تقارير

خليل كارلوس توما.. مسيرة شاعر كادح من فلسطين

خليل توما شاعر بروليتاري تنقصه بعض مقومات الأداة الشعرية، لا يعدم الصور الواقنسية
خليل توما شاعر بروليتاري تنقصه بعض مقومات الأداة الشعرية، لا يعدم الصور الواقنسية

كيف يمكن أن تكون من جيل النهضة الثالثة تحت الاحتلال (شعر المقاومة)، وفي الحزب نفسه (راكاح)، وفي الانتماء الفكري نفسه، ولا تحظى بما حظوا به في الجريدة نفسها والشهرة نفسها. لأنه ببساطة لم يكن مثلهم في المهن "النظيفة" كالتعليم والصحافة والموسيقى. بل كان كادحاً من خارج العصبة الثقافية المعروفة. وربما ـ إنصافاً وموضوعيةً ـ قد يكون السبب أنه لم يكن معهم تحت الاحتلال قبل 1967.

قليلون هم الذين طغى نضالهم النقابي على شهرتهم وعملهم وموهبتهم، ومعظم الشعراء كتبوا لفلسطين وناضلوا بالشعر لها، وأقاموا الأمسيات والفعاليات، وربما اعتقلوا لهذا السبب (مثل محمود درويش وسميح القاسم ورفاقهم).. وبعضهم حمل السلاح وقاتل (مثل خالد أبو خالد وناجي علوش).

لكن خليل توما، كان المناضل النقابي الصرف الذي لم يتردد أو يتراجع في النضال النقابي في مجالات عمل فيها، سواء في نقابة عمال الفنادق أو في اتحاد الكتاب الفلسطينيين، كان هذا الشاعر الذي اختصره الناقد الراحل فاروق مواسي بالآتي:

دعني ألخص وأجمل: إن توما شاعر بروليتاري تنقصه بعض مقومات الأداة الشعرية، لا يعدم الصور الواقنسية (الواقعية الرومانسية)، وهي تشفع له أن يرصد العالم بمنظور صادق و"برعمة الرعد وبذر الزلزلة" لا بد لهما أن ينضجا.

فمن هو شاعرنا؟

هو خليل توما شاعر فلسطيني من مدينة بيت جالا في فلسطين، ولد عام 1945. وأتم فيها دراسته الابتدائية والثانوية.

بدأ مسيرته الشعرية في مرحلة الدراسة الثانوية، إذ نشر في صحف ومجلات محلية وعربية، ونشر بعد الاحتلال في مجلات الحزب الشيوعي الإسرائيلي، وفي الصحافة السرية، والصحف والمجلات الفلسطينية الصادرة في فلسطين.

 

 

                                  خليل توما


 بعد أن أنهى دراسته الثانوية عمل في أحد فنادق القدس، والتحق بنقابة عمال الفنادق فيها، وأصبح عضواً في هيئتها الإدارية عام 1966، وعمل مع آخرين بعد الاحتلال الإسرائيلي عام 1967، على حماية وتنشيط العمل النقابي في المدينة، وتشكيل اللجان العمالية في مواقع العمل، وإعادة إحياء نقابة عمال الفنادق التي أغلقتها سلطات الاحتلال سنوات طويلة. وفي عام 1980 انتخب رئيساً لهيئتها الإدارية الجديدة في عامي 1981 و1982، وكانت من أكبر نقابات الأرض المحتلة وأكثرها نشاطاً.

إذن، هو واحد من أبرز من أحيوا العمل النّقابي في فلسطين، وأعلن انحيازه للطّبقة العاملة فكراً وعملاً.

وقد عانى بسبب نضاله الظلم والاعتقال، فاعتقل إدارياً ما بين 1974 و1976، كما أنه تعرض لاعتقالات ومضايقات عديدة أثناء نشاطه النقابي.

أثناء عمله في الفنادق وانشغالاته النقابية حصل على البكالوريوس في الأدب الإنجليزي من جامعة بيت لحم. ودخل مجال الترجمة، فعمل سنوات طويلة في مجال الصحافة المقروءة باللغتين العربية والإنجليزية، والترجمة من العربية إلى الإنجليزية وبالعكس.

عمل مع عدد من الكتّاب على تأسيس اتحاد الكتاب الفلسطينيين في الأرض المحتلة في أوائل الثمانينيات، وتولى رئاسته إلى حين توحيد صفوف الكتاب، فانتخب عضواً في الهيئة الإدارية لاتحاد الكتاب الفلسطينيين في الداخل أوائل التسعينيات.

ركّز توما في شعره على النضال الوطني وهموم شعبه، وناضل فعلاً وقولاً في قضايا العمال الفلسطينيين، متطلعاً إلى يوم التحرير والحرية والعدالة لشعبه. وكان شعره في ذلك واضحاً ومخصصاً في شكله ومضمونه تعبيراً حقيقياً عن كفاح الشعب الفلسطيني، مضيفاً تخصصه النضالي في القضايا السياسية والاجتماعية والإنسانية، خالياً من التكلف والصنعة اللغوية، تضعفه بعض الكلمات العامّية والهنّات العروضية، لكنه بالمقابل يعبّر عما يجول بخاطره وعن إحساسه الصادق والتزامه الوطني، والانحياز لقضايا الكادحين، ومتفائلاً بتحقيق أهدافهم الثورية في المستقبل.

 



أصدر توما أربع مجموعات شعرية هي: أغنيات الليالي الأخيرة. نجمة فوق بيت لحم. تعالوا جميعاً. النداء.

وقد جُمعت أعماله كلها في مجلد الأعمال الشعرية الكاملة.

توفي الشاعر خليل كارلوس توما في 12 شباط (فبراير) 2019 في فلسطين ودفن فيها.

من شعره:

ايّارُ يَهتِفُ مِنْ هُنَا
عَبَروا تعَانِقهُمْ حِبَالُ المِشْنَقَهْ
طَبَعوُا عَلى وَجْهِ الطُغاةِ نِعَالَهُمْ
وَخُطى الشُموُسِ الوَاثِقَه
وَبِمَوْتِهِمْ شَقّوُا طَريقَ الانتصَارْ
وَيَشُبُّ في أعْمَاقِنَا شَوْقٌ وَيَجْرِفُنا
فَنَذكُرُهُمْ.
وَعَلى سَواعِدِنا سَيَكْتَمِلُ النَهَارْ
وَنَروحُ نَصْعَدُ في دُروبِ الشَمْسِ
نَهْتِفُ في المَحَطاتِ التي
حَمَلَتْ نَزيفَ جِرَاحِهِمْ
وَنَظَلُ نَذْكُرُ لَحْمَهُمْ مِلءَ الشَوارعِ
تَحْتَ أقْدامِ الخُيُولْ
.. وَصَارَ أشجَارًا وَنَارْ

حوار متمرد:

قال لي: كافر!
قلت: بالجوع.. وفي الأرض ينابيع ذهب
قال لي: ساقط!
قلت: كالسيف على رأس سلاطين العرب.
قال لي: حاقد
قلت: في صدري لهيب وغضب

*كاتب وشاعر فلسطيني


التعليقات (0)