فيصل اذا جمعت كل القتلى والجرحي فى تاريخ الحديث للعالم الاسلامي لن يصل الى مجموع ما فقدته دولة اوروبية واحدة مثل المانيا فى الحرب العالمية الثانية حيث خسر الالمان اكثر من 3 مليون و350 الف عسكري , استاذ فيصل نحن كمسلمين نعلم يقينا أن هناك يوم القيامة وأن هذا العالم لابد سينتهى ولكن أيضا نعلم أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حذرنا من التشاؤم واهلاك البشر حيث قال صلى الله عليه وسلم فى الحديث " من قال هلك الناس فهو أهلكهم - بضم الكاف أي أكثرهم هلاكا - أو أهلكهم - بفتح الكاف أي هو من تسبب فى هلاكهم - وأخيرا استاذ فيصل أرسل لك تحياتي وأنا هنا فى مدينة صغيرة من شرق أفريقيا من الصومال تسمى هرجيسا والتى كانت عبارة عن رماد قبل 30 عاما والان هأنذا أرسل هذا التعليق على مقالك من بيتى وأنا مطمئن وأتمتع بخط انترنت عالي الجودة لم أدفع به سوي 20 دولا فى الشهر ، وأقول لك اطمئن فإن كنت تتألم الان من الوضع فإنه سينتهى وستعود سوريا الحبيبة مرة أخرى أكثر جمالا وتألقا وقوة والشعب السوري سيعود أكثر علما وخبرة وقوة ، ولاتقلق فكما قالت الفتاة البوسنية دعم يقطعوا كل الاشجار ويدمروا كل الازهار ولكنهم لن يستطيعوا أن يمنعوا حلول فصل الربيع , تحياتي وفي حفظ الله ورعايته ,
محمود عمر
السبت، 08-10-2022 08:48 ص
وأين مصر مما ذكرت أخي فيصل؟
الغرب الاستعماري لا يرضى منا بغير العبودية!
السبت، 08-10-2022 08:30 ص
نعم. وأوضح مثال على ذلك هو ردة فعلهم العنيفة والشاذة بعد خفض أوبك للإنتاج. فقد تعودت القوى الغاصبة المهيمنة في الغرب على الهيمنة على مقدراتنا ومصائرنا طيلة عقود بل قرون طويلة بحيث أصبحت نظرتهم إلينا نحن العرب والمسلمين وإلى أبناء العالم الثالث عموماً هي نظرة الأسياد إلى العبيد من وجهة نظرهم. بعد ان اتخذت أوبك+ القرار الصحيح بخفض إنتاج النفط بنسبة قليلة يومياً حفاظاً على الأسعار لصالح بلدانها ثارت ثائرة الغرب الاستعماري بسياسييه وصحفييه وإعلامييه: كيف يجرء هؤلاء "التابعون" في رأيهم على اتخاذ قرارات تحقق صالحهم وليس صالحنا نحن! كيف يحاولون تحسين مستوى حياتهم من الفقر وتدنى المستوى المعيشي لتهبط رفاهيتنا الرفيعة بجزء من 1 في المائة؟ لا يجوز ذلك؟! ثروات العالم حق لنا نحن المستعمرين المهيمنين وليس لهذه البلدان الجرباء التي كانت ويجب أن تظل تابعة لنا! نعم، هذا هو منطقهم العنصري الاستعماري البغيض الذين هم على استعداد لشن الحروب من أجله. ولا ننسى أن فرنسا الاستعمارية لم تحقق رفاهيتها إلا بالسرقة المستمرة حتى يومنا لهذا لخيرات البلدان الأفريقية الفقيرة التي يموت أبناؤها جوعاً وبسبب انعدام مقومات الحياة الأساسية حتى تزداد تخمة وجشع هؤلاء "الأسياد" وينعمون بخيرات هذه البلدان بدلاً من أبنائها. فضح الغرب الاستعماري نفاقه وعداوته لنا نحن العرب والمسلمين ولجميع أبناء العالم الثالث وعلينا أن نعي ذلك وأن نتصرف على هذا الأساس.
حقا على الله..
السبت، 08-10-2022 08:23 ص
قل انظروا ماذا في السموات و الأرض ' و ما تغني الأيات و النذر عن قوم لا يؤمنون0 فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم ' قل فانتظروا إني معكم من المنتظرين0 ثم ننجي رسلنا و الذين ءامنوا ' كذلك حقا علينا ننج المؤمنين0.. 103 يونس.

خبر عاجل