قضايا وآراء

هل انتهت معركة نفق الحرية؟

بلال خليل ياسين
1300x600
1300x600
في اليومين الماضيين، تلقت الشعوب الفلسطينية والعربية خبر إعادة اعتقال أربعة أسرى فلسطينيين من أصل ستة كانوا قد حفروا الأرض بملعقة، وانتزعوا حريتهم رغما عن أنف السجّان الإسرائيلي.

لم يكن الخبر هينا على نفوس تلك الشعوب، خصوصا أن الناس كانوا يرتقبون خبرا كأن يتمكن الأحرار من الوصول إلى منطقة خارج قبضة الاحتلال، ويحققوا حريتهم الكاملة. ولأنَّ آمال الأمة تنبض بالمقاومة والحرية، فقد عبرّ الناس عن افتخارهم الشديد بما قام به الأبطال الستة، وصبّوا جام غضبهم تجاه الاحتلال وأعوانه، وطالبوا المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة بتضمين أسماء هؤلاء الأبطال في الصفقة القادمة لتبادل الأسرى.

بالرغم من انزعاجنا الشديد لإعادة اعتقال الأسرى الأربعة، إلا أنَّ الصراع مع الاحتلال لا يُقاس بهذه النتيجة، ليس لأنَّ معركتنا ضده متعددة الجولات فقط، بل لأنَّ معركة نفق الحرية قربتنا كثيرا من معركة التحرير، فقد أدرك الأبطال الستة مبكرا أنّ مصيرهم سيكون إما الحرية أو الشهادة أو إعادة الاعتقال، ومع ذلك خاضوا المعركة ببسالة، وقدموا نموذج الإرادة الذي بإمكانه هزيمة المحتل بأبسط الأدوات وأحقرها، وهذا يعني أنَّ معركتهم لم تنته عند مصير محدد، فهم أعادوا بإرادتهم الصلبة توجيه البوصلة، وأناروا لنا طريق الحرية.

لقد عززت معركة نفق الحرية التشكيل الكلي للمعركة الفاصلة، معركة يشترك فيها جميع الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال، فمنذ سنوات عديدة عمل العدو الإسرائيلي بكل إمكانياته على تقطيع أوصال الشعب الفلسطيني بالحدود والحواجز، وخلق لكل منطقة جغرافية مشكلات مختلفة عن الأخرى، وحرص على ألا تجتمع أكثر من منطقة على مسألة واحدة، فحاصر غزة العزة، وأحكم قبضته الأمنية على الضفة الغربية، وأغرق الداخل بقضايا المواطنة، وعزل الخارج عن حق العودة، واستفرد بالقدس وأهلها، وظنَّ لوهلة أنّه اقترب من تمزيق الشعب الفلسطيني ودفن قضيته في التراب.

وبينما هو غارق في أوهامه، فإذا بمعركة سيف القدس تقشع غبار جهوده الماضية وتعلن ميلاد فجر جديد، معركة شارك فيها الشعب الفلسطيني في كل أماكن وجوده نُصرة للقدس والمسجد الأقصى المبارك، معركة أعادت التشكيل الكلي للهندسة العقلية الفلسطينية، معركة تخطى غرضها المشكلات اليومية، والحواجز الوهمية، والتقسيمات المناطقية، الأمر الذي أيقظ قوة الفلسطيني، وأعاد له تماسك قبضته المقاومة، وعززت من ثقته في النصر والتحرير.

إنَّ أبرز ما حققه الأبطال الستة هو إزالة اللثام عن الصورة النفسية التي يعتمد عليها الاحتلال في تصدير روايته الكاذبة، فقد بنى لنفسه عبر سنوات طويلة قوة أساسها التهويل والمبالغة، فأغرق وسائل الإعلام بكذبة أنَّه القوة التي لا تُقهر، والجيش الذي لا مثيل له، فأوقع الخوف في النفوس الضعيفة، وألحق اليأس في النفوس المترددة، حتى جاء العصر الذي لا مجال فيه لإخفاء الحقيقة.

فقد أسقطت معركة سيف القدس صورته الوهمية، وكشفت معركة نفق الحرية عن ضعفه وهشاشة منظومته الأمنية، حتى إنَّه لم يستطع أنْ يحجب صورة رجل الأمن وهو جالس على فوهة النفق الذي خرج منه الأبطال الستة؛ بينما كانت يده المتكئة على خده تطرح عشرات التساؤلات، وتعكس حقيقة ضعفه وهشاشته.

إنّنا أمام متغيرات كبيرة في تاريخ صراعنا مع الاحتلال الإسرائيلي، وإنَّ أهم هذه المتغيرات هو إيمان الشعب الفلسطيني في كل أماكن وجوده بأهمية دوره في مقاومة الاحتلال، وأنَّ تحصنه بالله تعالى ثم بمقاومته البطلة زاد من عزيمته لنيل الحرية والاستقلال، وأنَّ قطاع غزة بما يملك من أدوات قتالية متواضعة مقارنة بالعدو، وإرادة الأسير الذي فقد جميع أنواع القوة، نماذج أعادت الوعي الوطني للمجموع الفلسطيني، وأكدت له أنَّ التحرير بات أقرب من أي وقت مضى.
التعليقات (0)