قضايا وآراء

لبنان: دولار وأسعار نار

محمد موسى
1300x600
1300x600
تكثر المقاربات الاقتصادية والمالية والنقدية وحتى التسعيرية المختلفة لأسعار الدولار المتنقلة؛ ضمن بقعة قوامها 10452 كيلومترا مربعا واسمها وطن نهائي لجميع بنيه.. إنه لبنان المتعب المثقل بالمصائب فقرا وجوعا وهجرة، ولا زالت المصائب تتوالى على رؤوس الناس الذين لا حول ولا قوة لهم إلا بالله، وقليل من الخيريين لا زالوا يحبون هذا البلد الطيب من الداخل والخارج.

الحال يشي بمزيج من الجنون المالي والاقتصادي في زمن الودائع الضائعة، زمن "الهيركات" غير القانوني واللا أخلاقي، ولا أدري إن شهدت المعمورة مثاله من فاسدين ومفسدين ربما هم أدهى من الشياطين، إنه هيركات التعاميم (قص الشعر بالمفهوم المالي، أي اقتطاع جزء من الودائع المصرفية)، الهيركات المقنع الذي أكل ما أكل من ودائع الناس زورا وبهتانا ولم يكتف بعد، بحيث أنه لم يصل مع فاعليه ومدبريه والساكتين عنه إلى النقطة التي عندها يستطيعون ملائمة حلول وأرقام للبحث في الحل المنشود مع البنك الدولي وصندوق النقد والدول المانحة؛ حكما بشروطهم المالية والاقتصادية والسياسية وربما أكثر!! فالحقيقة عبر التاريخ مع صندوق النقد تقول إن القوي يفرض والضعيف يستجيب، وما جرى مع تونس ليس ببعيد، والأرجنتين ومأساتها المالية حاضرة لمن يريد العبر.

لكن ما يلفت حقيقة في اللحظة الراهنة ونحن نرى الحكومة في خضم نقاش الموازنة؛ لعبة الدولار داخل أرقام الموازنة نفسها. فالمناقشة بكل ما فيها لم يعرف لها سعر مع الدولار الفلتان من عقاله، ولعله بات أحجية على الماليين والاقتصاديين وربما كثير من الوزراء.

فكيف نعرف سعر الدولار في الموازنة؟ فالجباية والتحصيل على سعر معين يتراوح حتى الساعة بين 1500 و8000 مرورا بـ3900 ليرة، أما التقويم فبحسب المعنيين هو عند 10338 ليرة، أي نصف سعر منصة صيرفة، وتقويم ودائع الناس عند 8000 ليرة للسحب منها والمدفوعات حسب سعر المنصة المقومة قريب من سعر السوق السوداء. وهنا للمفارقة بدعة جديدة قد تكون المدخل في قادم الأيام لتوحيد سعر الصرف، فقد اختفت الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية، حتى أن كثيرا من المصارف باتت تعرض على الموظفين قبض رواتبهم ومسحوباتهم بالدولار الأمريكي على سعر يناهز 22500 ليرة للدولار، في حين كان الصرافون يشترون الدولار الأمريكي على سعر دون 20000 للدولار، فأي لعبة وأي شيطنه وأي دهاء على حسب الناس البسطاء من العسكريين والمدنيين موظفين في القطاعين العام والخاص على حد سواء!

إنه سكين الطعن للمودعين، فكيف يوجد دولار لدفع المعاشات المقومة بالليرة ولا يوجد دولار لدفع الودائع الدولارية؟!! أي منطق يقر بوجود دولار داخل المصارف ليدفع على سعر المنصة وليخسر الناس ما يقارب 12 في المائة من قيمة رواتبهم المتهالكة أصلا؛ إن بفعل التضخم أو بفعل انهيار القدرة الشرائية بعدما اقتحم الدولار حياتهم ودمرها تدميرا؟!

عجب عجاب.. الدولار موجود في المصارف ولكن لكي تأخذ من أموالك الدولارية فعليك أن تخسر ما يفوق 63 في المائة من قيمتها، ولا يدفع المصرف على سعر المنصة المقوم بالليرة اللبنانية.. أحجية ليس لها نهاية في دولة المصارف المستقلة التي متى شاءت حضرت العملة الخضراء ومتى شاءت أخفتها، والناس باتوا كمجنون ليلى التائه في دولار يلعب بنمط المعيشة على مستوى الوطن، ويهدد الأمن الاجتماعي والصحي المرتبط بحجم الاستيراد الهائل المربوط أصلا بالتجار.

وهنا للحديث صلة، حيث لم تلمس الطبقات الوسطى - إن بقيت - أو الفقيرة أي تغيير في الأسعار داخل معظم السوبرماركت، علما أن الدولار انخفض خلال أيام خلت بما يربو على 35 في المائة من سعره في الفترة السابقة، ولكن للأسف الأسعار لكافة السلع بقيت مقومة بسعر 33000 ألف ليرة وما فوق للدولار؛ في زمن الجشع والطمع والرقص فوق رؤوس الفقراء والمعدمين.

وكما ينتظر الموت المحتم، يترقب اللبنانيون سعر الدولار الجمركي الذي سيقر في الموازنة والذي سيجعل الأسعار تقفز قفزة فوق قفزتها ويجعل السلع البسيطة بأسعار هائلة يعجز الناس عنها، وان قيل إنها ستكون على الكماليات، فأية كماليات هي في بلاد ليس فيها نقل عام ولا كهرباء عامة ولا إنترنت عام؟ إنها لعبة التخصيص المقنعة لتجار السوء الذين استوردوا سلعهم على سعر دولار جمركي عند عتبة 1507 ليرة للدولار، ليأخذها المواطن فيما بعد عند سعر المنصة المقترح للدولار الجمركي، فترتفع الأسعار بالفارق الذي لن يقل عن 40 في المائة من جملة التكلفة التي ستنعكس في كثير السلع وأجرة نقاها وتوضيبها واللائحة تطول.. وكل لك على حساب الناس الذين باتوا كمن يهرب من الرمضاء إلى النار.
التعليقات (1)
خالد زكي الخضر
الجمعة، 04-02-2022 09:41 ص
كلام صحيح يا حبيبي وللكن كل واحد بهلبلد عايش حياتو ما حدا بفكر بلشعب الفقير بارك الله فيك

خبر عاجل