أفكَار

هل تكون مذهبية طالبان الدينية مدخلا لمهاجمتها والتحذير منها؟

كيف ستتفاعل حركة طالبان مع الضغوط الدولية لتغيير مرجعيتها؟  خبراء يجيبون.. (الأناضول)
كيف ستتفاعل حركة طالبان مع الضغوط الدولية لتغيير مرجعيتها؟ خبراء يجيبون.. (الأناضول)

في غمرة الصراعات الدينية المحتدمة بين الاتجاهات الإسلامية المختلفة، تتخذ بعض تلك الاتجاهات من المذهبية الدينية لمخالفيها مدخلا لمهاجمتها والتحذير منها، بوصفها مقولات عقدية ضالة ومنحرفة، خارجة عن منظومة أهل السنة والجماعة المنهجية والعقائدية، وهو ما تشهد كتب الفرق والمذاهب الإسلامية المؤلفة قديما وحديثا. 

حركة طالبان الأفغانية ليست في منأى عن تلك التوجهات، فتنظيم الدولة الإسلامية "داعش" بخلفيته السلفية عادة ما يصف الحركة في بياناته ومنشوراته بـ "المرتدة"، ولا يقف الأمر عند اختلاف التنظيم مع الحركة عقائديا ومنهجيا، بل يتجاوز ذلك إلى المواجهات المسلحة، واستهداف كل طرف منهما للآخر في ميادين المعارك والجبهات. 

وليس الأمر مقصورا على تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في مهاجمته للحركة وتحذيره منها، بسبب خلفيتها الدينية المذهبية، بل ثمة اتجاهات سلفية أخرى تنتمي إلى السلفية المدخلية الجامية، تهاجم الحركة بوصفها حركة قبورية (نسبة إلى عبادة القبور) خارجية تحارب عقيدة السلف الصالح، وتتبنى عقائد ضالة ومنحرفة. 

ففي مقطع مصور منشور على قناة (المنهج السلفي)، قام أحد عناصر حركة طالبان باستجواب سلفيين أفغان وقعوا في قبضة الحركة أثناء الأحداث الأخيرة، واستتابتهم من انتمائهم السابق للسلفية، وتحذيرهم من العودة إلى ذلك، وضرورة التزامهم بالمذهبية الفقهية، وتذكيرهم بما سيتعرضون له من عقوبة في حال رجوعهم إلى السلفية. 

 



ناشرو المقطع وصفوا طالبان بـ"الحركة القبورية الخارجية تحارب عقيدة السلف الصالح، وتستتيب مجموعة من السلفيين الموحدين وتعيدهم بالقوة لدين القبورية الجهمية، بحجة التمذهب كما يفعل من يسمون بـ"الحنابلة الجدد" لإعادة المسلمين لجميع مسائل الجاهلية التي ذكرها الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب في كتابه مسائل الجاهلية" حسب ما ورد في المقطع. 

في تعليقه على المقطع المصور لفت الأكاديمي المصري المتخصص في الحركات الإسلامية وعلم الاجتماع الديني، الدكتور كمال حبيب إلى احتمالية أن يكون "مروجوه من التكفيرين، ولعلهم من تنظيم الدولة، عدو الحركة اللدود، فهم يقولون إن الحركة تريد أن تعيد المسلمين إلى مسائل الجاهلية التي حذر منها محمد بن عبد الوهاب في مسائل الجاهلية، وهذا الكتاب مملوء بمسائل اتهم فيها المسلمين بأعمال الجاهلية دون دليل" على حد قوله. 

 



وأضاف: "وهو ما يجعلني أرجح أن يكون مصطلح السلفية هنا إشارة لتنظيم الدولة، وهناك تيار داخله هو التيار الحازمي نسبة إلى أحمد بن عمر الحازمي، وهو أكثرهم تطرفا في التكفير وفق قاعدة (من لم يكفر الكافر فهو كافر) كما كان يفعل شكري مصطفى في مصر في سبعينيات القرن الماضي، وهو لا يعذر بالجهل ويكفر من يفعله، ولا يعذر بالطبع عامة المسلمين، ولا يعد الجهل مانعا من موانع التكفير".
 
وأردف في حديثه لـ"عربي21": "فالسلفية التي يروج لها هنا، أظنها عنوانا قد يكون مراوغا يدعيه المنتسبين إلى تنظيم الدولة، فهم يعتبرون أنفسهم سلفيين باعتبار مصادرهم ومراجعهم ومنهجهم في التفكير، ولا أظن أن أحدا من السلفية ـ حسب علمي ـ قد اتهم طالبان حتى اليوم بعد انتصارها على الأمريكيين والجيش الأفغاني بأنهم يتعقبون السلفيين أو يمتحنونهم أو يطاردونهم".

وتابع: "لكنه قد حدث في بداية الجهاد الأفغاني أن انتقد كثير من المجاهدين العرب، خاصة السعوديين الأفغان بنعتهم بالقبورية، وأنهم ليسوا موحدين على الطريقة الوهابية الصارمة، أو السلفية التي تركز على قضايا التوحيد والعقيدة، وقد أحدث ذلك مشاكل كثيرة وقتها، تم استيعابها بالتجاوز عن بعض عادات وعقائد الأفغان والانصراف إلى الجهاد، لتحرير البلاد من الاحتلال الروسي". 

وعن إمكانية تجدد تلك الخلافات العقدية والفقهية، رأى حبيب أن "احتمالية تجددها بين طالبان وبين بعض التيارات السلفية، التي أقرب ما تكون إلى المدخلية الجامية، أو من أتباع تيارات الغلو داخل تنظيم الدولة، كالتيار الحازمي أمر وارد". 

من جهته قال الباحث الأردني في شؤون الحركات الإسلامية والجهادية، الدكتور مروان شحادة بخصوص علاقة طالبان مع الحركات والاتجاهات الإسلامية الأخرى "أتفق في هذا المقام مع من يقول إن حركة طالبان ستواجه الاتجاهات الإسلامية الأخرى، كالسلفية مثلا، لأن غالب الأفغان ينتمون إلى مذهبيتها الدينية، المتبنية للمذهب الماتريدي في العقيدة، والمذهب الحنفي في الفقه، والتصوف في السلوك والعبادة".

وأشار إلى أن "حركة طالبان في طورها الجديد، باتت ـ فيما يبدو ـ تغلب المصلحة الشرعية، وتميل إلى التعامل بمرونة أكثر تجاه الآخر، سواء على مستوى الأعراق والقوميات، أو المذاهب الدينية، لذا من المتوقع أن يكون سلوك طالبان أكثر انفتاحا مع مختلف الأعراق والمذاهب الموجودة في أفغانستان، مع تقيدها التام بالمذهبية الدينية الرسمية التي تتبناها، وعدم السماح مصادمتها أو الخروج عنها".

 



وردا على سؤال "عربي21" إن كانت حركة طالبان ستتجاوز في سياساتها وتطبيقاتها الدينية مضايق الصراعات المذهبية والعقدية حسب تجلياتها التاريخية إلى رحابة التعددية الدينية، لفت شحادة إلى أن الخلافات العقائدية بين الأشاعرة والماتريدية من جهة وبين الحنابلة وتفرعاتها السلفية من جهة أخرى كانت حاضرة بقوة في تحديد العلاقة بين تلك المذاهب تاريخيا".

وتابع: "ومن المتوقع أن تحافظ حركة طالبان على مذهبيتها الدينية المعروفة، وتسعى إلى نشرها وترسيخها في المجتمع الأفغاني، وعلى الأغلب ستميل في سياساتها وقرارتها الدينية إلى التضييق على الاتجاهات التي تعدها خصما للمذهبية، وتدعو إلى الخروج عنها". 

بدوره توقع أستاذ الفقه الإسلامي وأصوله بجامعة أم القرى في مكة المكرمة، الدكتور محمد السعيدي أن "يكون لحركة طالبان أثرا قويا في نشر التدين الوسطي العملي، وليس العقدي على المنهج الصحيح للدين، في حال ثباتها وإفلاتها من الفخاخ التي تنصب لها لتوريطها في صدامات داخلية أو خارجية، كما كان للسعودية عند نشوئها، من أثر على التدين العملي والعقدي في العالم الإسلامي". 

وواصل حديثه لـ"عربي21" بالقول "وسوف يؤدي نجاحها إن استطاعت المحافظة عليه إلى ضعف التدين التكفيري العنيف، وإضعاف أثره على الشباب" مستدركا "لكن القاصمة الأكبر سوف تُصيب الإسلام الراندي (نسبة إلى مؤسسة راند الأمريكية) والليبروإسلامي، والذي يُرَوِّج له بعض النخب الإسلامية، وبعض الجماعات السياسية الإسلامية كبعض فصائل الإخوان، كالنهضة وغيرها". 

 

        محمد السعيدي.. أستاذ الفقه الإسلامي وأصوله بجامعة أم القرى

وأرجع ذلك إلى كون "هذه الفصائل وتلك النخب تعتمد بشكل كبير جدا على زعم أن الشعوب لم تعد تستطيع تحمل النمط التقليدي من الإسلام، وأن دول الغرب لن تسمح بقيام دولة تعتمد هذا النمط، فلو استطاعت طالبان النجاح فسوف تنكسر حجة هؤلاء، ولا يبقى لهم من دواع للاحتجاج سوى محض الهوى" على حد قوله. 

وعلل الأكاديمي السعودي قوله "إن استطاعت حركة طالبان الثبات على موقفها من التدين العملي، فإنها لن تستطيع فرض منهجها العقدي المتمثل في الماتوريدية والصوفية.."، بأنها "إن سعت إلى فرض ذلك، خاصة في الوقت الحاضر، فستفتح الباب لصراعات لا تقتضيها ظروف بناء الدولة التي تمر بها طالبان حاليا، وهو بالضبط ما حدث للسعودية في بداياتها، فبعد استكمال توحيدها، لم تفرض السلفية على الشيعة والصوفية تفاديا للانشغال عن مرحلة بناء الدولة". 

وفي ختام حديثه أبدى تخوفه "على حركة طالبان من أنها لن تستطيع المحافظة على حكمها لأفغانستان حسب النمط الديني الذي اختارته في حال تبنها للنموذج الديمقراطي، لأنه سيتسبب في ضعفها عن فرض نهجها في الإسلام العملي، كما سيؤدي إلى تراجع قدرتها على فرض الأمن، واستقرار البلاد.. إضافة إلى أن الديمقراطية المفاجئة سوف تعود بأفغانستان إلى فترة ما قبل خروج الأمريكان، إذ عجزت الدولة، حينذاك، عن فرض سلطتها وهيبتها، على الرغم من كل قوتها". 


التعليقات (0)