قضايا وآراء

المشهد في القدس في النصف الأول من عام 2022 (2)

علي إبراهيم
1300x600
1300x600
التهويد الديني والثقافي والعمراني

تناولنا في المقال السابق، مستجدات المشهد السياسي المحيط بالقدس المحتلة، على الصعد الإسرائيلية والإقليمية والدولية، في سياق تقديم نظرة أوسع لتطورات الأحداث في المنطقة والإقليم، وانعكاساتها على الأحداث في القدس المحتلة. وفي المقال الثاني، نتناول تطورات التهويد على الصعد الدينية والثقافية والعمرانية في القدس المحتلة.

الاعتداء على المسجد الأقصى ومحاولة فرض الصلوات اليهودية فيه

حفلت الأشهر الماضية من عام 2022 بالعديد من التطورات على صعيد اقتحامات المسجد الأقصى، واستهداف مكوناته البشرية، فقد شهدت ساحات المسجد اقتحامات حاشدة بالتزامن مع الأعياد اليهودية، التي سبقتها قوات الاحتلال باقتحام المسجد الأقصى بشكل متكرر، وسط محاولات قاسية لإفراغ المسجد الأقصى من المرابطين والمعتكفين؛ الذين استخدموا مختلف الوسائل المتاحة لإرباك المقتحمين، وعرقلة جولات المستوطنين داخل المسجد الأقصى.

وقد بلغ عدد مقتحمي المسجد الأقصى في مدة الرصد نحو 25430 من المستوطنين والطلاب اليهود وعناصر الاحتلال الأمنية، وإلى جانب الاقتحامات ركزت أذرع الاحتلال على الآتي:

- أداء الصلوات اليهودية العلنية، وخاصة تلك المتصلة بـ"المعبد"، في سياق تطبيق استراتيجية "التأسيس المعنوي للمعبد"، التي تجلت بمحاولات إدخال القرابين وأداء الصلوات اليهودية العلنية.

- محاولة إفراغ المسجد الأقصى بالقوة قبيل هذه الاقتحامات، وقد استخدمت قوات الاحتلال لتحقيق ذلك الرصاصَ المعدني المغلف والقنابل الحارقة، وحطمت أبواب المصلى القبلي وشبابيكه.

- اعتقال أكبر عدد ممكن من داخل المسجد الأقصى، ووصلت في يوم واحد إلى أكثر من 500 مصل، ومن ثم إبعادهم عن المسجد لمدد متفاوتة بعد الإفراج عنهم.

وشكلت الأعياد اليهودية مواسم لرفع حجم الاعتداء على المسجد وتصعيد أداء الصلوات اليهودية العلنية، ويمكن أن نسلط الضوء على عيد "الفصح العبري" كأبرز مواسم الاعتداء على الأقصى، فقد استبقته المنظمات المتطرفة بدعوة أنصارها إلى تقديم القرابين داخل الأقص،. وشهدت أيام العيد تصاعدا في اقتحام المسجد والاعتداء على مكوناته البشرية الإسلامية، ففي 15 نيسان/ أبريل 2022 أدت الاقتحامات إلى إصابة أكثر من 150 فلسطينيا، واعتقلت قوات الاحتلال نحو 500 مرابط من داخل الأقصى.

واستخدم المرابطون أساليب الإرباك الصوتي وإغلاق مسارات الاقتحام بالحجارة والردم، وأطلقوا الألعاب النارية في وجه المقتحمين.

وبلغ عدد مقتحمي الأقصى في أيام عيد "الفصح اليهودي" نحو 3670 مستوطنا ما بين 17 و24 نيسان/ أبريل 2022. وإلى جانب الاقتحام سجلت أضرارا في الأقصى، شملت تحطيم 10 نوافذ جصية مُطعمة بالزجاج الملون حُطمت بالكامل، وثلاثا أخرى بشكل جزئي، وحرق أجزاء من سجاد المصلى القبلي جراء رمي القنابل الحارقة، وتحطيم ثلاثة أجهزة مكبرات صوت وقطع أسلاكها، وتعطيل 10 سماعات داخل المصلى وثلاث سمّاعات خارجه، إلى جانب اعتقال العشرات من المصلين.

وشهد شهر نيسان/ أبريل تصاعدا في أعداد قرارات الإبعاد عن القدس، بلغت 517 قرار إبعاد، من بينها 511 قرار إبعاد عن الأقصى.

ولم تكن اقتحامات الأقصى في "الفصح اليهودي" المناسبة الوحيدة التي شهدت اقتحامات حاشدة، فبالتزامن مع ذكرى قيام دولة الاحتلال في 5 أيار/ مايو 2022، اقتحم الأقصى أكثر من 700 مستوطن، وشهد الاقتحام اعتقال عشرات المصلين من داخل المسجد، والاعتداء على المرابطات. وفي 29 أيار/ مايو 2022 اقتحم المسجد الأقصى نحو 1687 مستوطنا في "يوم توحيد القدس".

ويعد أداء الطقوس اليهودية العلنية داخل الأقصى استراتيجية الاحتلال في الاعتداء على المسجد، وقد شكلت أبرز اعتداءات الاحتلال في الأشهر الماضية، ولم يعد أداء الصلوات العلنية سلوكا فرديا لدى المستوطنين، بل أصبح أداة رئيسة لـ"منظمات المعبد"، وعملت سلطات الاحتلال على فرضها عبر قرارات صادرة عن محاكم الاحتلال. ففي 22 أيار/ مايو 2022 أصدرت محكمة الصلح الإسرائيلية قرارا يقضي بالسماح للمستوطنين بأداء "السجود الملحمي" الكامل داخل الأقصى، إلى جانب أداء صلوات "الشماع" بصوت مرتفع، واعتبار هذه الطقوس لا تهدد "السلم"، وأن أداء الصلوات العملية "حق لجميع الديانات".

وشهد اقتحام الأقصى في 23 أيار/ مايو 2022 محاولات مستوطنين أداء السجود الملحمي خمس مرات، ثلاث منها لم تتعرّض لها شرطة الاحتلال.

مسار المشاريع التهويدية

تعمل سلطات الاحتلال على تغيير هوية المدينة المحتلة، وتزرع في محيط المسجد الأقصى وفي البلدة القديمة العديد من المشاريع التهويدية، في سياق تحقيق رؤيته حول عاصمته المزعومة، وتعزيز وجود مستوطنيه في الشطر الشرقي من القدس المحتلة.

وفي متابعة لأحدث هذه المشاريع، أقرت سلطات الاحتلال في 20 كانون الثاني/ يناير 2022 خطة لتهويد ساحة البراق بقيمة 110 مليون شيكل (نحو 35 مليون دولار أمريكي)، وهدف الخطة بحسب رئيس وزراء الاحتلال، حينها، نفتالي بينيت "مواصلة زخم التنمية والعمل، والاستجابة لزيارات الطلاب والمهاجرين والجنود". وتعمل الخطة على تغيير الطابع العمرانيّ للساحة، وستتضمن تشييد بنى تحتية وشقّ مداخل ومخارج لساحة البراق، إضافة إلى ربطها بوسائل النقل العامة.

وتعد الحدائق التوراتية واحدة من الأدوات التي تحاصر بها سلطات الاحتلال البلدة القديمة، وتطوعها لتحقيق أغراضها الاستيطانية لاحقا. ففي 20 شباط/ فبراير 2022 كشفت مصادر عبرية أن سلطات الاحتلال تعمل على إقامة حديقة توراتية شرق القدس المحتلة، تقع على أراض مملوكة للكنيسة الأرثوذكسية في جبل الزيتون. ويهدف المشروع إلى توسيع "الحديقة الوطنية" حول أسوار البلدة القديمة، التي تديرها جمعية "إلعاد" الاستيطانية.

ومن المشاريع التهويدية الضخمة التي أعلن عنها، مخطط لإقامة مركزين للزوار والمعلومات في جبل الطور بالقدس المحتلة ضمن مشروع "الحوض المقدس" التهويدي، بتكلفة تقدر بمئات ملايين الشواكل، وسيضم مركز المعلومات كنيسا، ومركزا للتدريب، ومكتبة.

إظهار السيادة الإسرائيلية على القدس عبر "مسيرة الأعلام"

شكلت ذكرى احتلال الشطر الشرقي من القدس المسمى عبريا بـ"يوم القدس" في 29 أيار/ مايو 2022 محطة بالغة التصعيد في القدس المحتلة، فإلى جانب اقتحام المسجد الأقصى، شهدت القدس المحتلة "مسيرة أعلام" كانت الأكبر منذ سنوات طويلة. وقد استبقت سلطات الاحتلال المسيرة بنشر آلاف عناصر شرطة الاحتلال وحرس الحدود في المدينة المحتلة، إضافة إلى شن حملات اعتقال. ففي 25 أيار/ مايو 2022، أعلنت سلطات الاحتلال عن اعتقالها نحو مئة فلسطيني من القدس والداخل الفلسطيني في 24 ساعة، بذريعة التخطيط لعرقلة المسيرة.

وفي "يوم القدس" في 29 أيار/ مايو 2022 شارك في المسيرة آلاف المستوطنين، ومعهم أعضاء في "الكنيست" وحاخامات. ومع وصول المسيرة إلى ساحة باب العمود، اندلعت مواجهات في أكثر من نقطة في المدينة المحتلة، ورفع الفلسطينيون أعلام فلسطين عبر الطائرات المسيرة والبالونات وفي ساحات المدينة. وأدت المناوشات مع قوات الاحتلال، إلى إصابة 200 فلسطينيّ، نقل العديد منهم إلى مشافي القدس. وعلى الرغم من مرور المسيرة عبر مسارها المعتاد، ومشاركة آلاف المستوطنين، إلا أن ثبات المقدسيين وصمودهم، ونشر الأعلام الفلسطينية في أزقة القدس المحتلة، أحبط مشهد الانتصار الذي حاولت سلطات الاحتلال تحقيقه، وأثبتت الجماهير الفلسطينية أن القدس لن تكون "عاصمة" الاحتلال.

مسار استهداف المسيحيين والاعتداء على الكنائس المسيحية في القدس المحتلة

يتعرض المسيحيون في القدس لاستهداف مباشر يمس وجودهم، ويتعرض المسيحيون والكنائس المسيحية في القدس المحتلة إلى اعتداءات، تمتد من الاعتداء المباشر على الكنائس من قبل المستوطنين المتطرفين، وصولا إلى عرقلة وصولهم إلى أماكن العبادة والتنغيص عليهم إبان الاحتفال بالأعياد المسيحية في المدينة.

وفي النصف الأول من عام 2022، تابعت أذرع الاحتلال محاولاتها للسيطرة على أملاك الكنائس المسيحية، ولم تترك أذرع الاحتلال قضية تسريب عقارات الكنيسة الأرثوذكسية ضمن دائرة محاكم الاحتلال فقط، بل حاولت تحويل السيطرة على هذه الممتلكات إلى أمر واقع.

ففي 27 آذار/ مارس 2022 استولى مستوطنون من جمعية "عطيرت كوهانيم"، على جزء من فندق البتراء في البلدة القديمة، بحماية قوات الاحتلال، ووضعوا قطعا حديدية على مدخله لمنع المستأجرين الفلسطينيين من الدخول إليه.

أما على صعيد التضييق على المسيحيين بالتزامن مع أعيادهم، فتزامنا مع حلول عيد الفصح حددت سلطات الاحتلال عدد المشاركين في احتفالات سبت النور في كنيسة القيامة بأربعة آلاف فقط، بناء على قرار صادر من قبل محكمة الاحتلال العليا. ويأتي قرار المحكمة على إثر طلب من شرطة الاحتلال يقضي بتحديد أعداد المحتفلين بـ 1500، وهو قرار أثار رفضا من قبل رؤساء الكنائس في القدس المحتلة.

وفرضت قوات الاحتلال بالتزامن مع الاحتفالات إجراءات مشددة في الطرق المؤدية إلى كنيسة القيامة، وأظهرت مقاطع مصورة اندلاع اشتباكات بالأيدي مع قوات الاحتلال.
التعليقات (0)