أخبار ثقافية

مسرحية "آخر مرة".. المسرح الفارغ ضج بالحياة

اخر مرة
اخر مرة
منحت مسرحية "آخر مرة" تونس جائزة العمل المتكامل للدورة الـ22 لأيام قرطاج المسرحية (4- 12 ديسمبر 2021)، وهي الجائزة الكبرى للمهرجان.

والعمل من أداء مريم بن حميدة وأسامة كشكار، وإنتاج شركة الأسطورة للإنتاج وفنون التوزيع.

"آخر مرّة" مجال للصراع الثنائي بين الرجل والمرأة، وهو صراع لا ينتهي، يتكرر خلاله المحظور نفسه، أي العنف الذي يستهدف المرأة بشتى أصنافه.

"آخر مرة" عبارة يستخدمها الفرد للتعبير عن عدم تكرار فعل يعود على صاحبه بما هو سلبي، فيندم على فعلته ويخاف تكرار التجربة. "آخر مرة" مساحات مسكوت عنها في العلاقة بين الرجل والمرأة، بدءاً بسوق الشغل حيث النساء يعملن بأجور أقلّ ولا يتمّ الانتباه إلى مواهبهن، وانتهاء بالعلاقة الزوجية، حيث يعشن ثنائية الخوف والحب في علاقاتهن الزوجية. وفاء الطبوبي حددت مكامن القوة والضعف في علاقة المرأة بالرجل، منتقدة سلطة المجتمع الأبوي ومؤسسة الأسرة.

أكثر من سبعين دقيقة، والممثلان على المسرح، لهفة البوح وشوق التجسيد والتقمص تسكنهما.

لعب كلّ منهما دور ثلاث شخصيات، لكل شخصية أغوارها النفسية والبدنية، لكل شخصية طريقتها في التعبير والانفعال.

أكثر من سبعين دقيقة من الخطوات والأنفاس تتلاحق وتنساب في تناغم، يستجيب الجسدان على امتداد المسرحية، تحركهما طاقة جسدية وحسية جعلتهما يلتصقان بأرض المسرح الذي توهج بتحركاتهما التي لم تعرف الهدوء وتقطع أنفاس جمهور تعلق بصره ووجدانه بما يجري بينهما.

ثلاثة فصول من الصراع بين الرجل والمرأة عبرتها المخرجة وفاء الطبوبي ب "ركح فارغ" (مسرح فارغ) مكتفية بطاولة وكرسييْن، الكرسي هو رمز النفوذ، والطاولة مجال للالتقاء والانفصال. هي نقطة التقاء، أعلنت صراعا جسدي سبقته عزلة وخوف وملل وشك.

الإنارة ممثل ثالث

اشتغلت وفاء الطبوبي على الإنارة التي تمّ توظيفها أيضا في التعبير عن الاتصال والانفصال وحالات الصراع والتمزّق الداخلي والتشظي النفسي والجسدي. لم يحسم الأمر لأي طرف، كانت تحركات الممثليْن ضاجة متساوية ليستمرّ هذا الصراع الأزلي إلى ما لا نهاية. الحسم لن يكون قريبا ولن تكون هناك "مرة أخيرة" ولا توبة.

طوفان الأضواء تم توظيفه بشكل راق، حتى غدا مكونا أساسيا وفاعلا في الفرجة، فللإضاءة دلالات متعددة، الضوء قوة متحركة تضخ الحياة في العرض المسرحي. والإضاءة التي حرّكها يزيد بلهادي، كانت شاهدا على تفاصيل المسرحية وفاصلا ملحوظا بين المشاعر المتناقضة يأسا وأملا. أوحى الضوء المنسكب على الطاولة أننا في غرفة استجواب، يتجه الضوء فيها على طرفين فقط هما المحقق والمشتبه به. وفي قضية الحال لا نعرف من يستجوب من؟

دون ديكور تتحول الخشبة المسرحية إلى فضاء فارغ صامت، ليس فيها إلا الحوار اللفظي والتشكيل الجسدي كما هو حال المسرح الفقير لغروتوفسكي ومسرح اللامعقول.

ومن الذين اهتموا بالسينوغرافيا الفارغة المخرج الإنجليزي غوردون كرايغ الذي كانت له اجتهادات سينوغرافية متنوعة، فقد انشغل كثيرا بتقسيم الخشبة، ورفض امتلاء الفضاء المسرحي بقطع الديكور الكبير، والملحقات الكثيرة، وعرضه بالاقتصاد، والفراغ -أحيانا-.

كان الجهاز السينوغرافي لديه يقوم على لعب القطع والأحجام، وتحريكها وتركيبها لخلق أشكال متعددة: أدراج، أرضيات، أسرة، سياج، أسوار سميكة، فضاءات واسعة...".

ومن أهم المنظرين للفضاء الفارغ والسينوغرافيا الصامتة، بيتر بروك الذي تعرض في كتابه: "المساحة الفارغة" إلى الفضاء المفرغ من الإكسسوارات وكل اللوازم المتعلقة بالديكور والسينوغرافيا المؤثثة إلى جانب المخرجين: أنطونين أرطو.

"المساحات الفارغة على خشبة المسرح، تعطي الممثل حرية الانتقال والأداء الجسدي على الخشبة، لكنها، تجعله مُجبراً على تخيــــل تفاصيل المكان والعمل على أساس هذه الذاكرة المتخيلة، ما يجعل خطواته محسوبة إلى حد كبير".

سابقة "الأرامل"

وفاء الطبوبي سبق لها في مسرحية "الأرامل"، أن جعلت المرأة محورا لمسرحيتها: "ثلاث نساء مناضلات، يبدأن الاعتصام على شاطئ البحر في إحدى القرى التي مزقتها الحرب، في دولة لم يتم تحديدها، وحقبة زمنية أيضاً ظلت غير معروفة، إلا أن الأحداث جميعها تنطلق من واقع عالمنا المعاص، حيث تُطالب كل واحدة منهن بإعادة جثمان زوجها أو أبيها أو أخيها، من الذين تم اعتقالهم بدعوى أنهم من المتمردين الذين خانوا بلادهم لاعتراضهم على السلطة".

وفي "الأرامل" اعتمدت وفاء الطبوبي، على الإضاءة فقط على خشبة المسرح، لتكون الشخصية الرئيسية الرابعة على خشبة المسرح، حيث لم يكن بجانب الإضاءة سوى بعض قطع القماش البيضاء في المشهد الافتتاحي للعمل، والتي رمزت للأكفان التي تحملها الشخصيات الثلاث لأحبابهن، بالإضافة إلى ثلاث كراسٍ صغيرة تم الاعتماد عليهم في المشهد الختامي للعمل ".

من وحي هذه المناخات، ورغم تداول هذه التقنية، فإننا مع وفاء الطبوبي خلنا أننا أمام شكلٍ جديدٍ للكتابة المسرحية العابرة للحدود، من أجل إيجاد نظم جمالية أصيلة وعميقة تعتمد بساطة الفضاء المسرحي. وفاء الطبوبي استدعت هذه التجاذبات، مستغلة ارتجافة الجسد، التي ذابت وتاهت مع الموسيقى والإضاءة واستغلال الفضاء وترويضه. غاب الديكور ولم يكن الركح فقيرا كما تم تسجيل ذلك نظريا.
التعليقات (1)
نسيت إسمي
الثلاثاء، 11-01-2022 02:45 م
1 ـ (كتاب هرناني/ مسرحية لفيكتور هيجو) "هرناني" هي الثمثيلية التي دشن بها الشاعر الفرنسي فكتور هيغو دخوله المسرح في 25 شابط 1830 ، و هذا تاريخ معركة أدبية و فنية أكثر منه تاريخ نتاج مسرحي . و قد أخبر الكاتب و الناقد تيوفيل غوتيية أن الشبيبة الرومنطية استقبلت "هرناني" بحماسة ملتهبة ، وراحت تهتف باسم "صقر الجبال" ، و هي تعني الشاعر الثائر على كل ما هو كلاسيكي تقليدي . بكل هذه المسرحية سيد منفي أصبح زعيم عصابة من أبناء الجبال ، أحب "دونيا سول" ، و كان منافسه عليها دون كارلوس "كارلوس الخامس ملك إسبانيا" ، أما خال الفتاة ، دون روي غومس ، فكان منحازاً إلى كارلوس . استطاع هيغو أن يبلغ في ثمثيليته هذه دورة الإبداع البياني ، فهي زاخرة باللوحات الجميلة ، و الأقوال البليغة ، و الشعر الغنائي الساحر ، و لكن التعقيد في تسلسل حوادتها تجاوز فيها حدود المعقول ، فإذا بالمفاجآت تتوالى بلا إنقطاع ... و لا يستطيع المشاهد إلا أن يحبس أنفاسه ليرى مسرى الأحداث و تداعياتها . 2 ـ ("مكتبة الخلود" مسرحية تركية عن الحياة والموت) المسرحية ذات أبعاد فلسفية تطرقت إلى القضايا الوجودية وعالجت دور المادة في الحياة وتناولت ثقافة الفناء والموت من أجل غريزة البقاء.احتضن المسرح البلدي وسط العاصمة تونس مساء الأربعاء 2021 عرض المسرحية التركية “مكتبة الخلود” لمخرجها مصطفى كرت، في إطار الدورة الثانية والعشرين من مهرجان أيام قرطاج المسرحية. ودامت المسرحية 65 دقيقة حيث أنتجها المسرح الوطني التركي وكتب نصها صباح الدين قدريت أكسال، وجسد أحداثها الممثلون أوزغور دنيز كايا، أوريدا يلدران، جيزم يوني. وبتصميم بسيط وطاولة واحدة وكتب مصففة على خشبة المسرح كتبها الأجداد من فلاسفة ومفكرين، سافر العرض بالجمهور إلى عوالم ما بعد الحياة، كما تناول مسألة الخلود التي ظلت هاجسا يراود الناس للآلاف من السنين. المسرحية ذات أبعاد فلسفية تطرقت إلى القضايا الوجودية وعالجت دور المادة في الحياة وتناولت ثقافة الفناء والموت من أجل غريزة البقاء. وانطلقت المسرحية بزيارة البطل إلى مكتبة ليطلب من مالكتها شراء جميع الكتب من أجل أن ينغمس في قراءتها ومطالعتها كي يصبح “أبديا” بأي ثمن.أراد بطل المسرحية أن يحقق الخلود اقتداءً بالفلاسفة الذين رحلت أجسادهم وبقيت أفكارهم خالدة أمثال أرسطو وأفلاطون وديكارت وغوته. ومزج العمل بين التعبيرات الجسمانية والكوريغرافيا والغناء والشعر ليقدم عرضا يمثل عينة من المسرح التركي الذي لا يعرفه الجمهور العربي بالشكل الكافي، فيما اعتبر عدد من المتابعين أن العرض لم يخرج من البنية التقليدية للمسرح مقارنة بنظيره العربي. وقال دنيز كايا إنه يشارك أول مرة بعرض مسرحي في مهرجان أيام قرطاج، معبرا عن سعادته بزيارة تونس للقاء جمهورها من عشاق المسرح، وأوضح أن “قصة المسرحية غريبة نوعا ما فهي تعالج هاجس الخلود عند الإنسان”. 3 ـ تبقى ( الممارسة المسرحية) فعل ٌ حيوي متجدد برغم التأسيس المنضبط له من عصور الأغريق الأولى الى ما بعد عصر الأكتشافات... لطالما كان المسرح رسالة حق بين المجتمعات ناشر للحب لا يرغب بالكراهية يبغض كل طغيان لا تملق فيه لا عنصرية يبقى المسرح سيد الفنون و إمبراطور الإبداع .. ما أبرعها حياة مكيافيلي إنه لا يأتيك كعبد مترهل الجسد يجر قدميه ويهوى عليك ضاربا حتى الموت كلا انه وغد خلاب بهيج ظريف يدغدغك حتى الموت فتموت ضاحكا جون وبيستر/الشيطانة البيضاء .. من المسرح إلى الرواية : استلهمتني رواية الكاتب العالمي ديفد هلبرت لورانس التي تحمل عنوان” أبناء وعشاق ” بعد أن عرفت بأنها درجت وصنفت بقائمة أفضل مائة عمل أدبي في العالم! أنهيتها في غضون ثلاث أيام فقط رغم ضخامتها ، لكنها شدتني إليها، جعلتني لا أرغب بالابتعاد عنها، حبستني عنوة، ثبتتني من أقدامي على الأرض لأبقى أتابع أحداثها البسيطة، المتواضعة، الجميلة المنسابة بتدفق رائع كمياه الشلال، وأقل ما يقال عن تلك المياه بأنها باردة وصافيه تسلب النظر بعد الروح! السبب في ذلك بالإضافة إلى ما قلته كانت تعالج موضوعاً غاية في التعقيد العائلي، علاقة الأم بأبنائها، وعلاقة الأبناء بالأم. من هنا يفهم المتلقي الآن لماذا قلت ما قلته، ولماذا تم تنصيفها بالقائمة العالمية ضمن أفضل مائة عمل أدبي عرفته البشرية!

خبر عاجل