قضايا وآراء

أوكرانيا والانقلاب الجيوسياسي في شبه الجزيرة الهندية

حازم عيّاد
1300x600
1300x600

لا تعتبر باكستان الدولة الوحيدة التي تعاني من الضغوط الأمريكية والانقسامات والانشقاقات داخل البرلمان بسبب الأزمة الأوكرانية؛ فوزيرة العدل والقانون الهندية (كيرين ريجو) حذرت أعضاء البرلمان الهندي من إظهار الانقسام في المواقف تجاه الأزمة الأوكرانية؛ داعية النواب إلى التوحد خلف السياسية الخارجية الهندية التي تتخذ موقف الحياد من طرفي الأزمة في أوكرانيا.

الهاجس من انتقال عدوى الانشقاقات السياسية في باكستان إلى الهند؛ يمثل الدافع الحقيقي لتصريحات الوزيرة الهندية؛ إذ جاءت خلال جلسة الكونغرس (مجلس النواب الهندي) يوم أول أمس الثلاثاء 5 نيسان/ أبريل الحالي لمناقشة موقف الهند من الأزمة الأوكرانية؛ أي بعد يوم واحد من انعقاد جلسة مجلس الأمن للبحث في مجرزة بلدة بوتشا الأوكرانية؛ وبعد 48 ساعة من حل الجمعية العامة (البرلمان الباكستاني).

هلع أمريكي

حالة الاستنفار الأمريكي لحشد الجهود الدولية خلف إدارة بايدن لمحاصرة روسيا وعزلها بلغت نقطة حرجة في إقليم غرب آسيا وشبه الجزيرة الهندية شملت دول الخليج العربي والهند وباكستان؛ فالإقليم يمثل كتلة جيوسياسية هائلة قادرة على قلب موازين القوى الدولية لا في الصراع الدائر بالقارة الأوروبية بين روسيا ودول حلف الناتو فقط بل وفي النظام الدولي بشقيه الاقتصادي والسياسي.

الولايات المتحدة باتت قلقة ومذعورة من مواقف الدول في شبه الجزيرة الهندية والخليج العربي؛ بعد أن رفضت الهند الانضمام للعقوبات الأمريكية على روسيا؛ إذ أعلنت عقد مزيد من الصفقات لشراء النفط الروسي متجاوزة المليوني برميل وبأسعار أقل بـ 30 دولارا من أسعار السوق وبالعملة المحلية للبلدين الروبية الهندية والروبل الروسي.

فاقم الذعر والهلع الأمريكي استقبال الهند وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في دلهي  للبحث عن سبل لتطوير العلاقات الاقتصادية؛ وآليات الدفع المالي بالروبل والروبيه بين البلدين؛ زيارة سبقها زيارة وزير الخارجية الصيني (وانغ يي) إلى دلهي لخفض التوتر بين الجارتين والبحث عن سبل تطوير العلاقات عقب نجاح اجتماع القادة العسكرين الهنود والصينيين في جبال الهيملايا قبل زيارة وانغ بساعات قليلة.

نشاط صيني مفرط عززته بكين في شبه القارة الهندية بانفتاح كبير على أفغانستان وتعيين دبلوماسيين في العاصمة كابول بعد التوقيع على عدد من التفاهمات الاقتصادية بين البلدين.

باكستان الغراء الجيوسياسي

رغم أهمية الهند وأفغانستان في قلب الموازين الاقتصادية والجيوسياسية الدولية؛ إلا أن استضافة باكستان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وإعلانها تسريع العمل على مشروع السيل الباكستاني لتوريد 13 مليار متر مكعب من الغاز الروسي عبر أنبوب يمتد 1100 كلم مرورا بالأراضي الأفغانية؛ حول إسلام أباد إلى غراء لاصق يجمع بين الكتل الجيوسياسية الكبرى في آسيا والمحيط الهندي لتضم الهند والصين وروسيا عبر الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني وسيل الغاز الباكستاني القادم من روسيا.

دور باكستاني مرتقب فسر تعاظم الضغوط الأمريكية على الحكومة والجيش الباكستاني لتعديل موقفهما من روسيا والتخلي عن الحياد المعلن من الأزمة الأوكرانية لصالح تبني الرواية الأمريكية؛ فالتحولات المتوقعة في شبة القارة الهندية من الممكن أن تفضي إلى انقلابة جيوسياسية في المشهد الدولي يتخلق عنها كتلة اقتصادية وعسكرية وسياسية تتحدى الإرادة الأمريكية الأوروبية وتتمدد نحو الخليج العربي والمحيط الهندي وإفريقيا؛ مهددا بانهيار تكتل (كواد) الذي ضم الهند وأستراليا وأمريكا واليابان.

باكستان والانعطافة الأمريكية

الجيش الباكستاني بقيادة قادة الجيش (قمر جاويد باجوا) استجاب للضغوط الأمريكية وأحدث انعطافة في الموقف الباكستاني من الحملة الروسية في مؤتمر الأمن المنعقد في باكستان السبت الماضي الموافق 2 من نيسان/ أبريل الحالي بوصفه العملية الروسية بـ (المأساة الكبرى) وانتقاده عدوان روسيا على دولة صغيرة؛ معتبرا الحدث سابقة تتيح للهند في المستقبل غزو جارتها باكستان.

الانعطافة الحادة لقائد الجيش الباكستاني لإعادة التموضع جاءت على أمل الاستفادة من التدهور الحاصل في العلاقات الهندية الأمريكية عقب رفض الأخيرة الانضمام للعقوبات على روسيا؛ وتجاهلها لمطالب الوفد الأمريكي رفيع المستوى الذي زار دلهي بالتزامن مع زيارة وزير الخارجية الروسي لافروف.

موقف قائد الجيش باوجوا قوبل بموقف مناقض جاء على لسان وزير الخارجية الباكستاني (شاه محمود قريشي) الذي أكد على ضرورة تمسك باكستان بموقفها المحايد من الأزمة الأوكرانية والصراع  المشتعل بين حلف الناتو وروسيا الاتحادية ما هدد بانلاع أزمة كبيرة في البلاد تفقدها استقراراها وقدرتها على التموضع الفعال في ظل التنافس الدولي.

 

إسلام أباد تحولت إلى نقطة ارتكاز أساسية للربط بين الكتل الجيوسياسية الكبرى الهند والصين وروسيا سواء عبر الممر الصيني الباكستاني أو مشروع السيل الباكستاني الروسي؛ كما تحولت إلى نقطة ارتكار أمريكية لإعاقة التقارب الصيني الروسي الهندي في شبه الجزيرة الهندية المحيط الهادي في الآن ذاته.

 


الخلافات الباكستانية حسمت بحل الجمعية العامة والذهاب إلى انتخابات مبكرة خلال 90 يوما يتولى فيها رئيس حزب الإنصاف رئيس الحكومة الحالي (عمران خان) مهام إدارتها؛ خطوة توافقية بين الجيش ورئيس الحكومة لتجنب السيناريوهات الأسوأ في البلاد التي من الممكن أن تؤدي إلى إضراب سياسي يحرمها القدرة على التموضع والاستفادة من التحولات الجيوسياسية المهمة في العالم والإقليم.

الأشهر الثلاث تمثل فرصة لباكستان لتحسين تموضعها السياسي والاقتصادي؛ عبر تسوية ديونها ومعالجة مدفوعات الدين العام المقدرة خلال هذا العام بـ 14 مليار دولار لسداد قروض تقدر بـ 233 مليار دولار؛ أغلبها جاء بفعل أزمة الطاقة التي تعاني منها البلاد؛ ديون تحتاج إدراتها إلى مفاوضات شاقة مع الشريك الصيني من جهة لتسوية هذه الديون؛ وأخرى مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض يقدر بـ 6 مليار دولار يواجه بفيتو أوروبي أمريكي.

الانتحابات المبكرة والحكومة الانتقالية وفرت مساحة زمانية ومكانية لباكستان للمناورة ومساومة القوى المؤثرة على أمل الحصول على العرض الأمثل لمعالجة مشكلة الطاقة والديون؛ فباكستان باتت لاعبا مهما في ظل الأزمة الأوكرانية؛ تسعى للتموضع وتحسين شروط التفاوض والمناورة؛ فرصة باتت متاحة بعد الإعلان عن حل البرلمان والتحرر المؤقت من الضغوط الإقليمية والدولية.

ختاما.. 

حالة الاستقطاب والتجاذب التي عانت منها الباكستان خلال الأسابيع القليلة الماضية بين القوى الدولية المتنافسة روسيا والصين وأمريكا بلغت محطة جديدة؛ فإسلام أباد تحولت إلى نقطة ارتكاز أساسية للربط بين الكتل الجيوسياسية الكبرى الهند والصين وروسيا سواء عبر الممر الصيني الباكستاني أو مشروع السيل الباكستاني الروسي؛ كما أنها تحولت إلى نقطة ارتكاز أمريكية لإعاقة التقارب الصيني الروسي الهندي في شبه الجزيرة الهندية والمحيط الهادي في الآن ذاته.

تجاذبات أحدثت انعطافة أمريكية حادة نحو إسلام أباد كادت أن تقلب الأمور رأسا على عقب في باكستان بإسقاط حكومة عمران خان وإدخال البلاد في أزمة سياسية يمتد أثرها إلى القارة الهندية والمحيط الجيوسياسي الأوسع في الخليج العربي ووسط آسيا والصين؛ الأمر الذي تم تداركه في الساعات الأخيرة من الصراع بحل الجمعية العامة الباكستانية وشراء الوقت لإعطاء الفرصة لمزيد المناورات والنضج في المشهد الدولي.

hazem ayyad
@hma36


التعليقات (0)