قضايا وآراء

الشيخ جراح نموذج للمفارقة السياسية

محمد عبد العزيز
1300x600
1300x600
منذ أن شرعت الحركة الصهيونية بتنفيذ مشروعها السياسي في فلسطين بالتنسيق مع القوى الاستعمارية التي كانت ترى في المنطقة تهديدا لمصالحها الدولية والإقليمية، تبنت الحركة سياسات منهجية في إدارة هذا المشروع تقوم على ثلاث ركائز:

(١) ملء الفراغ الجيوسياسي بسرعة كبيرة.

(٢) قضم ما يمكن من الكيان الفلسطيني على مراحل باستخدام الأدوات والآليات الممكنة والكفيلة بتحقيق الأهداف المرسومة.

(٣) إعادة تشكيل بيئة إقليمية جديدة تستوعب المشروع الصهيوني وتدمجه فيها كفاعل جيوسياسي.

لقد تم تفكيك وتقسيم المنطقة بعد عزل الدولة العثمانية عقب الحرب العالمية الأولى حتى:

(١) تظل منطقة رخوة وهشة ومحدودة التأثير في التفاعلات السياسية وفي مواجهة التطورات والتحولات القادمة.

(٢) تكون قابلة لاستيعاب الترتيبات الإقليمية الجديدة للحفاظ على المصالح العربية واحتواء ومواجهة التهديدات المحتملة فيها.
لقد كان المعوق الاستراتيجي والحقيقي في مخططات الاحتلال الطويلة والمعقدة هو الشعب الفلسطيني، بعزيمته الكبيرة وقدراته المحدودة وليس شيئا آخر

إن هذه الترتيبات الدولية في المنطقة ساهمت في سلاسة ضبطها ضمن سياقات وتطورات محسوبة؛ مهدت الطريق للحركة الصهيونية لترسيخ أقدامها وتمكين مشروعها في حالتي الحرب والسلم على حد سواء، وقد استطاعت "إسرائيل" في الحالتين أن تمضي قدما في مشروعها، وأن تتمدد وتفرض حقائق جديدة على كافة المحاور والجبهات دون معوقات كبيرة.

لقد كان المعوق الاستراتيجي والحقيقي في مخططات الاحتلال الطويلة والمعقدة هو الشعب الفلسطيني، بعزيمته الكبيرة وقدراته المحدودة وليس شيئا آخر.

إن معركة الشيخ جراح هي معركة ضمن سلسلة طويلة من المعارك خاضها الشعب الفلسطيني في محاور وجبهات أخرى كثيرة، وقد عززت هذه المعارك الإدراك السياسي لدى الفلسطيني بأنه هو، وليس أحدا غيره، مركز الثقل السياسي في معركة الاشتباك الاستراتيجي الشامل والدائم مع الاحتلال، بعد أن تعرت المواقف داخل فلسطين وخارجها بصورة واضحة وفاضحة. وقد أدرك أيضا أن القوى الهشة داخليا وخارجيا لن تقف إلى جانبه في ساعة العسرة وأن التعويل عليها هو كمن يحسب السراب ماء، لذلك فإنه تقبل قدره السياسي، واتخذ قراره الاستراتيجي بأن يحافظ على صموده لأطول فترة ممكنة بالوسائل والأدوات المتاحة، حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.
معركة الشيخ جراح هي معركة ضمن سلسلة طويلة من المعارك خاضها الشعب الفلسطيني في محاور وجبهات أخرى كثيرة، وقد عززت هذه المعارك الإدراك السياسي لدى الفلسطيني بأنه هو، وليس أحدا غيره، مركز الثقل السياسي في معركة الاشتباك الاستراتيجي الشامل والدائم مع الاحتلال

إن معركة الشيخ جراح هي نموذج لمنهجية الاحتلال بقضم وابتلاع الحقوق الفلسطينية، وأن الاشتباك الفلسطيني مع الاحتلال هو نموذج لطريقة استجابة الشعب الفلسطيني لهذه المخططات والتهديدات، وأن الصمود في هذه المعركة يحول دون تطور الأمور وتدحرجها بصورة سلبية باتجاه محاور وجبهات أخرى في بنك الأهداف الاستراتيجي للاحتلال؛ الذي لن يتوقف قبل أن ينجز هدفه بدولة يهودية على كامل التراب الوطني الفلسطيني من النهر إلى البحر، ثم التصرف بالفلسطينيين بالتنسيق مع القوى الإقليمية التي تحللت بصورة منهجية من مساندة ودعم الشعب الفلسطيني لاستعادة حقوقه السياسية والوطنية.

لقد كان قدر هذا الشعب الفلسطيني الجبار أن يعيش المفارقة في أقسى وأبشع صورها:

(١) أن ينفض أهله وأشقاءه من حوله.

(٢) أن ينتفض هو في المعركة وحيدا وبصدر عار، وأن يتحمل هو مسؤولية مواجهة آلة الاحتلال القمعية والمتفوقة دفاعا عن حقوقه ومقدساته، وعن شرف الأمة دون تسويف أو انتظار.
إذا لم يتآزر الفاعلون، أو ما تبقى من الفاعلين سواء كانوا دولا أو مجموعات وشعوب وبمقدمتهم الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، فإن مصير هذا الشعب سوف يكون محسوما، ولن يدفع وحده الثمن بل سيكون الثمن استراتيجيا تدفعه المنطقة

وقد كان قدر الشعوب العربية والإسلامية أن تتعاطف مع هذا الشعب دون أن تكون قادرة على فعل ما يعزز صموده غير الدعاء والمشاعر الصادقة، ولكن هذه المعركة ليست مشاهد تمثيلية في فيلم أو مسلسل درامي تتفاعل فيه المشاعر مع الأحداث والمواقف، بل هي معركة حقيقة، ساخنة وحثيثة وشاملة يشترك فيها: الإنسان والهوية والحق تنصهر وتتفاعل في بوتقة واحدة. وفي سياق هكذا معركة فإن الدعاء والمشاعر الصادقة وحدهما لا يكفيان لدعم صمود الشعب الفلسطيني. وفي ذات الوقت فإن قدرة الشعب الفلسطيني على الصمود ليست مفتوحة ولا مطلقة ولا متاحة في كل الأحوال، وإن هناك درجة من تحمل مسؤوليات الاشتباك الاستراتيجي والتأثير في التطورات الأمر الذي يعني أنه لا بد من البحث في آليات جديدة وإبداعية تعزز قدرة الشعب الفلسطيني على الصمود، علاوة على الاشتباك الاستراتيجي مع الاحتلال في معركة غير متكافئة من جهة، وبتواطؤ من الأهل والأشقاء مع الاحتلال من جهة أخرى، وتحويل القضية الفلسطينية من قضية مركزية للأمتين العربية والإسلامية إلى عبء كبير وصداع مؤلم عليهما؛ يجب التخلص منه بالقتل المتوحش أو بالتجاهل من جهة ثالثة.

إذا لم يتآزر الفاعلون، أو ما تبقى من الفاعلين سواء كانوا دولا أو مجموعات وشعوب وبمقدمتهم الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، فإن مصير هذا الشعب سوف يكون محسوما، ولن يدفع وحده الثمن بل سيكون الثمن استراتيجيا تدفعه المنطقة برمتها.
التعليقات (0)