هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يواصل اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر عمليات تستهدف طمس أدلة جرائم الحرب التي ارتكبها في ليبيا خلال السنوات الماضية، تحضيرا للانتخابات الرئاسية.
وقالت وكالة الأناضول، الثلاثاء: "بعد سلسلة تصفيات طالت في الفترة الأخيرة قادة عسكريين في مليشيا اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، جاء الدور هذه المرة على أحد عناصر مليشيا الكانيات في مدينة ترهونة، الذي ألقي القبض عليه بتهمة قتل ضابط كبير من ورشفانة في 2019".
ووفقا للوكالة فإن "هذه الخطوة الأخيرة تعكس رغبة حفتر في تصفية قيادات مليشياته والعناصر المتورطين في جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، المطلوبين دوليا من محكمة الجنايات الدولية على غرار الرائد محمود الورفلي، الذي اغتيل بمدينة بنغازي (شرقا) في 25 آذار/ مارس الماضي".
وفي وقت سابق، قال الخبير العسكري والأمني، عادل عبد الكافي، في تصريح خاص لـ"عربي21"، إن حفتر يقوم بعمليات اغتيال وتصفية في صفوف قادة مليشياته، في محاولة لطمس أدلة تورطه في جرائم الحرب التي ارتكبت في العاصمة طرابلس وبنغازي ومناطق أخرى من البلاد.
وكشف عبد الكافي عن "معلومات تفيد بأن جهات استخبارية إقليمية، نصحت حفتر بإغلاق ملفات مليشيا الكانيات، ومجموعة الخمسين التي كان يقودها المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية، محمود الورفلي (قتل قبل أشهر) في المنطقة الشرقية، في محاولة لإغلاق ملفاتهم، وإخفاء أي دليل قد يقود إلى مسؤوليته عن جرائم الحرب التي ارتكبها هؤلاء بحق الليبيين".
وشدد الخبير العسكري على أن حفتر كان يخشى أن يشي هؤلاء باعترافات حول تورطه في الجرائم التي ارتكبوها، وأنه هو من وجه بارتكابها، بل وقدم الدعم لها، ولهذا فهو المستفيد الوحيد من قتلهم، وتصفيتهم.
ولفت إلى أن "النصائح قدمت لحفتر على شكل استشارات استخباراتية، وتنص على أن يتم إخفاء جميع الأدلة التي تكشف من أصدر الأوامر، ومن قام بالتكليفات، ومن قدم المساعدة والدعم اللوجستي والتسهيلات لهؤلاء العناصر للقيام بجرائم الحرب والإعدامات، وما نتج عنها من مقابر جماعية خارج نطاق القانون".
اقرأ أيضا: خبير: حفتر يغتال قادة مليشياته لطمس تورطه بجرائم الحرب
والشهر الماضي، أثارت وفاة عضو مجلس النواب الليبي، فرج بوهاشم، إثر حادث سيارة بالقرب من مدينة "طبرق" شرق البلاد مزيدا من التكهنات والتساؤلات حول الحادث وتفاصيله وما إذا كان الأمر مدبرا أم حادثا طبيعيا.
وذكرت مصادر من الشرق الليبي لـ"عربي21" أن سيارة النائب اصطدمت بأخرى في منطقة عين الغزالة شرق البلاد ما أدى إلى احتراق السيارة بالكامل ومقتل النائب حرقا.
وشكك ناشطون وساسة في الحادث معتبرين أن وراءه فعل فاعل وشبهة جنائية وليس مجرد حادث سيارة، خاصة أن النائب، وهو متحدث سابق باسم البرلمان الليبي، قد طالب في آخر جلسة للبرلمان خلال مناقشة قانون انتخاب الرئيس بضرورة منع مزدوجي الجنسية من الترشح للرئاسة في إشارة إلى حفتر الذي يحمل الجنسية الأمريكية.
ورغم أن "بوهاشم" يمثل مدينة المرج شرق البلاد وهي مقر لحفتر وقواته إلا أنه أعلن وبكل قوة رفضه عدوان الأخير على العاصمة "طرابلس"، واعتبر الحرب دمارا للبلاد بل واعتبر أنها تخدم مصالح شخصية، كما أنه طالب بتغيير "عقيلة صالح" ومنع مزدوجي الجنسية ومن عليهم أحكام من الترشح لرئاسة البلاد.
والسؤال: هل حادثة وفاة بوهاشم أمر مدبر أم طبيعي؟
وفي 27 تموز/ يوليو الماضي، قتلت مليشيات حفتر، محمد الكاني، زعيم مليشيا الكانيات، المطلوب لدى محكمة الجنايات الدولية، الذي فُرضت عليه عقوبات أمريكية وبريطانية، لتورطه في المقابر الجماعية بترهونة (90 كم جنوب شرقي طرابلس).
وبعد شهر وبضعة أيام من تصفية الكاني، أعلنت المباحث الجنائية في مدينة المرج (شرقي بنغازي) الخاضعة لمليشيات حفتر، إلقاءها القبض على أحد المتورطين في اغتيال العميد مسعود الضاوي، قائد اللواء 26 من مدينة ورشفانة (جنوبي طرابلس)، أثناء عدوانهم على العاصمة طرابلس (نيسان/ أبريل 2019 – حزيران/ يونيو 2020).
واعترف القاتل ويدعى إيهاب فرج العجيل (من ورشفانة)، في تسجيل مصور أخفي فيه وجهه، أنه اشترك في عملية اغتيال الضاوي، مع 7 أشخاص آخرين بينهم شقيقه "عماد"، الذي تلقى أوامر القتل من محسن الكاني، القائد الميداني لمليشيا الكانيات بترهونة (قتل هو الآخر في 13 أيلول/ سبتمبر 2019).
اقرأ أيضا: وفاة برلماني ليبي بحادث سيارة.. هل دبر حفتر اغتياله؟
مشروع تصفية الأوراق المحروقة
كما كان متوقعا، فإن حفتر يواصل تصفية الأوراق المحروقة في صفوف مليشياته، التي من شأنها توريطه مع محكمة الجنايات الدولية، أو مع الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا.
كما أن مشروعه للترشح للرئاسيات المرتقبة في 24 كانون الأول/ ديسمبر المقبل، تقتضي ألا يكون مورطا في جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية أو حتى انتهاكات لحقوق الإنسان.
لذلك فإن حفتر يحاول الظهور كرجل يحترم القانون، ويحارب القتلة والمجرمين حتى ولو كانوا من أتباعه، لتبرئة نفسه من هذه الجرائم، وترك مسافة بعيدة بينه وبين مليشيا الكانيات سيئة الصيت، المرفوضة حتى من أنصار حفتر في الشرق ناهيك عن ضحاياها في الغرب الليبي.
وإظهار اعترافات إيهاب فرج العجيل، للرأي العام، وتأكيده أن محسن الكاني من أعطى الأوامر لشقيقه عماد العجيل، باغتيال الضاوي، يبرئ فيها حفتر ذمته من هذه "الجريمة"، ويحمل الكانيات وحدهم وزرها.
ومن المتوقع أن يكون اعتقال إيهاب العجيل، ونشر اعترافاته، مقدمة لتبرير حملة اعتقالات وتصفيات في صفوف عناصر اللواء التاسع ترهونة، الذين فروا إلى الشرق بعد هزيمة حفتر بطرابلس في حزيران/ يونيو 2020.
وكان قد هدد عناصر من اللواء التاسع بالانتقام لمقتل محمد الكاني، متهمين صدام حفتر بالوقوف وراءه، خاصة في ظل حديث محللين ليبيين وناشطين إعلاميين، عن وقف مليشيات حفتر لمرتبات عناصر الكانيات، منذ أشهر، وتذمرهم من سوء أحوالهم الاجتماعية بعد هروبهم من ترهونة.
الأمر الآخر الذي قد يكون له علاقة بالتعجيل في اعتقال أحد منفذي عملية اغتيال الضاوي، ونشر اعترافاته بالصوت والصورة، في 1 سبتمبر الجاري، إعلان موقع مقرب من النظام السابق، عن ترشح سيف الإسلام القذافي "رسميا" لرئاسيات 24 ديسمبر.
ونقل موقع "بوابة أفريقيا الإخبارية" عن مصدر خاص، أن إعلان "سيف الاسلام" نيته الترشح للانتخابات جاء تزامنا مع "عيد الفاتح" الذكرى الـ52 لانقلاب القذافي على الملك الراحل محمد إدريس السنوسي.
ولأن حفتر يعتبر القذافي الابن منافسه الأول في أي انتخابات رئاسية نزيهة، فإنه من مصلحته التقرب من أنصار الأخير ومن بينهم قبائل ورشفانة.
وأفضل ورقة يمكن لحفتر لعبها لكسب تأييد أبناء ورشفانة في الانتخابات المقبلة، هي كشف حقيقة اغتيال مسعود الضاوي، والقبض على أحد منفذي الاغتيال، وتحميل مسؤولية إعطاء الأوامر لشخص ميت، ما يجعله بعيدا عن الشبهات.
اقرأ أيضا: قوات حفتر تقول إن هجوما انتحاريا استهدف حاجزا لها بالجفرة
اغتيال كاد يفجر اقتتالا بين قوات حفتر
العميد مسعود الضاوي، كان يعد من القادة العسكريين البارزين لمنطقة ورشفانة، المحاذية للضواحي الجنوبية الغربية لطرابلس، المحسوبة على النظام السابق بزعامة معمر القذافي.
وتحالفت ورشفانة مع حفتر، وأصبحت جزءا رئيسيا من هجومه العنيف للسيطرة على طرابلس، الذي أطلقه في 4 أبريل 2019.
وإلى جانب ورشفانة، اشتركت قوتان كبيرتان من المنطقة الغربية إلى جانب مليشيات حفتر القادمة من الشرق، وهما اللواء التاسع ترهونة، الملقب بـ"الكانيات"، وجناح من مدينة الزنتان القوية (170 كلم جنوب غربي طرابلس) بقيادة اللواء إدريس مادي.
وبحسب أعيان قبيلة ورشفانة وشهادات أخرى، فإن مسعود الضاوي، حضر اجتماعا في ترهونة، في 23 مايو 2019، برفقة كل من المقدم أنور منصور يحيى، والمقدم أحمد الرياني، وفي طريق عودتهما إلى جبهات القتال جنوبي طرابلس، تم اغتيالهم جميعا في منطقة فم ملغة، التابعة إداريا لترهونة.
ووجه أعيان قبيلة ورشفانة تهمة اغتيال الضاوي ومرافقيه، إلى اللواء التاسع ترهونة، باعتبار أن الاغتيال وقع في مناطق سيطرته البعيدة عن جبهات القتال، وقرروا إيقاف التعامل والتنسيق مع قبائل ترهونة "على جميع المستويات الاجتماعية والأمنية".
بينما رفض مشايخ ترهونة هذا الاتهام، واعتبروا تحميل مدينتهم مسؤولية اغتيال الضاوي ورفاقه "محاولة لشق الصف وإحداث فتنة بين القبيلتين".
وزعمت مليشيات حفتر، حينها، أن الضاوي قُتل إثر سقوط قذيفة هاون، وهو يعطي تعليماته بين جنوده، في ساحة المعركة، بمنطقة عين زارة، إحدى الضواحي الجنوبية الملتهبة بطرابلس.
وهذه "الرواية الكاذبة" كان الهدف منها تخفيف الاحتقان بين قبيلتي ورشفانة وترهونة، وتجنب دخولهما في اقتتال، خاصة أن أبناءهما كانوا يقاتلون في جبهة واحدة إلى جانب المليشيات القادمة من الشرق، وهذا كان من شأنه إفشال الهجوم على طرابلس في أشهره الأولى بدل انتظار 26 شهرا لانهياره.
ولحد الآن لم يتضح السبب الذي دفع محسن الكاني، للأمر باغتيال الضاوي ومرافقين، ولكن صفحات موالية لعملية بركان الغضب التابعة لحكومة طرابلس الشرعية، تحدثت حينها عن خلاف بين محسن الكاني ومسعود الضاوي، حول اقتسام المؤن والأسلحة والذخائر التي وصلتهم من الشرق.
وقد يدعم ذلك اغتيال الضابطين خالد أبو عميد وكمال المباركي (من ورشفانة)، في مقرهما ببلدة سوق السبت، الواقعة على خط الإمدادات جنوبي مطار طرابلس الدولي (خرج من الخدمة في 2014)، وذلك بعد ثلاثة أشهر من اغتيال الضاوي.
واتهمت حينها مليشيا صغيرة تسمى "الحبوطات" تعود أصولها إلى ورشفانة، لكنها كانت تخضع لإمرة مليشيا الكانيات.
ولجوء الكانيات لتصفية قيادات من ورشفانة عبر عناصر "الحبوطات"، محاولة لتبرئة ذمتها في حال تم توقيف القتلة، والإيحاء بأن الأمر مجرد تصفية حسابات شخصية بين أبناء ورشفانة أنفسهم.