قضايا وآراء

ردّا على حوار د. طارق الزمر مع "عربي21"

يحيى القزاز
1300x600
1300x600
طالعت تصريحات الدكتور طارق الزمر، رئيس حزب البناء والتنمية المصري، في حواره مع الصحفي الأستاذ طه العيسوي بصحيفة "عربي21" الصادرة في لندن، يوم الأربعاء بتاريخ 8 حزيران/ يونيو 2022.

كشف الحوار عن سياسي بارع يجيد اللعب السياسي بحرفية ومهارة عاليتين، لا تتفق مع طبيعة "الإسلاميين" الجامدة الصلدة. فكرت في الرد على د. طارق كشيء خاص بيني وبينه، إلا أنني تراجعت، وهأنذا أرد على الملأ في نفس الصحيفة ليعلم الناس الرأيين.

استغرقت وقتا طويلا أستجمع فيه شجاعتي كي أرد على الملأ، بعد أن استولى علينا خوفان: خوف من بطش السلطة واتهامنا بالتخريب والأخونة، وخوف من مزايدة الجماعات الطائفية (الجماعات الإسلامية) واتهامنا بالكفر وكراهيتنا للدين، وأننا ضد الإسلام. وقد حدث هذا منهم جميعا عند الاختلاف معهم منذ قامت ثورة 25 يناير 2011 وحتى الآن؛ فما زالت تهمهم جاهزة بالكفر وكراهية الدين كما تهم السلطة جاهزة بالتخريب والأخونة.

ونحن ممن يحبون الوطن والأهل، وحريصون على ديننا الحنيف بغير مزايدة ولا نفاق. فكان لزاما الرد على الملأ ليعرف الناس كيف نفكر جميعا، نحن وهم، والهدف هو التوصل لحل لصالح الوطن قبل أن يكون تسجيل انتصار لفصيل وإقصاء لآخر.
حمل الحوار رسائل غاضبة للداخل وبشوشة للخارج. رسائل الداخل تتميز بالانزعاج والقلق والرفض والتحذير، وهذا حق لكل صاحب فكر أيديولوجي مهما يكون الاختلاف معه، ورسائل الخارج هادئة فيها طمأنة ووداعة وامتنان لـ"الولايات المتحدة الأمريكية التي رفعت الجماعة الإسلامية المصرية من قوائم الإرهاب"

حمل الحوار رسائل غاضبة للداخل وبشوشة للخارج. رسائل الداخل تتميز بالانزعاج والقلق والرفض والتحذير، وهذا حق لكل صاحب فكر أيديولوجي مهما يكون الاختلاف معه، ورسائل الخارج هادئة فيها طمأنة ووداعة وامتنان لـ"الولايات المتحدة الأمريكية التي رفعت الجماعة الإسلامية المصرية من قوائم الإرهاب"، واعتبر هذا "تطورا من حكومة أهم دولة معنية بمحاربة الإرهاب (أمريكا)". وفي هذا تجاوز من رجل عقيدته إسلامية، وجماعته إسلامية وتسعى للحكم الإسلامي. كلام فيه مغازلة للأمريكان؛ فالحكومات الأمريكية قديمها وحديثها هي مصدر الإرهاب الأول في العالم، بل هي "الشيطان الأكبر" الذي فاق إبليس، إلا أنه يبدو أن الغاية تبرر الوسيلة، والبعض يعتبرها تقية لقضاء المصالح.

أشرتم إلى رضا أمريكا حاليا، واستشهدتم بحالة رضا أمريكا مع العالم الإسلامي. ربطتم بين ما حدث في نهاية سبعينيات القرن العشرين من صراع بين الروس (الاتحاد السوفييتي) وأمريكا المؤمنة مع ما يحدث اليوم من صراع بين الروس وأمريكا عبر أوكرانيا. في المرتين كانت الحرب بين أمريكا وروسيا بالوكالة؛ الأولى خاضتها الجماعات الإسلامية ضد الروس في أفغانستان، والثانية تخوضها أوكرانيا بالوكالة عن أمريكا ضد الروس أيضا. وفي المآسي التاريخ يكرر نفسه بزي عصره.

هو نفس ما حدث عندما ذهب وفد إخواني لأمريكا أثناء حكمهم لمصر (2012-2013)، تطوعوا بلا مطالبة من أحد بالاعتراف بالهولوكوست، وطالبوا بعودة اليهود لمصر (باعتبارهم مصريين طردهم جمال عبد الناصر)، وأضافوا أن السلفيين لا يحبون الديمقراطية وضد المرأة.. تصريحات مجانية.. عربون محبة من سذج طيبين لذئب لا أمان له. ماذا لو تغير العالم اليوم وانزاحت امريكا بجبروتها وحل غيرها محلها، هل تتحول المغازلة من القديم إلى الجديد؟!

سمعت وتعلمت منذ نعومة أظافري في الصعيد الجواني أن "عدو أبوك عمره ما يبقى حبيبك، واللي ما يقدرش يحمي نفسه ما يحمهوش ماله لو استأجر بيه أقوى الرجال لحمايته"، وعندما غدوت شيخا تحقق ما سمعته في طفولتي ورأيته في استمرار غدر الصهاينة بأهلنا في فلسطين، برغم سماح أهلنا بجزء من أرضهم مقابل السلام، ورأيت. وسمعت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يفرض أتاوات على دول الخليج وكبيرتهم السعودية، تدفع أموالا باهظة مقابل حمايتها وإلا يتركها نهبا لغيرها.. وللأسف دفعوا وهم صاغرون مئات المليارات من الدولارات التي تغني كل العرب لو وزعوها عليهم، ورقص ملوكهم كالدمى مع عدوهم على أشلاء كرامتهم المبعثرة.

لماذا يتقدم الغرب غير المسلم ويتأخر المسلمون المؤمنون بالله؟ البعض يقول لأنهم كفار لهم الدنيا ولنا الآخرة، والبعض يرى أن المسلمين ابتعدوا عن الله. وهل كان الغرب أقرب إلى الله من المسلمين الموحدين به؟!

جوهر الموضوع أن الله سبحانه وتعالى خالق الجميع وإله الجميع ورب الجميع، مَن آمن به ومَن كفر، وإليه مرجعهم، وعليه حسابهم. والله سبحانه وتعالى الخالق منح كل مخلوق عقل مسؤول عن تصرفاته يحاسبه على اختياراته. استخدم المسلمون عقولهم السليمة في البدايات فنشأت الحضارة الإسلامية بأطيافها المتعددة عربية وأعجمية، سادوا وصاروا روادا في العلوم الطبيعية والاجتماعية. أخذ عنهم الغرب وترجم.. عملوا فتقدموا، ثم تراخوا أهتموا بالحكم والخلافة فلا نجحوا في حكم ولا حققوا دولة الخلافة، ومزقت خلافتَهم المهلهلة امرأةٌ (إيزابيلا) وطردتهم من الأندلس، أجبرتهم على تغيير أسمائهم الإسلامية ودينهم الإسلامي. بكى المدعو خليفة المسلمين في الأندلس، نهرته أمه: لا تبك كالنساء على ملك أضعته.

منذ ذلك التاريخ تقلصت دولة المسلمين، وتمددت دول الغرب على أنقاضها، وتطورت للأفضل. صار المسلمون وغيرهم مستضعفين في بلدانهم حتى صاغت لهم الإمبريالية العالمية حدود دولهم وممالكهم بعد الحرب العالمية الأولى، وعينت قطاع الطرق ملوكا يحكمون باسم الدين، والدين بريء منهم، إلى أن جاءت تلك الأسرة التي احتلت أكبر دولة عربية من حيث المساحة وبها أعظم المقدسات الإسلامية بمساعدة الأمريكان. دعمت تلك الدولة (دولة آل سعود) التطرف ماديا ومعنويا، فترعرع وصار يضرب بجناحيه في الأرض الرخوة، يُكفّر المسلمين، ويأتمر بأوامر أمريكا للدفاع عن مصالحها بالوكالة باسم الجهاد الإسلامي.. الفريضة الغائبة، والآن تنكرت لماضيها، وأعلنت تحررها من الشريعة والشرع، واعترفت بخطئها الماضي في التزمت الديني غير المبرر، وانقلب حكامها يتشبهون بالأوروبيين والأمريكيين في كنف كفيل أمريكي يحميهم ويحافظ على ملكهم، كله حسب ما تريده أمريكا والغرب، وكل له فتوى دينية مدفوعة الأجر مالا أو ترغيبا أو ترهيبا.

منذ أكثر من ثمانين عاما يدعون ويعلنون أنهم يحكمون بشرع الله، دولة إسلامية صرفة، يطبقون فيها الحدود كما وردت في القرآن، كي يخرسوا المختلفين معهم الفاضحين لفسادهم. الآن انقلبوا واعتبروا الماضي تزمتا وسوء فهم للإسلام. قسّموا الإسلام إلى وسطى ويميني متطرف ويساري.. حاجة تضحّك. كله حسب ما يأمر به الغرب ويقره ولي الأمر صنيعة الأمريكان.

دول المسلمين رسمت حدودها وعيّنت حكامها الإمبريالية العالمية.. نشأت الدولة السعودية تحكم بشرع الله كي لا يعارضها أحد، فمن يعترض يعترض على حدود الله، ويُصنف مرتدا تجز رقبته باسم الدين.

بالموازاة، كوّن الأستاذ حسن البنا جماعة الإخوان المسلمين في مصر عام 1928 كجماعة دعوية تحوّلت لجماعة سياسية شاركت في العمل السياسي، جاهدت قاتلت وقتلت، وصار الحكم هدفها. وصلت للحكم منتصف عام 2012، وأزيحت من الحكم منتصف 2013، تحالفت مع كل قوى في الدولة، أفلحت أحيانا وفشلت كثيرا ودفعت الثمن.
تاريخ جماعة الإخوان معروف للجميع، ولست في مجال انتقادها، وإنما في محاولة استعراض لما قدمته الجماعات الطائفية (الإسلامية).. والطائفية ليست سبة؛ فكل جماعة إسلامية تعبير عن طائفة، وإلا كان للمسلمين جماعة واحدة تضم جميع المسلمين العصاة والمتقين

وتاريخ جماعة الإخوان معروف للجميع، ولست في مجال انتقادها، وإنما في محاولة استعراض لما قدمته الجماعات الطائفية (الإسلامية).. والطائفية ليست سبة؛ فكل جماعة إسلامية تعبير عن طائفة، وإلا كان للمسلمين جماعة واحدة تضم جميع المسلمين العصاة والمتقين، تهدي العاصي وتدعو الكافر بالتي هي أحسن. مهما اختلف مع أي فصيل فهو مصري، والخطأ مني أو منه محله القضاء، لا فضل لأحد منا على الآخر.

توالدت من جماعة الإخوان جماعات "إسلامية" كثيرة كفّرت المسلمين، وتركت فلسطين، وراحت يجاهدون نيابة عن الأمريكان في أفغانستان، وأصبح حلمها تكفير المسلمين وإقامة دولة الخلافة. في سبيل ذلك سالت دماء، وتفرّقت قبائل وتشردت أسر بتكفير بعضهم البعض.

يريدون حكما إسلاميا ودولة خلافة.. هذا حقهم. لم يسألوا أنفسهم كيف ترهلت وضاعت دولة الخلافة منذ مئات السنين؟! ولماذا يتوددون للغرب وأمريكا بالذات لينالوا رضاهم والسماح لهم بالحكم؟! ما الذي فعلته الجماعات منذ نشأتها لصالح المسلمين والدين؟ لا أهاجمهم ولا أنافسهم، لكنني أتذكر ما فعلوه بأنفسهم وبالمسلمين وبالدين وبالأوطان علّنا نهتدى ونعرف أننا مسلمون، جماعة واحدة لا جماعات متشرذمة متناحرة تسيء للدين والناس والوطن.
يريدون حكما إسلاميا ودولة خلافة.. هذا حقهم. لم يسألوا أنفسهم كيف ترهلت وضاعت دولة الخلافة منذ مئات السنين؟! ولماذا يتوددون للغرب وأمريكا بالذات لينالوا رضاهم والسماح لهم بالحكم؟! ما الذي فعلته الجماعات منذ نشأتها لصالح المسلمين والدين؟

لماذا يصرون على تسمية أنفسهم بالجماعات الإسلامية في وطن غالبيته مسلمون؟ هل هي جماعة فاضلة والمسلمون الآخرون دونهم؟ لماذا لا يكون الإسلام عاما لجميع المسلمين لا خاصا لجماعة؟!

د. طارق الزمر يدعو لوضع حدود وقيود وشروط لمشاركة الإسلاميين والحركات الإسلامية في الحكم مستقبلا. لا يجب وضع شروط ولا قيود على أي مصري يريد المشاركة في الحكم بشكل ديمقراطي، طالما نحن في دولة مسلمة ودستورها يقر بأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع، فمَن يرتضي دستور الدولة لا يقبل بمحاصصة ولا مشاركة مقيدة مشروطة، ويحق لكل مواطن مصري بغض النظر عن ديانته أن يشارك في حكم مصر بناء على دستور مكتوب ارتضاه الجميع.

دولة مدنية المواطنة فيها حجر الزاوية، دولة مدنية للجميع تسود فيها قيم العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص، لا تحارب الدين ولا تقبل بكل ما هو شاذ وضار. دولة مدنية دستورها مكتوب بوضوح، ملزم للجميع وملبٍ لاحتياجات الجميع.. لا استغلال فيها باسم الدين ولا باسم الوطنية. دولة مدنية فيها مؤسسة مستقلة للعلوم والفتاوى الإسلامية، دولة يجتمع فيها كل أطياف المواطنين كما كانت دولة الإسلام في القرون الأوائل فيها كل الأطياف.

تجربة جماعات الإسلام السياسي للأسف لم تأت بخير على المجتمعات، خرّبت وقسمت أوطانا وأزهقت أرواحا. العيب ليس في الإسلام، العيب في مدعي الإسلام.. مَن يخصّخصه ويقزّمه ويفصّله على مقاسه، ويستغل الدين في السياسة بالباطل.
دولة مدنية المواطنة فيها حجر الزاوية، دولة مدنية للجميع تسود فيها قيم العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص، لا تحارب الدين ولا تقبل بكل ما هو شاذ وضار. دولة مدنية دستورها مكتوب بوضوح، ملزم للجميع وملبٍ لاحتياجات الجميع

عندما نعترف بفشل تجربة الإسلام الطائفي (الإسلام السياسي.. كيف نقبل بمساواة الإسلام بمذهب سياسي كالاشتراكية والليبرالية، ونقبل بوصف الغرب له بالإسلام السياسي؟)، هذا لا يعني إقصاؤهم من الوطن، بل يتطلب البحث بصدق وأمانة وموضوعية عن الخلل في تجارب الإسلام السياسي التي تفشله! ولماذا الإصرار على استخدام صفة الإسلامي لبعض الجماعات في العمل السياسي ونحن في دولة مسلمة، دستورها يقر الشريعة الإسلامية كمصدر رئيس للتشريع، ومصر دولة مسلمة؟

ماذا يصنع المسلمون قبل غيرهم في زيادة عدد الجماعات الطائفية؟ والناس يتبعون أي جماعة؟! فقد ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قيل: مَن هي يا رسول الله؟، قال: مَن كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي. وفي بعض الروايات: هي الجماعة. رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم. فأي جماعة نتبع يا أولى الألباب؟

نحن لسنا كارهين للإسلام ولا المسلمين، نحن أحرص على ديننا من الفتن والخصخصة واستغلال الدين في السياسة لتكوين دولة الجماعة الخاصة لا دولة المسلمين عامة. وفي دولة المسلمين -إن فلحت- يتعايش الجميع بغض النظر عن لونهم ودينهم وجنسهم في سلام ومساواة واحترام لحقوق الإنسان. وهل الدولة المدنية بالدستور الحالي "كافرة"؟ إن كانت كذلك فبدلا من ضياع الوقت والمطالبة بمشاركة مشروطة ومقيدة في الحكم مستقبلا، يجب الإشارة إلى نصوص الكفر ليكون النقاش عمليا، وتكون الدولة دولة الجميع لا دولة جماعة تستغل الدين وتستبد بالوطن.
التعليقات (1)
حمدى مرجان
الأحد، 12-06-2022 04:38 ص
الاحزاب المسيحية تحكم اوربا بنفس الاسم الحزب المسيحي الديمقراطي والمسيحي الحر وغير الاسماء ، هناك ما يطلق عليه اليمين وهي " احزاب. دينية ، خالصة ، وهناك نوع اخر مثل النقابات وظيفتها ااجتماعية تكافلية لاعضاءها فقط ولكنها تقوم بدور سياسي كبير وموجه ، وهناك الكثير من الجماعات الدينية مثل " الليونز والروتارى وشهود يهوه والشبان المسيحين " ولهم مقرات بمصر وتعمل بالتبشير تحت الغطاء الاجتماعي واعضاءها من كبار القوم ، الجماعة الاسلامية عندكم غير ذلك ، بقدر علمك وجهلك. ، فاعضاءها ملتزمون بمبادئها الاسلامية ويعملون علي قدر طاقتهم ولكن فهمهم للدين اقوى مما تعتقد و وسلوكهم الاسلامي اكبر مما تظن ، فالصحفي يحتاج القانون للمحافظة علي استقلاله ، وكل فئة في المجتمع تحتاج القانون الخاص كذلك ، الدستور ابو القوانين وليس منشئها ، ولذلك تحتاج التشريع " السياسي " حتي يتاح لها العمل بحرية في ظل قانون ترثضيه ، الموقف من الجماعات الاسلامية بسب شعبيتها وليس باى شئ اخر يمكن قوله ، واظنك شاهد علي الاحداث من اولها ، ولذلك اخرجت حقدك وغلك في 30 سونيا المجيدة التي تبكي الان منها عليها