سياسة تركية

ما دلالات التقارب بين تركيا ودول عربية؟.. محللون يجيبون

ظهر جليا تقدم العلاقات بين تركيا وبين الإمارات ومصر والسعودية- الأناضول
ظهر جليا تقدم العلاقات بين تركيا وبين الإمارات ومصر والسعودية- الأناضول

بدأت تظهر بوادر التقارب التركي مع دول عربية كانت على خلاف مع تركيا حتى وقت قريب، وهي مصر والسعودية والامارات، وقد زادت وتيرة هذا التقارب بعد عدة لقاءات بين الأطراف.


وظهر جليا تقدم العلاقات بين تركيا وهذه الدول، وعبر عن ذلك وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، في لقاء مع إحدى القنوات التركية الخاصة، الثلاثاء، وقد تحدث عن أجواء العلاقات التركية الإماراتية، بعد اللقاءات والاتصالات الأخيرة بين الجانبين.


وأشار تشاووش أوغلو إلى أنه سيكون من الخطأ، النظر إلى الأحداث الماضية على أنها عقبة أمام المصالحة وتطبيع العلاقات، لافتا إلى أن أجواء إيجابية تخيم على العلاقات التركية الإماراتية في الآونة الأخيرة.

 

فيما بحث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مع ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد في اتصال هاتفي بينهما بعد انقطاع لسنوات طويل، العلاقات الثنائية وتعزيزها والقضايا الإقليمية.

 

وأمس اختتمت تركيا ومصر، الجولة الثانية من المباحثات بينهما، وأكد الطرفان إحراز تقدم في قضايا محل نقاش، وتطبيع العلاقات، وتناولت وجهات نظر البلدين في عدد من الملفات أبرزها ليبيا، وسوريا، وفلسطين.

 

لماذا التقارب الآن

 

وأجمع محللون وخبراء تحدثت معهم "عربي21" على أن التقارب بدأ من قبل تركيا تجاه هذه الدول، مشيرين إلى أن له أسبابا عدة، من ضمنها أن المصلحة المشتركة بين هذه الدول تستدعي حدوث هذا التقارب.

 

اقرأ أيضا: جولة ثانية من اللقاءات المصرية التركية.. ورغبة بتطبيع العلاقات

ووفقا لأستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت إبراهيم الهدبان، فقد "جاء هذا التقارب خاصة بين السعودية والإمارات من جهة وبين تركيا من جهة أخرى، بسبب الشعور بأن الولايات المتحدة لا يمكن الاعتماد عليها في موضوع الأمن والسلام أو حماية المنطقة خاصة من التدخلات والأطماع الإيرانية مستقبلا".

وأوضح الهدبان في حديث لـ"عربي21"، أنه "نتيجة شعور دول المنطقة وتحديدا السعودية والإمارات بعدم جدوى الاعتماد على واشنطن، فكان لا بد من النظر إلى دول إقليمية أخرى، وتركيا مؤهلة للقيام بهذا العمل عسكريا وعدديا، كما أن النفس الإسلامي الذي تتكلم به تركيا مناسب في تصوري للدولتين لتحقيق هذا الهدف، وهو تأمين المنطقة ولعب دور متوازن ومواز للدور الإيراني وهذا ما دفع الدولتين إلى الذهاب باتجاه تركيا".


تقارب لوقف نزيف المنطقة


من جهته أشار أستاذ العلاقات الدولية، لؤي الطيار، إلى أن "التقارب السعودي التركي ليس استنثاء، حيث تشهد المنطقة عموما حراكا دبلوماسيا حثيثا في الآونة الأخيرة إضافة لتصريحات ولقاءات وحوارات بين عدة دول، منها تركيا ومصر، والسعودية وإيران، بل تركيا والإمارات، وغيرها، ما يؤكد أن رغبة التقارب ليست محصورة بأنقرة، وأن دوافعه حاضرة لدى الجميع".

وأوضح الطيار في حديث لـ"عربي21"، أن "أسباب هذا التقارب هو تغيير الإدارة في البيت الأبيض، حيث أدى ذلك إلى انتهاء حقبة التعامل مع الملفات والأطراف الإقليمية على طريقة ترامب، وكذلك أيضا بسبب توجهات جو بايدن التي أثارت قلق عدد من القوى الإقليمية، وفي مقدمتها تركيا والدول العربية".

ولفت إلى مساهمة "الأزمات التي استنزفت قوى المنطقة وهو ما استغلته أطراف أخرى دون انتصار طرف على طرف آخر، وتراجع حدة المواجهات العسكرية فيها من جهة أخرى، ما خفض مستوى الاستقطاب ومهد الطريق لإمكانية الحوار.. ساهم هذا كله في التقارب بين البلدين".

وأكد أن "الاستنزاف الذي حدث للمنطقة استغلته أطراف أخرى وسجلت نقاطا مهمة في نطاق التنافس الجيوسياسي، مثل اليونان وإثيوبيا بالنسبة لكل من تركيا ومصر، فضلا عن "إسرائيل" التي كانت أكبر المستثمرين في الحقبة السابقة من خلال التطبيع مع عدد من الدول العربية ونقل التعاون معها لمستويات أعلى وأخطر".


خطوات تركية


بدوره أكد المحلل السياسي عماد الجبوري على ما أشار إليه الخبراء من أن التقارب جاء من تركيا أولا، مشيرا إلى أن "أنقرة هي التي تغيرت، خاصة عبر تحجيم قيادات إخوانية موجودة على أرضها وتحجيم أنشطتهم أيضا وغلق أكثر من موقع لهم".


وتابع الجبوري في حديث لـ"عربي21": "بالتالي فإنه مقابل هذا التغير التركي بالتأكيد سيكون هناك رد فعل إيجابي تجاهه من قبل بعض الدول العربية ومنها السعودية والإمارات اللتان صنفتا جماعة الإخوان المسلمين تنظيما إرهابيا".


ولفت إلى أن "المحرك الأول لهذا التقارب كان من داخل السياسة التركية الذي لاقى تجاوبا من قبل الدولتين، وفي نهاية الأمر فهكذا هي السياسة.. مصالح الدول وشعوبها تسبق أي التزام تجاه أي تنظيم دولي، خاصة إذا كان هذا الالتزام تجاه أي تنظيم يؤثر عليها سلبا".

 

اقرأ أيضا: الإمارات تبحث عن فرص استثمار بتركيا بعد لقاء أردوغان و"طحنون"

واتفق المحامي ومنسق ائتلاف مصر فوق الجميع، محمود عطية، مع الجبوري على أن "توتر العلاقة بين تركيا ومصر كان سببه استخدام أنقرة للإخوان المسلمين ككرت ضاغط على مصر كما تفعل جميع الدول في علاقاتها فيما بينها، حيث تستخدم هذه الدول كروت ضغط على بعضها البعض، وكذلك الإعلام المصري الموجه من تركيا للداخل المصري، والذي أظن أنه لم يرق للإدارة المصرية".

مضيفا أنه "حينما بدأت تركيا التقارب مع مصر فقد قبلت أنها تلغي بعض البرامج وتمنع ظهور بعض الإعلاميين المصريين الذين كانوا ينتقدون مصر سواء بالحق أو الباطل لأغراض  معينة".

وأوضح عطية خلال حديثه لـ"عربي21"، أن "التقارب جاء من قبل تركيا وقيل هذا الكلام في جميع وسائل الإعلام، ولكنني على المستوى الشخصي كنت أرفض التعليق المبالغ به من قبل الإعلام المصري على هذا التقارب لأن الإعلام أخذه بطريقة غير دبلوماسية ولا يليق لأن علاقات الشعوب دائما لها عثرات ولكنها لا تستمر بالانقطاع دائما".

وأكد أنه "بالرغم من أن التقارب قد بدأ من قبل تركيا، إلا أن مصر تستفيد أيضا من أي علاقات طيبة مع أي دولة، ولكن التقارب بحد ذاته بين مصر وتركيا مفيد للدولتين، وعلى المستوى الشخصي أرحب بأي إضافة في العلاقات مع مصر ولا أفعل كما فعل بعض الإعلاميين في مصر بعمل إسقاطات غير لائقة على المبادرة التركية".


المبادرة تركية لكنها تخدم مصالح الجميع


ويرى الباحث بالشأن التركي والعلاقات الدولية طه عودة أوغلو، أنه "على الرغم من أن المبادرة بالتقارب كانت تركية، إلا أن هذه الدول أيضا بحاجة ماسة له، خاصة في ظل البيئة المتغيرة في الإقليم حاليا خصوصا بعد وصول إدارة بايدن وما حصل في أفغانستان مؤخرا".

ورجح أن يكون "العامل الاقتصادي والمصالح المنتظرة من ورائه يأتي في مقدمة الأسباب التي دفعت تركيا إلى التقارب مع الإمارات والجنوح نحو نوع من إرساء التوازن في العلاقات معها في هذا الوقت".

وأوضح أوغلو خلال حديثه لـ"عربي21"، أن "الهدف الاقتصادي لهذا التقارب ظهر جليا في حديث الرئيس إردوغان في معرض تعقيبه على لقائه بالشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، حين قال إنهما ناقشا خلال اللقاء مجالات ونوع الاستثمارات الممكن إقامتها، لافتا إلى أنه دعا كلا من نائب رئيس صندوق الثروة السيادية ورئيس مكتب الاستثمار التركيين لحضور الاجتماع".

وأكد أوغلو أن "بقاء العلاقات الثنائية في مجالات التجارة والاستثمار والسياحة على الرغم من القطيعة السياسية بين البلدين، يعزز فكرة أن المصلحة الاقتصادية من هذا التقارب تقعد في مقدمة الفوائد".

وأضاف مستدركا بالقول: "لكن بالتأكيد أن الضغط على زر عودة العلاقات مع الإمارات كان الأصعب في مسار العلاقات التركية-الخليجية بالنسبة للشعب التركي، خاصة أن أنقرة كانت تعتبر أبوظبي لغاية الشهر الفائت من ألد أعدائها في المنطقة".


فوائد التقارب التركي العربي


ويبقى السؤال الذي يتبادر للذهن ما هي الاستفادة المرجوة لهذه الدول من هذا التقارب؟


أجمع المحللون على أن الفائدة الاقتصادية هي أحد أهم ما تبتغيه هذه الدول من التقارب فيما بينها، كما أنه سيساهم في حل بعض المشاكل الداخلية في تركيا.


وأشار أوغلو إلى أن "أنقرة معنية هذه الأيام بتسوية الخلافات مع الإمارات ومع دول عربية أخرى لأن ذلك سيعود عليها بالفائدة على المستويين الإقليمي والداخلي، فداخليا ستقطع الحكومة الطريق أمام المعارضة التي تريد استخدام  أوراق توتر علاقاتها مع الدول العربية في الانتخابات القادمة لتأليب الشارع التركي ضدها، وأما إقليميا فالتقارب مهم لتركيا خاصة في قضية شرق المتوسط وترسيم الحدود وكذلك الملف الليبي".

بدوره أكد محمود عطية أن "استفادة مصر وتركيا من هذا التقارب سياسية وسياحية واقتصادية عبر زيادة التبادل التجاري، حيث إنه كان بين الدولتين تبادل تجاري كبير، وكانت البضائع تسير بالاتجاهين والعلاقات بينهما تاريخية وهناك أمور كثيرة مشتركة بينهما".

 

اقرأ أيضا: هل تعود العلاقات بين تركيا والإمارات إلى مسار طبيعي؟

من جهته أكد الهدبان أنه "إضافة إلى لعب تركيا دورا موازيا لدور إيران فإن هناك فائدة اقتصادية"، مضيفا  أنه "حينما نقارن الدور الذي يمكن أن تلعبه تركيا بالدور الذي كانت تلعبه واشنطن، فهي كانت خاصة في عهد ترامب تطلب أموالا منهما بشكل سافر، وتطلب أن تقوم هذه الدول بالاستثمار أو تمويل أمور معينة لصالح واشنطن وحلفائها، لكننا نجد أن دولتي السعودية والإمارات ستستفيدان أكثر من التقارب مع تركيا".

وتابع: "ولكن في ما يتعلق بتركيا فيمكن أن يكون هناك نوع من التبادل التجاري والاقتصادي والاستثمارات من السعودية والإمارات داخل تركيا تؤدي إلى نوع من زيادة النهضة الاقتصادية في الدولتين،وبالتالي تكون المنفعة متبادلة، وليس فقط قضية دفع لجهة "واشنطن" التي لم تعد مهتمة بمنطقة الشرق الأوسط ككل والخليج تحديدا".

وأشار الهدبان إلى أن "الفائدة الأولى هي أن تركيا يمكنها لعب دور مواز ورادع لأي أطماع إيرانية، وأما الفائدة الثانية أنه ستعم نهضة اقتصادية على الجميع مقابل بعض التنازلات التي ستقدمها تركيا في ما يتعلق بالتنظيمات الإسلامية الموجودة هناك والتي قد تسبب أرقا وإزعاجا لبعض الدول العربية".

واتفق الجبوري مع الهدبان على وجود فائدة اقتصادية من هذا التقارب وقال: "هناك رغبة سعودية بالاستفادة اقتصاديا من السوق التركية والشركات التركية، سواء كان تصديرا أو استيرادا، بالتالي فإن هناك منفعة اقتصادية للطرفين بالإيجاب، وبلا شك فإن الشركات التركية بحاجة إلى أعمال كهذه إضافة إلى أن الاستثمارات الخليجية تبحث عن سوق وميادين لها داخل تركيا خاصة بعد كورونا، حيث تحتاج جمع الأسواق العربية والتركية إلى مثل هذا التقارب من أجل الشعوب".

التعليقات (1)
بن عبده
الخميس، 09-09-2021 08:49 م
التقارب جاء نزولا على رغبة امريكا المهندس الحقيقى للمنطقة و التغير الحاد وراءة يد قوية وخطط وسياسات واستراتجيات جديدة مرسومة