قضايا وآراء

المشهد في القدس في النصف الأول من عام 2022

علي إبراهيم
1300x600
1300x600
المشهد الإسرائيلي والإقليمي والدولي

تمر السنوات على القدس المحتلة بمزيدٍ من التهويد والأسرلة، ومع انقضاء النصف الأول من عام 2022، تصعّد سلطات الاحتلال من استهداف المقدسيين والمقدسات على حدٍ سواء، وتمضي أذرع الاحتلال في تنفيذ مشاريع تهويد المدينة من دون حسيبٍ أو رقيب. وفي قراءة لتطورات الأحداث في القدس المحتلة في الأشهر الماضية، نقدم في هذه السلسلة من المقالات إطلالةً على أبرز المستجدات والتطورات في المدينة المحتلة.

ونستهل هذه السلسلة بتوطئةٍ حول مستجدات المشهد المحيط بالقدس المحتلة، على الصعد الإسرائيلية والإقليمية والدولية، في سياق تقديم نظرة أوسع لتطورات الأحداث في المنطقة والإقليم، وانعكاساتها على تطورات الأحداث في القدس المحتلة، وما يمكن أن تلقي بظلالٍ في المرحلة القادمة. فلا يُمكن النظر إلى مستجدات قضية القدس من دون المرور على حالة السيولة التي تشهدها الحالة السياسية الإسرائيلية، التي تتجه نحو إعادة للتموضع السياسي، ولن تكون القدس بعيدةً عن سجالاتها، إلى جانب استمرار الانزياح العربي للتطبيع مع الاحتلال، وغيرها من القضايا.

أولا: المشهد الإسرائيلي.. إعادة التموضع بين طرفي اليمين

شهد شهر حزيران/ يونيو الماضي تطورات على الصعيد السياسي الإسرائيلي، التي أشارت إلى أن دولة الاحتلال ماضيةٌ نحو انتخابات خامسة للكنيست في أقل من أربع سنوات. ويأتي التطور على إثر التصويت بالقراءة الأولى على مشروع قانون حل الكنيست الإسرائيلي في 22 حزيران/ يونيو 2022، بغالبية 110 أصوات، ثم تلته المصادقة على القرار بالقراءتين الثانية والثالثة.

ومع تمرير حل الكنيست الإسرائيلي، فمن المتوقع أن تتم الانتخابات في بداية شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، بالتزامن مع عددٍ من الأعياد اليهودية التي تشهد عادةً مواسم لاقتحام المسجد الأقصى وتدنيسه، وهي "رأس السنة العبرية" و"عيد الغفران" و"عيد العُرش"، وهذا ما يرجح أن تشهد المرحلة القادمة تصاعداً في تقديم الدعم الرسمي لأذرع الاحتلال المتطرفة، في سياق الاستقطاب الانتخابي، وتحويل استراتيجيات الاحتلال في "تأسيس المعبد معنوياً"، إلى واقع من خلال السماح بأداء المزيد من الصلوات والطقوس اليهودية العلنية داخل المسجد، بحماية قوات الاحتلال، إلى جانب حشد اقتحامات كبيرة للمسجد بالتزامن مع الأعياد اليهودية القادمة، وانتخابات الكنيست، وهو ما شهده المسجد الأقصى أكثر من مرة في السنوات الماضية، إذ تدعو "منظمات المعبد" أنصارها إلى اقتحام المسجد في يوم الانتخابات وما قبله.

وإلى جانب المشهد السياسي الذي يشهد صراعاً بين طرفي اليمين، فإن طرفي الصراع هذا، يتفقان على استهداف القدس والأقصى، وتحويل الاعتداء على المدينة المحتلة إلى مزايدة سياسية، ومن أبرز الأمثلة على ذلك "مسيرة الأعلام"، فقد شارك فيها بنيامين نتنياهو، بل كان في وقت المسيرة في ساحة البراق برفقة المستوطنين الذين يدنسونها، بالتزامن مع اقتحام مئات المستوطنين باحات المسجد الأقصى.

ثانيا: المشهد العربي والإسلامي.. التطبيع أولوية المرحلة!

تستمر حالة التشظي العربي، وهو تشظٍ ينعكس على استمرار انزياح بعض الدول العربية نحو التطبيع مع الاحتلال، وشهد عام 2022 انحيازاً واضحاً من الدول المطبعة لمصلحة الاحتلال، وظهر ذلك مع اقتراب شهر رمضان وتصاعد إمكانية تفجر الأوضاع في القدس ومختلف المناطق الفلسطينية. ففي 23 آذار/ مارس 2022 اجتمع كل من رئيس وزراء الاحتلال نفتالي بينيت، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وولي عهد الإمارات محمد بن زايد، في مدينة شرم الشيخ المصرية، وبحسب مصادر إعلامية ناقش المجتمعون التصعيد الأمني قبل شهر رمضان في فلسطين والقدس المحتلة، وبحثوا التسهيلات التي سيقوم بها الاحتلال في المناطق المحتلة لمنع تكرار ما جرى في العام الماضي، إضافةً إلى قضايا أخرى.

ولم تكن هذه القمة هي الوحيدة، ففي 28 آذار/ مارس 2022 عُقد في صحراء النقب المحتلة قمة على مستوى وزراء الخارجية، شارك فيها إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية ودولة الاحتلال، كل من وزراء خارجية الإمارات والبحرين والمغرب ومصر. وعلى هامش القمة صرح وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أن الاجتماع هو الأول، ولكنه لن يكون الأخير. وحول جدول أعمال القمة قال بلينكن: "نعمل معاً لمواجهة التحديات الأمنية المشتركة". وتؤشر القمتان إلى حالة من التماهي بين الدول المطبعة والاحتلال، وأن التنسيق بينها لم يعد منحصراً بملفات هامشية مشتركة، بل أصبح تنسيقاً على المستويات الأمنية والسياسية والاقتصادية.

هذا التنسيق عاد إلى الواجهة مجدداً في حزيران/ يونيو 2022، ففي 9 حزيران/ يونيو 2022 زار رئيس وزراء الاحتلال نفتالي بينيت دولة الإمارات، والتقى برئيس الدولة محمد بن زايد، وهي الزيارة الثالثة لبينيت إبان رئاسته لحكومة الاحتلال، والأولى بعد تولي بن زايد رئاسة دولة الإمارات. وبحسب بيان صادر عن الاحتلال قال بينيت إن الزيارة ستنقل العلاقة بين البلدين "إلى المستوى التالي". وسبق الزيارة استمرار تطور التطبيع بين دولة الاحتلال والإمارات، ففي أيار/ مايو 2022 وقّع الجانبان اتفاقية للتجارة الحرة، وهي أول اتفاقية من نوعها مع واحدةٍ من الدول العربية المطبعة مع الاحتلال، إذ ستنعكس على خفض أو إلغاء التعريفات الجمركية، وتستهدف زيادة حجم التجارة بين الجانبين لتصل إلى نحو عشرة مليارات دولار أمريكي.

ولم يقف التطبيع الخليجي مع الاحتلال، عند الاتفاقيات الاقتصادية والزيارات الرسمية فقط، بل تطور إلى أشكال لم تكن متداولة مع الدول التي طبعت في السبعينيات والتسعينيات. ففي سياق زيارة بينيت إلى الإمارات، كشفت وسائل إعلام عبرية بأن الاحتلال نشر منظومات رادار عسكرية في عددٍ من الدول من بينها الإمارات والبحرين، وبحسب ما نشرته القناة العبرية الـ12 في 9 حزيران/ يونيو 2022 فإن الهدف من نشر المنظومة "مواجهة تهديدات إيران الصاروخية". ولكن السؤال الحقيقي أمام هذه المعطيات هو حالة الانكشاف الأمني لهذه الدول، وقدرة الاحتلال على اختراقها بمستوياتٍ غير مسبوقة، خاصة بأن مروحة التطبيع تتوسع بشكل مضطرد مع التقارير التي تتحدث عن استخدام جهاتٍ عربية لبرنامج "بيغاسوس" الإسرائيلي، إضافةً إلى الحديث عن زيارات رجال أعمال إسرائيليين إلى الرياض، عاصمة المملكة العربية السعودية.

وإلى جانب دول الخليج، شهدت العلاقات التركية والإسرائيلية إعادة تطبيعٍ على مستويات رفيعة، ففي 9 آذار/ مارس 2022 زار الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ تركيا والتقى بعددٍ من المسؤولين، في مقدمتهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وبحسب مصادر تركية فقد تم الاتفاق على تطوير التجارة والسياحة والطاقة بين الجانبين. وتكررت الزيارات الرسمية بينهما، ففي أواخر أيار/ مايو زار وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو دولة الاحتلال، وقال حينها "إن تطبيع العلاقات بين تركيا وإسرائيل سيكون له أثر إيجابي من أجل حل سلمي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي". وقد لاقى تطبيع العلاقات رفضاً من شرائح تركية مختلفة.

ثالثاً: المشهد الدولي.. الطاقة وإسرائيل أولاً

ما زالت الحرب الروسية- الأوكرانية مسيطرة على المشهد الدولي في الوقت الحالي، وإن غابت تفاصيل الحرب عن المتابعة اليومية، إلا أن انعكاساتها على أسعار النفط وعلى الأمن الغذائي العالمي، وغير ذلك بدت ظاهرة في الإشكاليات التي تركتها الحرب على الاقتصاد العالمي.

وهذا من الأسباب الكامنة خلف جولة الرئيس الأمريكي القادمة إلى المنطقة، الذي يضع ملف الطاقة أولوية له في هذه المرحلة. وعلى الرغم من أن الجولة التي ستكون بين 13- 16 تموز/ يوليو 2022 ستشمل زيارة الأراضي المحتلة والسلطة الفلسطينية، فإنها لن تأتي بفائدة للفلسطينيين، بل العكس.

وقد صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت بأنه "خلال زيارة بايدن سيتم الكشف عن خطوات أمريكية لتعزيز اندماج إسرائيل في الشرق الأوسط وازدهار المنطقة كلها". ووفق قناة "كان" الإسرائيلية الرسمية، "من المتوقع أن تشمل زيارة الرئيس الأمريكي إلى إسرائيل إعلاناً عن تعاون أمني غير مسبوق بين إسرائيل والخليج، بما في ذلك السعودية. وأفادت القناة بوجود "اتصالات متقدمة لإقامة منتدى رسمي وأمني، بين إسرائيل والسعودية ودول عربية أخرى، سيركز على قضية الدفاع الإقليمي في منطقة الخليج في مواجهة التهديد الإيراني".

وقال وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد إنَّ "للزيارة تداعيات كبيرة على المنطقة والصراع مع إيران، وتنطوي على إمكانات هائلة لرفع مستوى الاستقرار والأمن الإقليميين بشكل كبير".
التعليقات (0)