يعيش الشعب
المصري العظيم، تحت سلطة نظام عسكري دكتاتوري، لم يلتفت لواجباته تجاه شعب يعيش معظمه أوضاعاً مأساوية، نتيجة إدارة العسكر للبلاد بعيداً عن دور المؤسسات المدنية الرسمية، ما فتح الباب على مصراعيه لمزيد من الكوارث، لا تزال مصر تعانيها بفعل انتهاج رأس هذا النظام لسياسة "أنا الكل في الكل" والمضي بالبلد نحو المجهول، متجاوزاً معاناة الملايين منذ انقلابه على شرعية الرئيس محمد مرسي، رحمة الله عليه.
ها هو شعب مصر يصارع الموت بشكل شبه يومي نتيجة تعمد النظام عدم توفير لقاحات كورونا بالمجان، كحق كفلته المادة (١٨) من الدستور، والذي ينص أيضاً على ضرورة توفير كامل حقوق الشعب للعيش بكرامة.
الأكثر إثارة في عقلية دماغ العسكري "
السيسي" إعلانه بسخف أنه يعيش "حياة السلمية" مع هذا الوباء الذي أودى بحياة الآلاف.. قال سلمية قال!!
فبدلاً من توفير هذه الحقوق، كأولويات ضرورية اتجه إلى بناء القصور والكباري وشراء الطائرات الرئاسية الفخمة، وأنظمة حمايتها، فضلاً عن شراء قطارات سريعة.. أثارت تكلفة هذه المشاريع غضب الشعب من جهة، ومن جهة أخرى تدخل الجيش في صلاحية إنشائها، في ظل غياب الشفافية حول تكلفتها، وغيار دراسات الجدوى.
هذه هي صورة مصر في عهد رئيس انقلابي، شيد العاصمة الإدارية (المرحلة الأولى) بـ٨٠٠ مليار جنيه، و٢٦ سجناً مركزياً، و٦٠٠ جسر، بحسب إحصاءات رسمية، مقابل بنائه أربع جامعات..
مشاريع كانت كفيلة ببناء عشرات المشافي والقضاء على البطالة، في بلد مستوى نسبة الفقر فيه وصلت إلى 30 في المئة، وديونه الخارجية تجاوزت ١٤٠ مليار دولار، ناهيك عن ٦٠٠ مليار جنيه، حصيلة فساد رسمي منذ العام ٢٠١٣م!! كل هذا على حساب معيشة المواطن المصري، الذي أصبح يعيش تحت مظلة فساد الجيش، يعبث بخيراته ومستقبل أجياله، على نحو مسيء لدوره الطبيعي في حماية الأمن القومي المصري.
هذا غيض من فيض لواقع بلد يتعرض لأكبر "نَصَابة تاريخية" في عهد دكتاتور جاءت به بعض دول الخليج، ضمن مخطط صهيوني لتدمير مصر عسكرياً، وقومياً، واقتصادياً، للوصول بها إلى حافة الشحاذة، على حد تعبير إعلاميين معارضين لنظام الدكتاتور السيسي.
يعي كاتب هذه السطور جيداً أن الشعب اليمني لا يعيش حياة سياسية واجتماعية أفضل من الشعب المصري، ويدرك أن حياة المواطن المصري رغم سلطة
الاستبداد، أفضل بكثير من حياة المواطن اليمني بـ"مئة سنة ضوئية".
لكن هذا لا يعفيه كمواطن عربي من الخوض في ما آلت إليه الأوضاع المأساوية في بلد المئة مليون مصري، ما عرفوا يوماً نظاما سلطويا أسوأ من نظام انقلابي كهذا، بإجماع تقارير المنظمات الحقوقية والسياسية في الداخل والخارج.
إننا أمام نظام استبدادي، يرعى شخصياً الآلاف من قضايا
الفساد في الجهاز الإداري للدولة، وفي السلك العسكري، والأمني. الأقذر من هذا أن يرى مثقفون حداثيون إلى "السيسي" بطلاً ومخلّص مصر من جماعة الإخوان المسلمين، التي نتفق معهم في ارتكابها أخطاء "كثيرة"، لكنها لا ترتقي إلى جرائم ثماني سنوات من حكم الدكتاتور.
فما موقف هؤلاء الحداثيين من مصادرة هذا النظام للحريات الصحافية، ولحقوق الإنسان، والزج بـ٦٠ ألف معتقل سياسي من كافة الأطياف السياسية المناهضة له في غياهب السجون، المئات منهم فارقوا الحياة، وعلى وجه الخصوص كبار السن بسبب الإهمال الطبي، والتعذيب الوحشي في بلد يدار بنظام "الفرد الواحد" بعيداً عن الدستور والقانون..!
الأسوأ أن يلجأ هذا النظام إلى التربح من معاناة المصريين، والمتاجرة بحقوقهم، والتفريط بسيادة بلدهم، وبيعه جزيرتي صنافير وتيران للسعودية، وحصة مياة النيل لصالح سد النهضة الإثيوبي، والتنازل عن سيادة البلاد، وقرارها السياسي، والقومي خدمة للكيان الصهيوني؟!
لقد ظلت مصر العروبة حتى نهاية القرن الماضي، العمود الفقري، في مناصرتها لقضايا الأمة العربية، ولم تتخل يوماً عن نجدة الشعوب المغلوبة على أمرها من الحاكم المستبد، والهيمنة الغربية.
نعتقد أنه صار واجباً على كل شرفاء العالم، الإعلان عن مجابهة سلطة "السيسي"، وداعميه السيئيين، من خلال تكتل إعلامي وسياسي وفكري وعسكري، بالتنسيق مع المعارضة المصرية في الخارج، بهدف إسقاط هذا النظام الاستبدادي الوقح، لكي تعود مصر كما كانت قوية، كأبرز محور عربي مساند لقضايا الأمة العربية والإسلامية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
فالانتصار للقدس الشريف، خصوصاً، مرهون بإسقاط نظام دكتاتور مصر، عبد الفتاح السيسي، كخطوة سياسية واستراتيجية، لإنقاذ الشعب الفلسطيني المجاهد.
* صحفي وناشط سياسي يمني