مقالات مختارة

أوكرانيا تفضح التحالف الأمريكي الروسي في سوريا

فيصل القاسم
1300x600
1300x600

يقول المثل الشعبي؛ إن المسروقات تظهر عندما يختلف اللصوص. ويُقال أيضا؛ إن الحقيقة تبرز عندما يتصارع الحرامية. وعلى ما يبدو أن الغزو الروسي لأوكرانيا والصراع الغربي مع روسيا، بدأ يدفع اللصوص الدوليين الكبار إلى نشر غسيلهم الوسخ على الملأ، وأخذ يكشف الكثير من الحقائق والمؤامرات الحقيقية التي كان يعرفها الجميع، لكنها ظلت في إطار القيل والقال حتى ظهر رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق فيليب دوفلبان قبل أيام ليفجر قنبلة من العيار الثقيل، مؤكدا ما قاله مساعد نائب وزير الدفاع الأمريكي أندرو أكسوم قبل مدة.

 

وكان أكسوم قد أكد في محاضرة شهيرة موثقة أمام الكونغرس الأمريكي، ما معناه أن أمريكا هي من بادرت بالتواصل والتنسيق مع روسيا للتدخل في سوريا بعد أن أوشك النظام على السقوط. ويؤكد أكسوم أنه في نهاية عام ألفين وخمسة عشر، بدأت أمريكا وإسرائيل تخشيان من انهيار نظام الأسد، وما قد يشكله ذلك من تهديد وخطر على أمن إسرائيل والمصالح الأمريكية في المنطقة.

 

ويعترف أكسوم أن وجود النظام كان بمنزلة صمام أمان لمصالح أمريكا وأمن إسرائيل في الشرق الأوسط، وعندما أصبح آيلا للسقوط، سارعت واشنطن للاتصال بالروس لغزو سوريا وحماية النظام؛ لأنه حسب المسؤول الأمريكي، كان كلب الحراسة الأوفى لإسرائيل. ثم يأتي رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق دوفلبان، ليؤكد ليس فقط أن أمريكا وأوروبا وإسرائيل هي من أطلقت يد الدب الروسي في سوريا وسمحت له بممارسة سياسة الأرض المحروقة، بل أيضا تركته يدمر كل المناطق الثائرة على النظام ويهجر الملايين من شعبها. وقد كان الغازي الروسي همجيا بكل المقاييس، فقد استهدف المدارس والمشافي وروضات الأطفال، وحتى مداجن الطيور وحظائر الحيوانات، ولم يستهدف داعشيا واحدا.

 

لا بل إن وزير الدفاع الروسي نفسه، وبكل صفاقة، اعترف أن روسيا جربت كل أسلحتها الجديدة ويبلغ عددها أكثر من ثلاثمائة وخمسين سلاحا فتاكا على أشلاء السوريين. ولم يتردد الرئيس الروسي نفسه في مؤتمر صحفي في الاعتراف بأن الأرض السورية كانت أفضل حقل تجارب للحروب القادمة، فقد تدرب فيها الجيش الروسي وعصابات المرتزقة الروسية، وأجروا العديد من المناورات والتدريبات باستخدام الترسانة الروسية الجديدة، التي وجدت في سوريا المكان الأفضل لتجريب عتادها وأسلحتها الجديدة. كل ذلك حصل، حسب المسؤول الفرنسي، بمباركة ورعاية غربية بامتياز.

 

وعندما كانت أي دولة أوروبية تحاول مناقشة الغزو الروسي لسوريا وأبعاده ومخاطره، كانت تتعرض لضغوط كبيرة من الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، الذي كان يضغط على الأوربيين لقبول الغزو الروسي لسوريا وغض الطرف عنه، وذلك حسب تصريحات فيليب دوفلبان لقناة التلفزيون الفرنسية (فرانس 2). ويعترف المسؤول الفرنسي الكبير بأن أمريكا أعطت للروس شيكا على بياض كي تفعل ما تشاء في سوريا، دون تحديد زمن أو وضع أي شروط عليها. ويضيف دوفلبان: “ما كان ينبغي علينا أن نمنح روسيا هذا التخويل بدون فترة زمنية محددة”.

 

ولا ننسى أيضا تصريح الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا هولاند عندما قال؛ “إن الغرب كان على وشك ضرب النظام السوري في 2013 بسبب استخدام الكيميائي، ولكن الأمريكان انسحبوا فجأة من التحالف بعد اتفاق مع الروس”. يا سبحان الله! اتفاقية سايكس بيكو التي قسمت العالم العربي فضحها الشيوعيون الروس، واليوم الفرنسيون يفضحون التآمر الأمريكي الروسي على سوريا.

الأرض السورية كانت أفضل حقل تجارب للحروب القادمة، فقد تدرب فيها الجيش الروسي وعصابات المرتزقة الروسية وأجروا العديد من المناورات والتدريبات باستخدام الترسانة الروسية الجديدة


وعندما كنا نتحدث عن اتفاق سري بين لافروف وزير الخارجية الروسي وكيري وزير خارجية أمريكا كان البعض يسخر منا، لكن لافروف نفسه ظهر ذات مرة ليهدد الأمريكيين أنهم إذا حاولوا الإخلال بالاتفاق السري بينهم وبين الروس في سوريا، فإنه سيفضح الاتفاق. لكن لافروف لم يعد بحاجة اليوم أن يفضح أي شيء بعد الغزو الروسي لأوكرانيا؛ لأن الحرامية الغربيين أنفسهم بدؤوا يفضحون التحالف القذر بين روسيا والغرب على أشلاء السوريين، وتدمير وطنهم وتحويله إلى ساحات معارك وحقول رماية للأسلحة الروسية الجديدة. ولا شك أننا سنشهد ربما قريبا مزيدا من الفضائح، بعد أن بات بوتين يهدد الذين أطلقوا يده في سوريا.


ولا ننسى أن إسرائيل اعترفت مرات ومرات أنها تنسق العمليات في سوريا مع الروس، سبعة أيام في الأسبوع وأربعا وعشرين ساعة في اليوم حسبما قال وزير الدفاع الإسرائيلي ليبرمان حرفيا. لكن العلاقات الروسية الإسرائيلية توترت فجأة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث اعتبر وزير الخارجية الإسرائيلي العدوان الروسي على أوكرانيا تهديدا للسلام العالمي، مما حدا بالخارجية الروسية إلى استدعاء السفير الإسرائيلي في موسكو، لا بل إن روسيا هددت إسرائيل بعدم الاعتراف بسيادتها على الجولان السوري المحتل إذا تمادت في إدانتها للغزو الروسي لأوكرانيا. إنه عهر مفضوح. باختصار فإن الروس يقولون للإسرائيليين: لا مانع لدينا أن تأخذوا الجولان السوري، أما إذا وقفتم ضدنا في أوكرانيا فسنعارض ضم الجولان. لكن يبدو أن الإسرائيلي والروسي خففا فورا من حدة التوتر بين الجانبين، بدليل أن إسرائيل اعترفت قبل أيام بأن الوضع في أوكرانيا لم يؤثر على التواطؤ والتنسيق والتعاون بين موسكو وتل أبيب في سوريا، وأن العمليات المشتركة مازالت مستمرة بين الطرفين على ما يرام.


والسؤال الآن: هل تنفذ أمريكا تهديداتها وتكفر عن ذنوبها في سوريا بملاحقة النظام كما قال حساب السفارة الأمريكية في دمشق على موقع تويتر؟ أمريكا الآن تتوعد بالكشف عن جرائم الأسد وملاحقته ومعاقبته بعد اندلاع الصراع مع الروس في أوكرانيا، فهل تمتد المناكفة الأمريكية مع روسيا لتشمل أدواتها وعملاءها في سوريا وغيرها؟ مصائب قوم عند قوم فوائد. هل تكون الأزمة الأوكرانية مفتاح الفرج للسوريين؟

٭ كاتب وإعلامي سوري
[email protected]

 

(عن صحيفة القدس العربي)

 
التعليقات (0)