قضايا وآراء

عن الزيارة المفاجئة لوزير الخارجية الأردني إلى رام الله

ماجد عزام
1300x600
1300x600

حطّ وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي الثلاثاء في رام الله بشكل مفاجئ وغير معلن مسبقاً. الزيارة بدت لافتة جداً لتزامنها مع مسيرة الأعلام الإسرائيلية بالقدس المحتلة الأحد الماضي، وتجاوزات وممارسات الاحتلال في المدينة والوساطات العربية والدولية لمنع انفجار الأوضاع والذهاب إلى تصعيد كبير في فلسطين بشكل عام، وكذلك لتزامنها المباشر أيضاً مع قرار الرئيس محمود عباس تعيين حسين الشيخ أميناً لسرّ منظمة التحرير، وتحوّله عملياً إلى الرجل الثاني في القيادة الفلسطينية حيث بدا لافتاً عقد وزير الخارجية الأردني مؤتمره الصحفي الختامي لإكمال وتلخيص الزيارة مع الشيخ نفسه لا مع نظيره حامل حقيبة الخارجية في السلطة رياض المالكي.

يمكن الحديث عن عدة أهداف للزيارة المفاجئة يأتي على رأسها وأهمها ربما إعادة تعويم وتقوية قيادة السلطة الفلسطينية، والسعي لإسباغ الشرعية العربية والدولية عليها كممثل للفلسطينيين بعدما تم تهميشها وتجاهلها خلال الأسبوع الأخير بل الأسابيع والشهور الماضية، حيث بدت عاجزة ومنفصلة عن الواقع وغير قادرة على التأثير في الأحداث والتطورات بما في ذلك الدفاع عن شعبها بمواجهة الممارسات والجرائم الإسرائيلية. ولذلك انصبت الوساطات العربية والدولية على العمل مع قيادة حركة حماس بغزة والخارج لمنع التصعيد حتى في القدس والضفة الغربية في دلالة لافتة أيضاً على الحال التي وصلتها السلطة بقيادة محمود عباس  ومساعديه بما فيهم حسين الشيخ الذي بات رسمياً بمثابة النائب والرجل الثاني بعدما عمل في الفترة الأخيرة كمساعد وذراع تنفيذي أول له.

على صلة بما سبق، لا شك أننا أمام سعي أردني لإشراك السلطة في الجهود الدبلوماسية العامة لمواجهة أزمات المنطقة التي تحدث عنها الملك عبد الله الثاني أثناء وجوده بالعاصمة واشنطن وذلك على أعتاب الزيارة المرتقبة للرئيس الأمريكي جو بايدن إلى المنطقة أواخر الشهر الماضي، حيث من المفترض أن يلتقي عباس في بيت لحم والملك الأردني وزعماء عرب آخرون بما فيهم عباس نفسه، وربما رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت في مكان لم يحدد بعد، وعليه يهدف الحراك الأردني إلى إعطاء السلطة دوراً ومكاناً في تلك الجهود على أمل إبقاء الأفق السياسي مفتوحاً ولو نظرياً في فلسطين.

 

لا تكتفي إسرائيل بتجاهل السلطة فقط، وإنما تتجاوز الأردن أيضاً بصفته صاحب الوصاية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، حيث تتجاهل تلك الوصاية بشكل منهجي بما في ذلك سعيها لكسر الأمر الواقع، وفرض التقسيم الزماني والمكاني للحرم الشريف.

 



هنا يجب الانتباه إلى أن إسرائيل تتجاهل السلطة بشكل منهجي ولا تقيم لها وزناً أو قيمة وتكتفي بلقاءات أمنية واقتصادية واجتماعية معها، بعيداً عن أي أفق سياسي ضمن الخطط الإسرائيلية المعلنة متعددة المسميات السلام الاقتصادي وتقليص الصراع وإدارته بأقل ثمن ممكن ـ بينما تتعاطى السلطة إيجاباً مع تلك اللقاءات. وتبدو أحياناً وكأنها تقبل بوجود بجسدها بحد ذاته بغض النظر عن الروح والهدف المتمثل بنقل الشعب الفلسطيني إلى مرحلة الاستقلال وإقامة الدولة العتيدة كاملة السيادة ضمن حدود حزيران/ يونيو 1967 مع حل عادل لقضية اللاجئين، كما تقول هي نفسها في خطاباتها وأدبياتها.

إلى ذلك لا تكتفي إسرائيل بتجاهل السلطة فقط، وإنما تتجاوز الأردن أيضاً بصفته صاحب الوصاية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، حيث تتجاهل تلك الوصاية بشكل منهجي بما في ذلك سعيها لكسر الأمر الواقع، وفرض التقسيم الزماني والمكاني للحرم الشريف عبر تحجيم دور دائرة الأوقاف الإسلامية "التابعة للأردن" المعنية بإدارة شؤون المسجد الأقصى والحرم بمساحته الكلية البالغة 144 دونماً بينما وصل الأمر برئيس الوزراء الإسرائيلي بينيت إلى حد التصريح علانية وبشكل فظّ أن حكومته هي صاحبة السيادة والقرار في الحرم والقدس بشكل عام في إهانة واضحة وعلنية للأردن ودوره التاريخي وانتهاك فظّ للاتفاقيات والمعاهدات والتفاهمات الثنائية والدولية ذات الصلة مع إسرائيل.

أما ثاني الأسباب، وكما أعلنت وزارة الخارحية الأردنية فيتمثل بالتنسيق مع القيادة الفلسطينية في القضايا السالفة الذكر في مختلف ساحات العمل الدولي. وهنا ثمة كلام كثير يجب أن يقال في جوهر العمل المطلوب بشكل عام. وفي قصة التنسيق ثمة رغبة لعدم رفع السقف الفلسطيني عن نظيره الأردني لتفادي إحراج عمان خاصة أن السلطة تتحدث عن الإرهاب الإسرائيلي وتجاهل تل أبيب المواثيق الدولية وضربها عرض الحائط بالوساطات الإقليمية والدولية، إضافة إلى التهديد ولو اللفظي والنظري بتنفيذ قرارات المجلس المركزي الصادرة منذ سنوات والمتضمنة سحب الاعتراف بإسرائيل ووقف العمل بالاتفاقيات معها بما في ذلك التنسيق الأمني كما قال الرئيس عباس شخصياً لضيفه الأردني.

 

ومن هذه الزاوية يمكن فهم اتصال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بمحمود عباس "الثلاثاء أيضاً" الذي يأتي في نفس السياق الخاص بإسباغ الشرعية على السلطة وتهدئتها والتأكد من عدم ذهابها بعيداً في مواقفها مع تفهم تهديداتها النظرية الهادفة أساساً إلى إرضاء الشارع الفلسطيني واستعادة مكانتها أمامه.

لا يقل أهمية عما سبق في أجندة وأهداف الزيارة حرص الأردن الواضح على دعم تعيين حسين الشيخ في منصب أمين سرّ منظمة التحرير ما يعني أنه بات بمثابة الرجل الثاني في القيادة الفلسطينية والمرشح الأبرز لخلافة محمود عباس، علماً أن الأردن أظهر دائماً أنه معني بترتيبات الخلافة والانتقال القيادي بالسلطة والمنظمة وتفادي أي هزّات سياسية وأمنية بالضفة الغربية يمكن أن يتأثر بها سلباً لتماسه المباشر مع القضية الفلسطينية وتطوراتها.

 

رغم النوايا الطيبة أمام نفس النهج العربي التقليدي شكلاً ومضموناً ولمواجهة السياسات الإسرائيلية وحتى الفراغ الناجم عن الانكفاء الأمريكي نحتاج بالضرورة إلى عمل عربي مختلف جذرياً بعيداً عن الذهنية الاستبدادية والأمنية.

 



واضح طبعاً أن عمان تؤيد تعيين الشيخ المنضبط والمروّض، والذي سيواصل نفس النهج الحالي دون إزعاج لافتقاده إلى شرعية وحيثية عباس المنتخب ولو قبل 15 سنة، والمنتمي إلى جيل المؤسسين التاريخيين بحركة فتح، ما يعني أنه أي الشيخ سيكون أكثر قابلية للخضوع للوصاية بل الوصايات العربية والأجنبية على اختلافها.

في هذا الصدد أيضاً بدا لافتاً عقد وزير الخارحية الصفدي مؤتمره الصحفي الختامي مع حسين الشيخ لا مع وزير خارجية السلطة رياض المالكي كون الشيخ يتولى ملفات التنسيق الحسّاس مع الأردن ومصر وإسرائيل وأمريكا وروسيا، بينما يبدو المالكي وكأنه نائب أو مساعد له أو حتى وزير دولة في وزارة الخارجية التي يتولاها الشيخ عملياً مع استخدام المصطلح مجازاً، حيث لا نملك لا وزراء ولا وزراء دولة ولا دولة أصلاً بل إن السلطة نفسها باتت سلطة بلا سلطة، كما يقرّ قادتها ورموزها دائماً ويحتاج عباس نفسه وبالطبع ما دونه إلى تصريح إسرائيلي لمغادرة المقاطعة والسفر داخل فلسطين وخارجها.

لا يمكن كذلك تجاهل سعي الأردن للاستفسار عن أنباء وحيثيات التغيير الحكومي المرتقب في السلطة، والاطمئنان أيضاً أنه لن تكون له تبعات سلبية، ويأتي في نفس السياق المتفق عليه لترتيب الانتقال القيادي ضمن نفس النهج الحالي.

فيما يخص الزيارة، لم يكن غريباً أبداً اصطحاب وزير الخارجية الأردني لمدير المخابرات اللواء أحمد حسني في تأكيد على الطابع الأمني للسياسات العربية بشكل عام تحديداً في سياقها الفلسطيني.

في الأخير وباختصار، يبدو أننا ورغم النوايا الطيبة أمام نفس النهج العربي التقليدي شكلاً ومضموناً ولمواجهة السياسات الإسرائيلية وحتى الفراغ الناجم عن الانكفاء الأمريكي نحتاج بالضرورة إلى عمل عربي مختلف جذرياً بعيداً عن الذهنية الاستبدادية والأمنية.

 

وفلسطينياً مثلا نحتاج إلى تغيير كبير خاصة بعد دروس ودلالات مسيرة الأعلام يتضمن بالضرورة إنهاء الانقسام وإجراء الحزمة الانتخابية الكاملة بحيث تنبثق عنها قيادة شرعية منتخبة تأخذ على عاتقها إدارة الصراع مع إسرائيل وفق استراتيجية وطنية متماسكة وخيار المقاومة الشعبية السلمية لإظهار المظلومية الفلسطينية ـ التي لا تعني الضعف والاستسلام ـ والاشتباك مع الاحتلال والتصدي لمخططاته والاستفادة من التقارير الدولية المدينة لإسرائيل ونظام الفصل العنصري الموصوف الذي تمارسه ضد الشعب الفلسطيني لإعادة فرض القضية على الأجندة الإقليمية والدولية ودعم أو على الأقل تفهم مقاومته المشروعة لنيل حقوقه الوطنية في السيادة والاستقلال وتقرير المصير.

*باحث وإعلامي


التعليقات (0)