هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
حرص السيسي وزبانيته منذ انقلابه على السلطة في 3 تموز/ يوليو 2013 على أن يظهر للناس في صورة المنقذ والمصلح للبلد، إلى جانب إنجازاته الوهمية، على أن تكون اللقطة و"الشو" هي المحور لوجوده كرئيس.
هل بالفعل للسيسي إنجازات حقيقية؟ وإذا كانت كذلك، فلماذا يحرص على أن يكون همه الأول والأخير أن يصورها "بالجرم المشهود" رغم ضآلتها؟
الإنجازات التي يدعيها السيسي ويرددها نظامه الإعلامي، الكل يرى أنها دون المستوى المطلوب؛ أو لا ترقى في سلم الأولويات درجة. والسؤال: هل هو يعلم أن هذه الإنجازات التي صدع آذان الناس والعالم بها بدءا "بقناة السويس" وحتى العاصمة الإدارية؛ يجب أن يستفيد منها الشعب؟ بحيث أن المواطن الكادح يلمس أي تحسن في خدماته الضرورية التي تبدأ من الصحة والتعليم، والعدالة الاجتماعية بحيث يتساوى فيها ابن البواب مع ابن القاضي والوزير في حق الشغل، الفاصل بينهما هو الكفاءة وليست المحسوبية.
أم هو يتعمد تجاهل هذه الأولويات الحيوية للشعب، ويمضي في مخططاته التي تستنزف مقدرات الوطن، ثم الاقتراض من البنوك الدولية، لتظل هذه الديون حملا ثقيلا على أجيال قادمة عن مراحل لا ناقة لها فيها ولا جمل؟
الصحة تحت المجهر
تعيش الصحة اليوم في مصر أسوأ حالاتها، بدءا بالمخطط الفاشل لمحاربة كوفيد 19، حيث كان المواطن "الغلبان" (ولا زال) لا يجد خطة محكمة في العلاج بناء على تقارير منظمة الصحة العالمية، فيلقى به خارج المستشفى، وإذا ما حالفه الحظ بالحصول على سرير صحي، فإنه قد يلقى حتفه اختناقا بسبب قلة أنابيب الأوكسجين.
العدالة تحت المجهر!
منذ انقلاب 3 تموز/ يوليو والعدالة تسير بأزرار الهاتف وحكم الفرد، ففي الوقت الذي يحرص فيه أي رئيس مفترض لأي بلد في العالم على الاجتهاد في تقديم الخدمات الحيوية للشعب، كان السيسي يتباهى بعدد السجون الجديدة والتي تجاوز عددها 22 سجنا في السنين السبع العجاف، ناهيك عن ملحقات السجون بأقسام الشرطة بالمئات في كل أرجاء مصر، وأكثر من 100 ألف معتقل بين شباب وشيب من أصحاب كفاءات عالية، وبدلا من الاستفادة من خبراتهم فإنهم يموتون على نار هادئة.
الخدمات الاجتماعية في الميزان!
فعلى مدار حكم عبد الفتاح السيسي، فقد راهن على تغيير الكثير من ملامح مصر القديمة من خلال حملة هدم المساجد العتيقة في القرى والصعيد وغيرها، بما في ذلك مدينة الإسكندرية، في الوقت الذي لم يجرؤ فيه أي مستعمر مر على تاريخ مصر على مس حجر واحد من مساجد الله.
وهذا ناهيك عن هدم آلاف الوحدات السكنية بدعوى تطهير العشوائيات، بينما تشرد معظم الأهالي في العراء؛ وفي أحسن الأحوال لم يعوضوا بالقيمة الحقيقية لممتلكاتهم العقارية والتجارية، بينما بيعت هذه الأراضي لمستثمرين خليجيين أشهرها مثلث ماسبيرو، وجزيرة الذهب وآخرها كان حي نادي الصيد.
التفريط في مقدرات البلد
استفاق المصريون على خبر بيع جزيرتي تيران وصنافير بدعوى أنهما سعوديتان بالرغم من أن المحكمة الإدارية أثبتت بالوثائق التاريخية بتاريخ 21 حزيران/ يونيو 2016 أنهما مصريتان، إلا أن القضاء ضُرب في مقتل في عهد نظام السيسي فرمى بالحكم في مزبلة التاريخ.
وقبل الجزيرتين فقد فرط السيسي في غاز شرق المتوسط بين اليونان و"إسرائيل" بما يعادل مساحة دلتا النيل، وبهذا التوقيع فقد فوت فرصة ذهبية كانت ستنقل المصريين من العوز والعجز الاقتصادي، إلى منافسة عالمية في تصدير الغاز لباقي دول العالم.
مر التاريخ القديم والحديث بحكام جبابرة وطغاة، بدءا بفرعون والنمرود، مرورا بالحجاج الثقفي الذي عرف بمقولته المشهورة "إني رأيت رؤوسا أينعت وقد حان قطافها" وهو الذي في عهده وصلت الفتوحات الإسلامية حدود فرنسا وإيطاليا.
وكذلك أدلوف هتلر الذي نقل ألمانيا نقلة متطورة في صناعة الأسلحة والطائرات، ولم يفرط في شبر من أرضها، بل كان يتوسع في الأرض توسع الأسد في البراري، في حين أن السيسي جمع بين الاستبداد والخيانة.
السؤال لماذا يفرط السيسي في مقدرات البلد؟!
إنها سيكولوجية حكم الغالب على المغلوب، فهو له يقين داخلي بأنه ضعيف وإحساسه بالضعف يستمده من عدم الشرعية التي جاء بها، وأمانه يستمده من الدبابة والقبضة الحديدية السائرة على الشعب كله. مقابل هذه الديكتاتورية السادية فإن الطرف الغربي من العالم لطالما ساومه بكروت تدهور الحريات والعدالة في مصر. من هنا فإن خوارزميات السيسي تشتغل على العد التنازلي ضد مقدرات البلد بسخاء وغباء لا نظير لهما مقابل بقائه على ثابوت أبو الهول وأهرامات الجيزة ذات السبعة آلاف سنة حضارة والتي تستنزف للأسف كل يوم من قبل أجهزة العسكر وضباط الجيش ومجموعة من رجال أعمال الدولة الفسدة الذين يستأثرون بحصة الأسد وباقي الشعب يقتات من الفتات وفضلات الزبالة.
صراع بين ثورة النيل وحفاة النيل
منذ أن عرفت مصر في التاريخ عرفت بنيلها شريان الحياة، لذلك سميت بمصر هبة النيل، فلولا النيل لكان هذا البلد صحراء لا وجود للحياة فيها. ولا يخفى على أحد في مصر أو خارجها أن البلاد ضربت في مقتل بمجرد التوقيع على اتفاقية المبادئ في آذار/ مارس 2015.
فالكل من أحرار هذا البلد يرى اليوم أنه لا حل لإنقاذ بلاد الكنانة سواء من الموت عطشا لو تم التحكم فعليا بالسد الإثيوبي، أو بالغرق في مستقبل الأيام لأي سبب من الأسباب، إلا بضربة قاضية للسد قبل اكتمال الملء الثاني أو الانسحاب من الاتفاقية نفسها.
وللأسف كل المؤشرات لا ترجح حدوث هذين الحلين، جبنا وتخاذلا.
وأمام هذه الصورة القاتمة بنهاية النهر الأسطورة ونسف أقدم حضارة في التاريخ لا قدر الله، يطلع علينا غلاف مجلة عليها صورة السيسي بعنوان "مصر هبة السيسي"، بديلا عن مصر هبة النيل بتوقيع الفراعنة وكيلوبترا سابقا.
فهل هو استفزاز متعمد لمشاعر أكثر من مائة مليون مصري، أم هو قهر واستعباد للمرحلة القادمة التي لا مفر منها، إن ظل الحال على ما هو عليه والعودة للشدة المستنصرية في أسوأ حالاتها؟
أما الحل الذي يراهن عليه أحرار الداخل والخارج فهو هبّة ثورية حتى النصر تقتلع السنين العجاف، لتأتي بعدها السبع بقرات سمان التي طالما انتظرها المصريون بترقب شديد.