هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نعتبر قيس سعيد "ظاهرة" لكونه لا يمثل رؤية ولا مشروعا ولا علاقة له بسياقات تاريخية وسياسية، فهو "ظاهرة" تحتاج جهدا من علماء النفس السياسي وعلماء الاجتماع السياسي لدراستها وكشف ظروف نشأتها وآليات فعلها وردود فعلها، رغم تأكد المتابعين للشأن التونسي من كون هذه "الظاهرة" هي خارج قوانين الظواهر، وهي عصية عن الفهم والتفسير بل وحتى التأويل.
القول بكون قيس سعيد هو ظاهرة شعبوية لا يبدو قولا كافيا، فهو ما بعد الشعبوية لما بات يصدر عنه من ممارسات استفزازية للتونسيين، ممارسات لا تبررها قوانين ولا منطق السياسة ولا أخلاق التعامل ولا بروتوكول العلاقات مع الدول والمنظمات الدولية.
"ظاهرة قيس سعيد" لا يمكن أن تكون إلا "صناعة" مختبر متمرس بصنع الظواهر، عارف بطبيعة المجتمعات ودارس للشخصيات المستعمَلة في ترسيخ الظاهرة وتمكينها.
بعد التعسف في تأويل الفصل 80 من الدستور وبعد الهجمة على مؤسسات دستورية، وبعد انقلاب على اتحاد الفلاحين ومحاولة الانقلاب على اتحاد الشغل، وبعد جرأته على قامات نضالية بالإيقاف والمحاكمة، ها هو يعمد إلى استفزاز التونسيين في معتقدهم بعزمه على حذف الفصل الأول من "الدستور الجديد" في "الجمهورية الجديدة"، وهو الفصل الذي ينص على هوية الشعب التونسي الدينية والحضارية، فصل لم يتجرأ عليه أحد من قبل لكونه يمس روح الشعب وعمق انتمائه.
قيس سعيد يقول إن الدولة لا دين لها، والصادق بلعيد المكلف بصياغة الدستور يقول مستهزئا "إن الدولة لن تقف يوم القيامة أمام الله للحساب"، وحين سأله الصحفيون عن موعد إنهاء دستوره الجديد أجابهم باستفزاز: "الجواب عند الله وسيدي بلحسن" (سيدي بلحسن هو ولي صالح في الذاكرة التونسية).
وإمعانا في إهانة التونسيين واستفزازهم، يقول الصادق بلعيد، وهو أستاذ القانون الدستوري بالجامعة التونسية ومكلف من قيس سعيد بإعداد الدستور، إن موقع رئيس الجمهورية في الدستور الجديد سيكون فوق كل المؤسسات الدستورية، بمعنى أنه سيكون ذا صلاحيات مطلقة ولا يتحمل أي مسؤولية أمام أي جهة دستورية أو قضائية مهما تعددت أخطاؤه، بل وحتى جرائمه بحق البلاد والعباد.
والسؤال هو: هل فعلا ما يصدر عن قيس سعيد هو من إنتاجه كشخص بهويته العلمية وبنيته النفسية والذهنية؟ أم إن قيس سعيد هو "ظاهرة" تشترك في صناعتها عدة أطراف داخلية وخارجية، تمهيدا لشبح قادم يكون بمثابة "المنقذ" ويبقي على بعض "منجزات" سعيد التشريعية لضمان تأبيد استبداد ناعم يكون في نفس الوقت "منقذا" و"مُنفّذا" لوصفة "غرفة الانقلاب"؟
إن ما يبديه قيس سعيد من عناد وتصلب ومكابرة وإمعان في إهانة التونسيين يجعل مثل تلك الأسئلة منطقية، فالرجل ليس مكافحا سياسيا ولا مناضلا نقابيا ولا صاحب فضل ثقافي إبداعي على التونسيين، فمن أين يستمد كل هذه الجرأة؟ وهل فعلا أنه مشبع بروح السيادة الوطنية يتصدى لمختلف محاولات التدخل الخارجي، بل ويرفض حتى تصنيف المؤسسات المالية وملاحظات الجهات المانحة والمقرضة؟
الشارع الديمقراطي وبعد مظاهرته السادسة عشرة يوم الأحد (19 حزيران/ يونيو الجاري) أكد دائما أن "ظاهرة قيس سعيد" هي ظاهرة افتراضية لا حقيقة لها على الأرض، فالمسيرات المناهضة للانقلاب تزداد تعبئة وحماسة، وخطاب مناضلي جبهة الخلاص بوصلته إسقاط الانقلاب وعودة المسار الديمقراطي.
السؤال هو: هل سيكون قيس سعيد ومن معه جزءا من الحل المنتظر؟ أم سيكون ملفا قضائيا تحاسبه الديمقراطية المنتصرة حين تكون "ذات أنياب" كما قال أحد أبرز قياديي جبهة الخلاص، أستاذ القانون الدستوري جوهر بن مبارك؟
على وقع محاكمات التيك توك في تونس.. الحرية الأخلاقية والمسؤولية (2-2)