قضايا وآراء

تركيا أمام مفترق طرق لأعوام قادمة

محمد ياسين نجار
1300x600
1300x600

لم يكن وصول حزب العدالة والتنمية للحكم في تركيا عام 2002 سهلا، فقد اعترضته الكثير من العقبات والصعوبات منها على سبيل المثال وليس الحصر الانقلابات العسكرية والاستبعاد لقادته من الممارسة السياسية وصلت الى حد سجن رئيس الحزب.

هذه الحالة بالاضافة إلى تراكمات سياسية سلبية سابقة بين العرب والدولة الوريثة للعثمانيين وطرح الحزب لقيم أكثر انحيازا للشعوب جعلت الكثير من الشعوب العربية والمسلمة تتفاعل مع الحزب التركي الناشئ بل وتتمنى نموذجا مشابها له في أوطانها، مجمل هذه الأمور ساهمت في جعل تركيا دولة جاذبة لتلك الشعوب على صعيد الاستثمار والتعليم والسياحة والكفاءات.

مع انطلاقة الربيع العربي عام 2011 ظهرت تركيا كدولة مناصرة وبقوة للشعوب في تطلعاتها نحو الديمقراطية، بل شجبت وبقوة كافة الممارسات القمعية للتظاهرات السلمية في دول الربيع العربي بشكل عام وفي سوريا بشكل خاص، تلك الجارة التي تمتلك معها حدودا تصل إلى 911 كم تعتبر هي الأطول مع جيرانها، وقد ظهرت مناصرتها للربيع العربي بتصريحات نارية صدرت عن أعلى هرم في الدولة  بـ (أننا لن نسمح بتكرار مجازر حماة) و(أن حلب خط أحمر).. وعندما اضطر السوريون للهجرة بسبب الجرائم المرتكبة من قبل ميليشيات الأسد استعمل الرئيس أردوغان مصطلح المهاجرين والأنصار للتشجيع على استقبال السوريين والترحيب بهم.

اليوم ومع اقتراب الانتخابات التركية لاحظ السوريون ارتفاع مستوى خطاب الكراهية من قبل بعض قادة الرأي الأتراك، كما خبا تأثير الشعارات البراقة مثل المهاجرين والأنصار بسبب عدم تدعيمه بقوانين صارمة في وجه الراغبين في تأجيج النعرات العنصرية لاستخدامها ضمن الاستقطاب السياسي الحاد.

خلال زيارتي الأخيرة إلى تركيا لمست مدى حالة التوتر التي وصل إليها السوريون والتي جعلت نسبة لا يستهان بها تفكر باللجوء لأوروبا أو لمصر بسبب زيادة الحالة العنصرية تجاههم، لتشكل بذلك موجة ثالثة من الهجرة، وهذا ما أصبح ملاحظا رغم امتلاك بعضهم الجنسية التركية وتملكهم للسكن والاستثمارات الخاصة.

منطق علم الإجتماع يقول إن موسم حصاد نتائج عقد من استيعاب الدولة التركية للهجرة السورية حان الآن، حيث أن نسبة عالية من جيل الشباب الذي ترعرع فيها أصبح متقنا اللغة التركية كلغة أم، فبعضهم تخرج من جامعاتها وفهم تركيا وثقافتها وخارطتها الجغرافية والمهنية جيدا وبعضهم أصبح مساهما بشكل جيد وفاعل في نشاطاتها الاقتصادية خاصة في قطاع السياحة والصناعة والتعليم وكذلك الزراعة.

 

إن السوريين يتطلعون اليوم إلى مواقف أكثر إيجابية وبشكل عملي وسريع تقوم بها الحكومة التركية لمنع سيل الممارسات العنصرية تجاههم تلك التي أصبحت فوق طاقة السوريين على التحمل، الأمر الذي سيقطع الطريق على المتربصين بتركيا ودورها الإقليمي الهام لاستهدافها وتحويلها لدولة عنصرية يصعب لاحقا تعديل صورتها رغم كل أعمالها الإيجابية سابقا.

 



هذه المشتركات التي بنيت خلال عقد حري بصانع القرار التركي حمايتها وتطويرها لنسج شبكة قوية من المصالح لعقود قادمة، ولعل خسارتها ليست خسارة للسوريين فقط بل للأتراك أيضا، فالسوريون سيبدأون رحلة جديدة من الهجرة والبحث عن الاستقرار في أماكن أخرى ريثما يزول نظام الأسد الإرهابي، والأتراك سيخسرون طاقات وكفاءات هامة غدت جزءا من النسيج التركي وشكلت إضافة نوعية لتطوير الاقتصاد التركي وأضحت قوة ناعمة له يمكن إلا أن تساهم في تعزيز مكانة تركيا لدى الشعوب العربية والاسلامية وأيضا سيكون لها تأثير في الدول الأوروبية التي يتواجد فيها السوريون مما سيساعد على الاستقرار الإقليمي والدولي، فالبراغماتية الآنية التي يروج لها البعض ستكون خسارة استراتيجية يصعب تعويضها لاحقا.
 
إن السوريين يتطلعون اليوم إلى مواقف أكثر إيجابية وبشكل عملي وسريع تقوم بها الحكومة التركية لمنع سيل الممارسات العنصرية تجاههم تلك التي أصبحت فوق طاقة السوريين على التحمل، الأمر الذي سيقطع الطريق على المتربصين بتركيا ودورها الإقليمي الهام لاستهدافها وتحويلها لدولة عنصرية يصعب لاحقا تعديل صورتها رغم كل أعمالها الإيجابية سابقا.

إنّ تطوير حالة التعايش والاندماج بين شعوب المنطقة سوف يسهم في تحصين المنطقة وتطويرها وإعادة تفعيل دورها الحضاري، خاصة أننا نعيش في مرحلة تسعى الدول الكبرى لبناء نظام عالمي جديد أساسه التكتلات الكبرى و زيادة فاعلية وتأثير الدول الإقليمية الصاعدة.

إن تنمية أدوار الشعوب هام جدا لمواجهة أطماع بعض الدول التوسعية، فهل تستطيع تركيا تدارك الأوضاع الحاليةوالاستفادة من تجربة إيران الفاشلة مع شيعة العراق والتي يمكن اعتبارها حالة تدريسية هامة في الفشل الاستراتيجي أم تنزلق إلى مآلات يصعب تداركها لاحقا مما سيجعل من الصعب عليها لاحقا الإرتقاء في دورها الإقليمي والدولي وهذا ما لايرغب به عاقل ومحب لدولة جارة ارتبط السوريون معها بأواصر نسب ومصاهرة وتجارة عبر التاريخ.


التعليقات (0)