قضايا وآراء

زيارة بايدن والعدو البديل

حافظ رفيق فارس
1300x600
1300x600

ضعف الأنظمة العربية المنشغلة بقمع شعوبها واغتيال حريتها، وانصرافها عن خوض غمار العمل لإقامة مشروع عربي نهضوي، وحاجتها الشديدة لمن يواري سوءتها ويُزين قبحها لدى الولايات المتحدة الأمريكية.. كل ذلك وجدت فيه دولة الاحتلال سبيلاً لاستغلال تلك الأنظمة في صناعة عدو بديل عنها لدى شعوب المنطقة؛ التي تسعى دولة الاحتلال جاهدة لكي وعيها وقتل موروثاتها الراسخة والرافضة تماماً لفكرة وجودها على أرض فلسطين.

وقد نجحت دولة الاحتلال فعلاً في جني ثمار مخططها بتحويل وجهة عداء دول عربية مهمة نحو إيران، ونجحت في استراق ذهنية بعض من شعوب تلك الدول وأسكنت فيها هواجس الخوف من تعاظم قوة إيران في المنطقة، وجعلتها ترى إيران الخطر الأعظم والأوحد عليها بعد أن ضخت دولة الاحتلال كل ما يدفع باتجاه نمو تلك الهواجس وتطاولها وبلوغها ارتفاعات وصلت في مقياس الخشية درجة انقلابها على ما جعلته طيلة عقود صراعنا مع الاحتلال محظوراً، حيث الرفض المطلق للتطبيع.

لم يقف الأمر عند هذا النجاح للاحتلال بل تطور وذهب بعيداً، حيث تملكت البعض شهوة الاصطفاف مع مغتصب أولى القبلتين، وبات مناط أملهم الدخول في تحالف معه يعينهم على اجتياز سياج الهاجس الإيراني الذي أحاطه بهم الاحتلال نفسه، الاحتلال الذي أنفق كثيراً من طاقاته وإمكانياته ليصنع عدواً بديلاً له في المنطقة بغية تخفيض مكانة القضية الفلسطينية لدى شعوب الأمة، وليصرفهم عنها ويجعلهم ينفضُّون عن ثابت اعتبارها قضيتهم المركزية. وكل هذا مبتغاه التطبيع مع شعوب الأمة وانفتاحها على الاحتلال، وتعاملها معه باعتباره جارا طبيعيا كأي جار، بعيداً عن أي حلول سياسية للقضية الفلسطينية.

المنطقة اليوم تموج بتطورات وتغيرات تُريد دولة الاحتلال توظيفها بشكل كامل لصالحها، وتأتي زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في هذا السياق. صحيح أن الرئيس الأمريكي قد جاء إلى المنطقة لقضاء حاجته الاقتصادية أولاً، لكنه جاء أيضاً مدفوعا برغبة دولة الاحتلال في إعادة ترتيب الشرق الأوسط بطريقة تفتح الباب أمام صعودها نحو قيادته، وهذا ما تسعى دولة الاحتلال لتحقيقه في ظل ضعف واهتراء الأنظمة العربية التي زاد الاحتلال هوانها وأدخلها في بيت طاعته بعد أن جعلها في حاجة لا تُسد ولا تنقضي.

هذا الضعف جعل الاحتلال يرى في نفسه قوة عسكرية واقتصادية وتكنولوجية تمنحه أهلية قيادة المنطقة الخالية اليوم من أي قوة تُعاديه وترفع شعار الموت لإسرائيل، باستثناء إيران التي كانت حاضرة بقوة خلال زيارة بايدن لتل أبيب، وكانت حاضرة أيضاً في بنود إعلان القدس المشترك بين واشنطن وتل أبيب، ذلك الإعلان الذي وضع فيه الاحتلال ما يريد تحقيقه وهو إضعاف إيران وحلفائها الذين يشكلون خطراً وجودياً عليها، ووضع فيه أيضاً ما يريد تثبيته وهو التعامل مع القضية الفلسطينية وفق رؤيته الاقتصادية والإنسانية بعيداً عن أي رؤية سياسية؛ جعل الحديث حولها من المحرمات التي لا يتهاون مع من يقع فيها.

وقد تابعنا خلو لسان بايدن من أي حديث سياسي يتعلق بالقضية الفلسطينية أثناء وجوده في تل أبيب، والتزم التعفف عن مجرد التأكيد على ما اعتادت الإدارات السابقة التأكيد عليه في هذه الزيارات، وقد أظهر دعمه للشعب الفلسطيني في النطاق الإنساني الذي لا يترتب على تقديمه انزعاج دولة الاحتلال ولا حتى تحفظها.

أثناء زيارة بايدن وقبلها كثر الحديث عن التحالف العربي الإسرائيلي في مواجهة إيران، ويبدو أن الحديث عن هذا التحالف قد تُرك سائباً بشكل متعمد ليكون وجهة كل انتقاد وتخوف وخشية، بغية خفض وتبريد ردود الفعل على إشهار تطبيع المملكة العربية السعودية مع دولة الاحتلال المستفيدة كثيراً من هذا التطبيع؛ كون أن السعودية تحمل رمزية دينية وذات ثقل سياسي في المنطقة، بصرف النظر عن تشكيل هذا التحالف من عدمه في هذه المرحلة التي أظهر الاستدعاء المفاجئ لبعض التصريحات الرسمية العربية عدم تحمسها لتدشينه، كتصريحات وزير الخارجية الأردني والتي قال فيها: لسنا بحاجة إلى توترات جديدة ونريد علاقات "صحية" مع إيران، مؤكدا أن "الحوار هو السبيل الأفضل لمعالجة أي توترات موجودة.

وقد جاء حديث الوزير الأردني بعد أيام من حديث رئيس الوزراء بشر الخصاونة عن أن بلاده تسعى لعلاقات جيدة مع إيران، ولم تتعامل معها يوما واحدا باعتبارها مصدر تهديد للأمن القومي. ولم تختلف كثيرا عن تصريحات المستشار الدبلوماسي للرئيس الإماراتي، والتي قال فيها: إن الإمارات تعمل على إرسال سفير إلى طهران، وأن النهج التصادمي مع إيران ليس شيئا تدعمه أبو ظبي. وقد جاءت تصريحات وزير الدولة الإماراتي السابق للشؤون الخارجية أنور قرقاش في ذات السياق، فقد أكد على أن الإمارات لن تكون جزءا من "محور" ضد إيران.

كلها تصريحات إيجابية تعكس الحرص على إقامة علاقة مستقرة مع إيران، تصريحات تأخذها بعين الاعتبار أن إيران قوة إقليمية سيترتب على استهدافها واستهداف حلفائها حالة فوضى وعدم استقرار سيدفع ثمنه الجميع. وكل ما يجري في المنطقة يفرض على محور المقاومة تكثيف جهوده الدبلوماسية لتوسيع علاقاته وتعزيز قوته في مواجهة أي تحالف يتجاوز رمزية وقدسية فلسطين، ويتجاوز فكرة أن دولة الاحتلال عدو.. جهود تستهدف زيادة مساحة التحالف مع الأنظمة العربية وأحرار الأمة لوأد كل مخططات تصفية القضية الفلسطينية والزج بها في غياهب النسيان.

 


التعليقات (0)