هل يجبر "الخط الأحمر" للسيسي إثيوبيا على حل أزمة النيل؟

في تغير لافت بخطاب رئيس الانقلاب المصري عبد الفتاح السيسي، إزاء ملف مياه النيل، أعلن الثلاثاء، عن ما أسماه "الخط الأحمر" لمواجهة التعنت الإثيوبي في الملف الأخطر على حياة المصريين، واستخدم لأول مرة لغة التهديد.

ورغم أن خطاب السيسي، المعتاد كان يحمل في طياته كثيرا من الهدوء والتأكيد على ضرورة السعي للتوصل إلى اتفاق قانوني ملزم ينظم عملية ملء وتشغيل سد النهضة؛ إلا أنه أطلق عدة تصريحات غير مسبوقة خلال مؤتمر له أمام قناة السويس المصرية.

السيسي، في خطاب موجه لإثيوبيا دون التصريح باسمها حذّر من المساس بمياه مصر، وقال: "نحن لا نهدد أحدا ولكن لا يستطيع أحد أخذ نقطة مياه من مصر، وإلا ستشهد المنطقة حالة عدم استقرار لا يتخيلها أحد ومن يريد أن يجرب فليتفضل، ومحدش يتصور إنه يقدر يبقى بعيد عن قدرتنا"، بحسب تعبيره.

وأكد أن "المساس بحقنا في المياه خط أحمر"، مشيرا إلى أن "الأعمال العدائية تمتد تأثيراتها لسنوات طويلة"، قائلا: "إننا نسعى للحصول على حقنا في مياه النيل لا أكثر"، ملمحا لوجود "تحرك إضافي خلال الأسابيع المقبلة عبر المفاوضات".

تصريحات السيسي تأتي بعد حديث المتحدث الرسمي باسم الخارجية الإثيوبية دينا مفتي، الثلاثاء، أن بلاده أبلغت المبعوث الأمريكي للسودان، دونالد بوث، بمضي إثيوبيا في عملية الملء الثاني للسد الإثيوبي.

"عربي21"، تحدثت إلى سياسيين وخبراء ومحللين حول دلالات حديث السيسي الموجه لأول مرة ضد إثيوبيا وعلى غير العادة، وأسباب تغيير لهجته من الاستجداء الدائم لأديس أبابا إلى لغة التهديد، وأيضا مدى نجاح خطه الأحمر في تحقيق مطالب مصر بأزمة المياه.

"حصة كاملة أو الحرب"

وفي رؤيته يعتقد السياسي المصري مجدي حمدان، أن "هناك ضيقا وضجرا من التصريحات المستمرة للمسؤولين الإثيوبيين، وأن السيسي وضعت أمامه كل تلك التصريحات، وكانت مشورة الجهاز المعاون بالرد وبقوة".

القيادي السابق بجبهة الإنقاذ، أكد بحديثه لـ"عربي21"، أن التغير الحادث في لهجة خطاب السيسي، يأتي في ظل اهتمام "قنوات المعارضة بالخارج بمشكلة السد، ومتابعة توقيت بدء الملء، ما استوجب الرد".

ولفت إلى أمر ثالث، قائلا: "يبدو أن الأجهزة المتابعة لوسائل التواصل الاجتماعي استشعرت الغضب الجماهيري العارم من الموالاة قبل المعارضة بهذا الخصوص"، مستدركا بأن "الأمر الأكثر ترجيحا أن مصر وصلت لحالة من القلق تجاه هذا الملف، وأن هناك جدية من إثيوبيا للاستمرار متجاهلة كل الأطراف".

اقرأ أيضا: السيسي يعلق على انتهاء أزمة السفينة ويحذر من المساس بالمياه

ويعتقد الكاتب والمحلل السياسي أن "رد الفعل الإثيوبي سيتوجه إلى امتصاص الغضب المصري والجلوس على الطاولة مرة أخرى؛ في محاولة للتهدئة رغم أن الفكر الإثيوبي عكس ذلك، ما سيتوجب الصدام المحتوم".

حمدان، ختم حديثه بالقول إن "السيسي، بعد تصريحات اليوم لم يجعل للتراجع سبيلا؛ إما التفاوض وحصة مصر كاملة، أو إعلان الحرب وضرب السد، وهو ما أكد عليه حينما أشار إلى تغيرات بالمنطقة".

"نفذ رصيد التفاوض"

رئيس قسم السياسة والاقتصاد، بمعهد البحوث والدراسات الأفريقية الدكتور جمال ضلع، قال إنه "من الضروري للغاية أن تتغير لغة التخاطب والحوار مع إثيوبيا، وبالتالي فإن رد فعل السيسي منطقي، ويتناسب مع أهمية وخطورة الأمر، ويعبر عن موقف كل مصري".

الأكاديمي المصري، أكد لـ"عربي21"، أن "الإثيوبيين أساؤوا فهم ردود الفعل المصرية السنوات الماضية، والتي اتسمت بأعلى درجات الحكمة وضبط النفس، وتفضيل الوسائل السلمية، والالتزام بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية وقواعد القانون الدولي، وتفضيل الحوار والتفاوض الدولي؛ لكن دون جدوى".

وأوضح أنه "بدا للعالم أن مصر أمام تهديد لأمنها ووجودها واستقرارها ومصالحها، وأنها مدعومة من شعبها لتوظيف قدراتها بمواجهة الصلف والغرور والعدوان الإثيوبي، وبما يتفق مع قواعد القانون الدولي التي تبيح لمصر حق الدفاع عن النفس، بشتى الوسائل بما فيها العسكرية".

وجزم بأن "على إثيوبيا أن تعي رسالة السيسي، وتدرك أن رصيد التفاهم والتفاوض قد نفد، وأن هناك مرحلة مختلفة ستكون الحاسمة لتسوية مشكلة السد".

"ثلاثة رسائل"

أكاديمي مصري متخصص في الشؤون الأفريقية، يعتقد أن "التصعيد المصري يهدف عدة رسائل، أهمها: استثمار تصاعد المشاعر الوطنية المصاحبة لتعويم السفينة البنمية الجانحة بقناة السويس، وحشد الرأي العام خلفه بالقضية ذات الإجماع الوطني".

خبير الشؤون الأفريقية الذي رفض ذكر اسمه بحديثه لـ"عربي21"، ذهب لأبعد من ذلك، موضحا أن الرسالة الثانية هي للقوى الإقليمية، ومفادها أنه يصعب تجاوز النظام في أي ترتيبات بديلة (للقناة) وأنه لا بد من مراعاة مصالحه الخاصة والعامة بأي من هذه الترتيبات".

وأشار ثالثا، إلى رسالة مهمة مفادها "زيادة الضغط على دول الجوار القريب (السودان)، والبعيد (إثيوبيا، والخليج ومن وراءهم)، بما يساند المفاوض المصري أو يدفع ناحية الوصول لاتفاق أو وفاق يحفظ ماء وجه كل الأطراف أمام شعوبهم بالداخل وحلفائهم وخصومهم بالخارج".

اقرأ أيضا: دول خليجية تعلن دعمها للقاهرة والخرطوم بملف سد النهضة

وجزم بأن "الحرب ليست خيارا سهلا ولن تكون دون تنسيق كامل مع السودان وهو أمر غير مضمون؛ وأقصى ما يمكن هو ضربة تكتيكية مباغتة جوية أو أرضية، ونجاحها أيضا غير مضمون".

وخلص إلى القول: "لذا فإن كل الطرق تشير إلى أنه سيستمر بالتفاوض، والتوصل لتسوية بشكل أو آخر لنقاط الخلاف في الأمتار الأخيرة؛ رغم ما قد تشهده الأيام القادمة من تصاعد لغة التراشق بين أطراف الأزمة، وسيكون لكل طرف ما يمكنه من ادعاء النصر أمام أنصاره".

"لن تسمح بالملء"

الباحث المصري محمد حامد، أكد أن "تصريحات السيسي تدل على أن مصر فاض بها الكيل من التسويف الإثيوبي ومن المماطلة وإضاعة الوقت، وأنه لا مجال للمفاوضات بلا نهاية، وضرورة إرجاء عملية الملء الثاني، أو التوقيع قبل حدوثه؛ وإلا فالقاهرة ستنشد الحرب لانتزاع حقوقها المائية التاريخية".

مدير منتدى شرق المتوسط للدراسات، أضاف لـ"عربي21"، أنها كذلك "رسالة للخارج قبل الداخل، بأن مصر دولة مؤثرة في الإقليم، ولن تسمح بالعبث بأمنها وخاصة المائي، وأن جيشها قوي ومصنف رقم 12 عالميا، وسيرد بقوة أي تهديد للأمن المائي".

وأكد أن "تلك التصريحات تأتي بمواجهة التعنت الإثيوبي، وإبلاغهم المبعوث الأمريكي الخاص بملف سد النهضة وشرق أفريقيا الثلاثاء، عزمهم على الملء الثاني، ولذا فقد تلقفت القاهرة الأمر وخرجت التصريحات من أعلى مستوى".

وألمح إلى أن "وزيرا خارجية السودان ومصر مريم الصادق، وسامح شكري، أكدا قبل أسابيع أن الملء الثاني يهدد الأمن القومي المصري والسوداني، وأن زيارة السيسي للسودان وزيارة عبدالله حمدوك لمصر، جميعها إشارات بأنه لا تهاون ولا مجال للعبث"، وفق تقديره.