قضايا وآراء

الحوار المفقود (5)

حمزة زوبع
1300x600
1300x600
لعلك لاحظت عزيزي القارئ أن الحديث عما يسمى بـ"الحوار الوطني" توقف أو تجمد رغم أننا في عز الصيف، وذلك في رأيي الذي أكرره ولن أمل من تكراره؛ أن الدعوة لمثل هذا الحوار دعوة صدرت ممن لا يؤمن أصلا بالحوار ولا يؤمن بفكرة الشراكة السياسية وربما الاجتماعية أيضا، وأنه يضيق صدره كلما توقف أنصاره عن المدح لأنه يرى نفسه مستحقا للحمد والشكر والثناء، وهذا هو قدره كما صرح غير مرة.

الحديث اليوم يدور حول الانهيار الاقتصادي متسارع الخطى، والديون المستحقة السداد، وخطط النظام لبيع أصول مصر ولمزيد من الاقتراض لسداد بعض الديون. وبالتالي فلا وقت للحوارات والمحادثات والمجادلات، وكأني النظام يقول أو يرد على بعض من يريد إعادة الحياة للحوار المتجمد "يا روح ما بعدك روح"، بمعنى أنه يبحث عمن يعيد الحياة من جديد إلى أوصال نظامه التي بدت عليها قلة الحيلة في مواجهة أخطر أزمة سياسية اقتصادية تمر على البلاد.

كنت قد ختمت مقالي الرابع في هذه السلسلة بالحديث عن ضرورة تشكيل حكومة ظل أو حكومة منفى، والسبب في ذلك أنني وبمتابعة دقيقة لما يجري في مصر وخارجها فيما يخص المعارضة وجدت أنها لم تغتنم أي فرصة واتتها من قبل، وأن مشاريع التحالفات التي تمت انتهت بل وئدت في رحم الأحداث. ويمكنني القول إن بعضها قد تم وأده بفعل فاعل أو فاعلين لتمكين النظام في مصر من إحكام قبضته على السلطة، وتصفية كل وجود حقيقي للمعارضة الجادة وقد نجح.
الحديث اليوم يدور حول الانهيار الاقتصادي متسارع الخطى، والديون المستحقة السداد، وخطط النظام لبيع أصول مصر ولمزيد من الاقتراض لسداد بعض الديون. وبالتالي فلا وقت للحوارات والمحادثات والمجادلات، وكأني النظام يقول أو يرد على بعض من يريد إعادة الحياة للحوار المتجمد "يا روح ما بعدك روح"

اليوم نحن أمام تشكيل جديد هو اتحاد القوى الوطنية، وقد يراه البعض تكرار أو استنساخ لمحاولات سابقة أن جدية ملحوظة لا تخطئها العين موجودة هذه المرة مصحوبة بالرغبة في الاستمرار، ولكن الإشكالية هي أن الكيان لا يبدو قويا بالشكل المطلوب بسبب حالة التشرذم التي تلظى بها الإخوان المسلمون، وحالة الانتهازية التي ابتليت بها بعض الرموز التي مكثت في الخارج طويلا؛ وساند بعضها نظام مبارك والبعض الآخر ساند جبهة الإنقاذ، ولما لم يجد أي فرصة لتوظيف إمكانياته في حكومات الانقلاب المتعاقبة أعلن معارضته للنظام في الخارج، البعض أطلق على نفسه خبيرا، والآخر سمى نفسه تكنوقراط. وهذا ليس تعميما على الكل، ولكن وجود مثل هذه الحالات تصيب أي كيان بالفشل لأن بوصلة البحث عن الحلول مختلفة ومتضاربة أحيانا، كما أن البعض لديه خصومة أيديولوجية تاريخية مع الإخوان ويراهم خطرا سياسيا كبيرا على مشروعه أو أيديولوجيته، وبالتالي فهو يسعى إلى احتواء مؤقت للإخوان لحين انتهاء فترة الخصومة مع النظام الحالي أو النظام الذي سيخلفه. وهذه هي الأزمة الكامنة التي يتحاشى القوم الحديث عنها الآن، على أمل استمرار أزمة الإخوان وتصدرهم هم للمشهد وبعد ذلك لكل حادث حديث.

وحتى يتم تلافي هذه الأزمة الكامنة وهي أزمة التربص بالإخوان وانتظار ما ستسفر عنه الأيام، فإن اقتراحي بشأن تشكيل حكومة ظل أو منفى (أيهما يتم الاتفاق عليه) سيشكل نقطة عبور تجعل الجميع يفكر في مستقبل البلاد وليس مستقبله السياسي وحده. وبالمناسبة، التفكير في المستقبل السياسي لأي كادر سياسي ليس عيبا ولا شيئا مذموما، ولكننا يجب أن نتذكر أن المجال السياسي مغلق ولا مجال للأجندات الفردية، وثانيا أن العمل الجماعي من الخارج يشكل تحديا فريدا من نوعه للمعارضة المصرية، والتجارب السابقة كانت تجارب فردية.
حتى يتم تلافي هذه الأزمة الكامنة وهي أزمة التربص بالإخوان وانتظار ما ستسفر عنه الأيام، فإن اقتراحي بشأن تشكيل حكومة ظل أو منفى (أيهما يتم الاتفاق عليه) سيشكل نقطة عبور تجعل الجميع يفكر في مستقبل البلاد وليس مستقبله السياسي وحده

أعود إلى حكومة الظل وهي حكومة كفاءات وكوادر سياسية وليست حكومة تكنوقراط كما قد يعتقد البعض، وهنا أعني أنه لا بد من بروز أو إبراز وجوه سياسية جديدة قادرة على إقناع الشعب بجدارتها السياسية أولا قبل جدارتها الفنية في مجال تخصصاتها، لأن الذي سيبني مصر الجديدة ليست مجموعة الوزراء هؤلاء فقط، ولكن فرق وورش عمل حقيقية واسعة النطاق من أهل العلم والخبرة، أما دور حكومة الظل فهو تقديم البديل السياسي النظيف وصاحب القدرات على تقديم أفكار للشعب من أجل بناء الدولة الجديدة.

حكومة الظل هي واجهة لمجموعات عمل تفكر وتناقش وتدير حوارات حقيقية حول مستقبل مصر، ومن أهم الأسئلة التي يجب أن تبحث لها عن إجابات:

1- شكل الدولة ونحتاج الإجابة على السؤال الخطير: من هم ملاك مصر الحقيقيين: الشعب أم غيره؟

2- نظام الحكم، من يحكم وكيف يحكم وكيف يحاسب وكيف يعزل؟

3- دور المؤسسات الأمنية والعسكرية والمخابراتية في الحياة السياسية والاقتصادية (إعادة رسم العلاقة بين الدولة وهذه المؤسسات، هل هي جزء من مؤسسات الدولة أم أن الدولة جزء تابع لها كما نرى اليوم؟).

4- القضاء ودوره في ترسيخ العدالة، منظومة القضاء والنيابة والتقاضي والمحاكم.

5- المرحلة الانتقالية، كيف سيتم تفكيك منظومة عسكرة الدولة والمجتمع؟

6- ملف الكراهية المجتمعية والعدالة الانتقالية (ملف الجرائم التي ارتكبها النظام) وحقوق الشهداء والمساجين والمختفين.

7- الأزهر والكنيسة والجماعات الدينية مسيحية واسلامية والممارسة السياسية أو التبعية لمؤسسات أخرى سيادية.

8- المجتمع المدني ودوره في تعزيز الترابط المجتمعي ودعم خطط الدولة للتنمية.

9- الحكم المحلي ودوره في تنشيط وتفعيل المجالس المحلية المنتخبة، وتفعيل دور المحافظين في إدارة ميزانيات المحافظات.

10- استقلالية القرار الوطني فيما يتعلق بالعلاقة مع الجول الكبرى والدول الشقيقة والإقليم عموما.

11- العلاقة مع فلسطين وقضايا العرب الرئيسية.

12- الطبقات المهمشة ومحاربة الفقر.

13- النظام الضريبي وغياب العدالة الضريبية.
كثير من العناوين الأخرى التي تحتاج من حكومة الظل أن تتصدى لها، قبل أن يتم الإعلان عن أسماء أعضائها، وبالتالي يصبح تحرك الجميع على بصيرة ويصبح أمر تشكيل هذه الحكومة أقل صعوبة مما لو فكرنا في توزيع الحصص على الكتل المشاركة

14- سرقة المال العام والتشريعات التي تبيح ذلك.

15- الرياضة ودورها في حماية الشباب واليات دعم الرياضيين النابغين في المحافل التنافسية.

16- الإعلام وحرية التعبير عن الرأي والتظاهر، وحق الحصول على المعلومات وإنشاء وسائل إعلامية للفرد وللمجموعات السياسية.

17- حقوق الإنسان بمفهومها الواسع كما نص عليه الدستور، وماذا ستفعل هذه الحكومة في موضوع التجاوزات والانتهاكات المستمرة.

18- الفن والثقافة وكيفية انتزاعهما من يد السلطة الحاكمة وإحالتهما إلى الشعب، ومؤسسات الابداع المملوكة للدولة وليست السلطة.

19- الأحزاب السياسية ومجموعات الضغط السياسية.

20- النقابات المهنية والعمالية.

وكثير من العناوين الأخرى التي تحتاج من حكومة الظل أن تتصدى لها، قبل أن يتم الإعلان عن أسماء أعضائها، وبالتالي يصبح تحرك الجميع على بصيرة ويصبح أمر تشكيل هذه الحكومة أقل صعوبة مما لو فكرنا في توزيع الحصص على الكتل المشاركة.

ونلتقي الأسبوع المقبل إن شاء الله.
التعليقات (0)