قضايا وآراء

المغرب وتونس.. مصادر التكامل والنماء المشترك

امحمد مالكي
1300x600
1300x600
تَشتركُ بلادُ المغرب في العديد من الميزات والخصائص، كما تتمايز في بعض مناحي التطور التاريخي والاجتماعي والثقافي. وإذا أردنا تصنيف الدول المغاربية الخمس )موريتانيا/ المغرب/ الجزائر/ تونس/ ليبيا( من حيث درجة التشابه والتقارب، لا يتردد عاقل في الجزم بأن المغرب وتونس أقرب من غيرهما من بلاد المغرب إلى التكامل والنماء المشترك. أما ما يُسند هذا الاستنتاج فثمة مبررات كثيرة، من ذلك ما له صلة بالتاريخ، وسيرورة بناء الدولة والمجتمع، والتكوّن الثقافي، ومنه ما له علاقة بالسياسة، وما راكمت العلاقات الثنائية من مظاهر التعاون منذ الإعلان عن استقلال البلدين في ربيع 1956.

يَمدّنا تاريخ بلاد المغرب بكثير من المعطيات والوقائع الدالّة عن وجود تقاربات في سيرورة تطور المغرب الأقصى وأفريقيا، أي تونس. فكلاهما صمدا أمام الأعاصير التي ألمّت بكيانيهما على مراحل متتالية في التاريخ، وبفعل هذا الصمود حافظا على وجودهما كدولتين، لهما استقلالية عضوية، واستمرارية رمزية.

وعلى الرغم من الانكسارات التي تعرض لها البلدان، فإنهما لم يفقدا وحدتهما العضوية واستمراريتهما التاريخية، خلافا لبقية بلاد المغرب، حيث انمحت الدولة، أو كادت أن تنمحي، كما حصل على سبيل المثال للجزائر، أو ليبيا التي توزعت إلى ولايات متناحرة على أساس قبلي. لذلك، يشكل استمرار الدولة في التاريخ عامل تفسير، بالغ الأهمية، لفهم حال بلاد المغرب، والمعوقات التي تحول بينها وبين تحقيق مشروعها في البناء المشترك.

تترتب عن فقدان الاستقلالية العضوية والاستمرارية التاريخية للدولة نتائج سلبية بالغة التأثير على السياسة والثقافة وبناء الإنسان، كما يُساعد هذا المعطى التاريخي على فهم المؤثرات المتحكمة في سلوكيات البلدان، موضوع الانقطاع، تجاه مجتمعاتها أولا، وتجاه محيطها القريب والبعيد معا. وحيث أن "الدولة مُربية المربين"، بتعبير المؤرخ عبد الله العروي، فقد عانت - وما زالت تعاني - البلدان المغاربية، فاقدة الوحدة العضوية والاستمرارية التاريخية لدولها، من مقومات مراكمة ثقافة سياسية قادرة على امتلاك ثقافة سياسية متوازنة، تمكنها من تدبير أمور مجتمعاتها باعتدال ووسطية، وبناء علاقتها مع جوارها وفي علاقتها بالعالم بعقلانية وإيجابية.
تمكنا من مراكمة تقاليد سمحت لهما بإدارة شؤونهما الداخلية بقدر ملحوظ من الاقتدار، وبناء علاقتهما مع الجوار والعالم بنوع من الاعتدال والوسطية، وتغليب التعاون والعمل المشترك على التنافر والفرقة

ولأن المغرب وتونس حافظا على الوحدة العضوية والاستمرارية التاريخية لدولتهما، على الأقل منذ تفكك ما كان يسمى "الغرب الإسلامي"، الذي وصلت حدوده شرقا إلى منطقة السلّوم على الحدود الليبية المصرية، وحتى بلاد الأندلس غربا، والشروع في ظهور الولايات، أو الدول المستقلة، في المنطقة المغاربية (المرينيون في المغرب/ وبنو عبد الواد في الجزائر/ والحفصيون في تونس)، فقد تمكنا من مراكمة تقاليد سمحت لهما بإدارة شؤونهما الداخلية بقدر ملحوظ من الاقتدار، وبناء علاقتهما مع الجوار والعالم بنوع من الاعتدال والوسطية، وتغليب التعاون والعمل المشترك على التنافر والفرقة.

لذلك، ظلت العلاقات المغربية التونسية عل مدار الستة عقود التي أعقبت استقلالهما الوطني موسومة بالاستمرارية الإيجابية، والتعاون المثمر في الكثير من المجالات، والتعاضد الصادق كلما دعت الظروف إلى ذلك. بل إن السائد في المخيال الجماعي المغاربي أن المغاربة، بحكم تركيبتهم النفسية والاجتماعية والثقافية، أقرب إلى أشقائهم التونسيين منهم لإخوانهم في المجتمعات المغاربية المجاورة، وإن كانت تربطهم جميعا أواصر الدين، واللغة، والامتداد التاريخي والجغرافي، والمصير المشترك.

فبإطلالة على واقع العلاقات البينية المغربية التونسية، تفيد الوثائق ذات العلاقة بوجود العديد من الاتفاقيات الثنائية التي شملت جل المجالات، وعلى وجه الخصوص ميادين النقل البحري، والتكوين المهني، والشباب والتعليم العالي، والشؤون الدينية، وقطاع التصدير. وبذلك، يحتل المغرب المرتبة الثالثة مغاربيا وعربيا من حيث شراكته مع تونس، بحجم تبادل تجاري قُدّر عام 2017 بـ830 مليون دينار تونسي، أي ما يساوي 8.2 مليار درهم مغربي.

والحال أن البلدين معا مطالبان بتعميق علاقاتهما الاقتصادية والتجارية، للوصول إلى معدلات تبادل أعلى مما هو عليه الحال، وبمقدورهما القيام بالكثير من أجل تعظيم نتائج علاقاتهما الاقتصادية والتجارية، طالما أن علاقاتهما السياسية مدعومة برصيد تاريخي من علاقات الأخوة والتعاون المشترك.
تحتاج العلاقات المغربية التونسية إلى دفعة أكبر وأعمق، ونعتقد أن الوثائق الدبلوماسية والتصريحات السياسية المتبادلة تُمكّن الطرفين من الأقدام على مثل هذه الخطوة

تحتاج العلاقات المغربية التونسية إلى استثمار أفضل وأوسع وأعمق لعلاقاتهما السياسية الموسومة بالاحترام وحسن الجوار، ولتعزيز هذا الأفق، يمكن التفكير في رابط بحري مباشر بين البلدين لتيسير انتقال البضائع والأشخاص ورؤوس الأموال، كما يمكن إقامة مؤسسات لبلورة المشاريع المشتركة، من قبيل الغرف التجارية، وأجهزة الاستثمار المشترك. وفي الاتجاه نفسه يمكن تثمين نتائج العلاقات الثنائية في مجال التعليم بمختلف درجاته وأسلاكه، وإعادة تدقيق الرؤى والمنظورات المشتركة حيال هذا القطاع الحيوي بالنسبة لتقدم ونماء البلدين.

وللتدليل على أهمية التفكير الجدي في تطوير العلاقات الثنائية، نُشير إلى أن نسبة التبادل التجاري بين البلدين لا تتجاوز 3 في المئة من إجمالي تبادلات البلدين مع الخارج، وهو ما يبين ضعف التبادل التجاربي المغربي التونسي، غير البعيد والمتشابه مع باقي الدول المغاربية.

تحتاج العلاقات المغربية التونسية إلى دفعة أكبر وأعمق، ونعتقد أن الوثائق الدبلوماسية والتصريحات السياسية المتبادلة تُمكّن الطرفين من الأقدام على مثل هذه الخطوة. لنتذكر الرسالة التي وجهها عاهل المغرب إلى الرئيس "قيس سعيد" فور انتخابه، والوفد الرسمي الذي حضر حفل تنصيبه، فقد شكلت مضامين الرسالة ورمزية التمثيل المغربي بالغ الأهمية إشارة قوية لما يمكن للمغرب وتونس أن يحققا من إنجازات في مجال التكامل والتعاون والنماء المشترك.
التعليقات (1)
نش.نشنين
الإثنين، 29-08-2022 05:15 م
عن اي تشابه تتحدث عنه في تاريخ البلدين لاوجود لاي تشابه