كتاب عربي 21

زيارة بايدن للمنطقة: العرب بين محوري التطبيع والمقاومة

قاسم قصير
1300x600
1300x600
وصل الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى المنطقة، في زيارة هي الأولى له منذ انتخابه رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، حيث يزور الكيان الصهيوني والسلطة الفلسطينية والسعودية.

وقد أثارت هذه الزيارة منذ الإعلان عنها جدلا كبيرا داخل أمريكا أو في دول المنطقة، سواء حول أهدافها أو تفاصيلها أو برنامجها السياسي والاقتصادي والأمني.

والبعد الأخطر في هذه "الزيارة الإشكالية" كان الحديث الذي أدلى به الملك الأردني عبد الله الثاني؛ من أن هناك مشروعا لإنشاء حلف ناتو أمريكي- عربي- إسرائيلي، ولكن جرى التراجع عن هذا الهدف، ليتم الحديث عن إجراءات أمنية تنسيقية بين الكيان الصهيوني وبعض الدول العربية برعاية وإشراف أمريكي، تحت عنوان التطبيع الأمني- الاقتصادي- العسكري، ومواجهة ما يسمى: التهديدات الإيرانية للكيان الصهيوني ودول المنطقة.

وكان الحدث الأكثر إشكالية الذي جرى الحديث عنه خلال التحضير لهذه الزيارة هو اللقاء بين الرئيس الأمريكي جو بايدن وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وذلك بسبب استمرار تداعيات مقتل الصحافي السعودي والاتهامات الموجهة لمحمد بن سلمان بأنه وراء هذه الجريمة. وقد اضطر الرئيس الأمريكي للإعلان عن أنه لن يعقد لقاء خاصا مع محمد بن سلمان وسيلتقي به ضمن اجتماعات مشتركة.
الحديث عن إجراءات أمنية تنسيقية بين الكيان الصهيوني وبعض الدول العربية برعاية وإشراف أمريكي، تحت عنوان التطبيع الأمني- الاقتصادي- العسكري، ومواجهة ما يسمى: التهديدات الإيرانية للكيان الصهيوني ودول المنطقة

ومن أجل تبرير الزيارة وشرح أهدافها نشر الرئيس الأمريكي بايدن مقالا في جريدة الواشنطن بوست الأمريكية؛ شرح فيها الأسباب التي جعلته يتخذ قراره بزيارة السعودية رغم التحفظات التي أبدتها إدارته على سجل المملكة في حقوق الإنسان.

ومن الواضح أن الرئيس جو بايدن يتطلع إلى إعادة تشكيل السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط، مع التركيز على تعزيز العلاقات مع السعودية والتي سبق أن وصفها بالدولة "المنبوذة"، لكن يبدو الآن، حسب صحيفة الواشنطن بوست، أنه يرى مكاسب من التقرب للسعودية بدلا من عزلها، في ظل أزمة النفط والغاز العالمية وارتفاع الأسعار بعد الحرب الروسية على أوكرانيا وتداعياتها، وحاجة أمريكا لتعزيز دورها في المنطقة.

لكن الأخطر في الموقف السعودي اليوم استعدادها للتقارب مع الكيان الصهيوني، وتصريح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مؤخرا بأن إسرائيل "حليف محتمل" لبلاده.

وأوضح بايدن في مقاله الذي أشرنا إليه أن جولته الأسبوع المقبل للشرق الأوسط تأتي لـ"بدء فصل جديد"، في "وقت حيوي بالنسبة للمنطقة، وستعمل على تعزيز المصالح الأمريكية المهمة".

وبعد أن كان بايدن يتحفظ سابقا على زيارة السعودية، فالآن يحتاج إلى مساعدة السعودية الغنية بالنفط في وقت ترتفع فيه أسعار البنزين، كما أنه يذهب إلى هناك بعد أن نجحت جهوده في التخفيف من الحرب في اليمن بعدما مدد السعوديون في الآونة الأخيرة وقفا لإطلاق النار هناك.
نحن إذن أمام تطور جديد سواء في العلاقات الأمريكية- السعودية، أو على صعيد مشروع التطبيع بين الكيان الصهيوني وبعض الدول العربية، والأخطر في هذا التطور مشاركة السعودية في هذا المشروع بعد أن كانت سابقا متحفظة على اتفاقات أبراهام التطبيعية

نحن إذن أمام تطور جديد سواء في العلاقات الأمريكية- السعودية، أو على صعيد مشروع التطبيع بين الكيان الصهيوني وبعض الدول العربية، والأخطر في هذا التطور مشاركة السعودية في هذا المشروع بعد أن كانت سابقا متحفظة على اتفاقات أبراهام التطبيعية، والتي كان يرعاها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، رغم العلاقة القوية التي ربطته بالمسؤولين السعوديين وحصوله على دعم بمليارات الدولارات خلال عهده.

وفي المقابل، فإن هذا المشروع يواجه بشكل واضح وصريح "محور المقاومة" والذي تدعمه إيران ويضم قوى المقاومة، وخلال المؤتمر القومي العربي والمؤتمر القومي الإسلامي اللذين عقدا مؤخرا في بيروت، تحدث قادة المقاومة وفي مقدمتهم رئيس المكتب السياسي في حركة حماس إسماعيل هنية عن خطورة مشروع التطبيع بين الكيان الصهيوني وبعض الدول العربية برعاية أمريكية، والهادف لتصفية القضية الفلسطينية ومحاصرة المقاومة.

وقد قدّم قادة المقاومة في لبنان وفلسطين وعدد من المفكرين العرب القوميين والإسلاميين العديد من الأفكار والطروحات والمشاريع لمواجهة هذا المشروع الخطير، ومن أهم الأوراق والدراسات التي قدمت كانت الدراسة التي أعدّها المفكر منير شفيق، الذي دعا فيها إلى تعزيز التكامل القومي- الإسلامي لمواجهة المخاطر القادمة. وكانت البيانات الصادرة عن المؤتمر القومي العربي والقومي- الإسلامي واضحة في تحديد المخاطر القادمة وآليات المواجهة المقبلة.
المنطقة العربية والعرب أمام محطة جديدة في الصراع العربي- الإسرائيلي، وفي الجهود التي تبذلها أمريكا لتصفية القضية الفلسطينية ومواجهة قوى المقاومة، وكل ذلك يتطلب من قوى ودول محور المقاومة إعادة ترتيب أوضاعها الداخلية والعلاقات فيما بينها

وفي الخلاصة، المنطقة العربية والعرب أمام محطة جديدة في الصراع العربي- الإسرائيلي، وفي الجهود التي تبذلها أمريكا لتصفية القضية الفلسطينية ومواجهة قوى المقاومة، وكل ذلك يتطلب من قوى ودول محور المقاومة إعادة ترتيب أوضاعها الداخلية والعلاقات فيما بينها، لتعزيز التعاون والتنسيق لمواجهة مخاطر المرحلة المقبلة. وكما نجحت قوى المقاومة في إفشال المؤامرات السابقة على القضية الفلسطينية وإسقاط مشاريع التطبيع والاحتلال والتهويد والسيطرة على القدس وإنهاء القضية الفلسطينية، فإنها ستنجح أيضا في هذه المواجهة.

ونحن اليوم نعيش الذكرى السادسة عشرة لذكرى حرب تموز/ يوليو 2006، والذكرى السنوية الأربعين لذكرى احتلال الجيش الإسرائيلي للبنان في حزيران/ يونيو 1982، والذكرى الخامسة والخمسين لحرب النكسة في حزيران/ يونيو 1967، وكل هذه المحطات أثبتت قدرة الشعب الفلسطيني والشعوب العربية على تحويل الهزيمة والنكسة والاحتلال إلى محطة لتعزيز وتطوير المقاومة ومواجهة العدو الصهيوني. واليوم المقاومة أقوى وهي قادرة على مواجهة هذه المشاريع الخطيرة، لكن الأهم أن يكون لديها الخطة الشاملة للمواجهة، وأن يكون محور المقاومة موحدا في مواجهة محور التطبيع والهزيمة.

وما النصر إلا من عند الله.

twitter.com/kassirkassem
التعليقات (0)