(ملاحظة: هذا المقال غير مناسب لمن يرون وباء كورونا مؤامرة أو لا يؤمنون بالبيانات العلمية الصادرة عن منظمة الصحة العالمية).
تسمح جهات صحية ومن ضمنها منظمة الصحة العالمية بفتح دور العبادة -ومنها
المساجد- في ظل جائحة كورونا، إذا تحققت بها المعايير التالية:
1. توفير
إجراءات الوقاية والتعقيم عند الدخول.
2. استخدام كل مصل سجادة خاصة به.
3. الالتزام بارتداء الكمامة الواقية داخل المسجد.
4. إبقاء المرافق الصحية ودورات المياه مغلقة.
5. تحقيق التباعد لمسافة لا تقل عن مترين بين كل مصل وآخر.
6. توفير تهوية طبيعية بفتح النوافذ في المكان وعدم تشغيل أجهزة التكييف.
وهنا تكمن الصعوبة -في النقطة السادسة تحديدا- خصوصا في الدول الحارة أو شديدة البرودة. ولدي قصة شخصية في هذا السياق حدثت معي قبل أيام، حيث عاد ابني ذو العشر سنوات من مدرسته في لندن وهو مصاب بالبرد؛ بسبب إبقاء النوافذ داخل قاعة التدريس مفتوحة بعد العودة للتعليم الوجاهي، ما تسبب للطفل بنزلة برد، وعندما اعترضت على ذلك أخبرتني إدارة المدرسة أن هذا أحد شروط العودة للمدارس، ويمكنني مستقبلا العناية بارتداء ابني لملابس أثقل لوقايته، ولكن لا مجال أبدا لإغلاق النوافذ!
هذا التعامل الصارم مع التعليمات في أماكن التجمعات مهم لتلافي حدوث العدوى وازدياد معدلات الإصابة، بينما تتخبط كثير من الدول بإجراءاتها. وللموضوعية هذه الجائحة أربكت تدابير كبرى دول العالم، وأرعبت قطاعاتها الصحية، فضلا عن إضرارها بالمرافق العامة والاقتصاد.
التعامل الصارم مع التعليمات في أماكن التجمعات مهم لتلافي حدوث العدوى وازدياد معدلات الإصابة، بينما تتخبط كثير من الدول بإجراءاتها
وبالعودة لموضوع المساجد أجد من الواجب أن نضع باعتبارنا الأمور التالية:
1. منظمة الصحة العالمية -كمرجع صحي أممي- لم توص بإغلاق دور العبادة، وإنما طلبت تنظيم استخدامها بشأن عوامل التعقيم والوقاية والتباعد والكمامات (الحَرَمَان المكي والمدني نموذجا).
2. نحو 26 كنيسة في أسكتلندا انتزعت قرارا من المحكمة بفتح دور العبادة، وعدم أهلية الداخلية لاتخاذ قرار بإغلاقها.
3. قرارات الإغلاق أو تقييد استخدام دور العبادة وأماكن التجمعات عالميا ليست مرتبطة بالمسلمين وحدهم، ولا تخص دور العبادة فقط.
4. فكرة حظر التجول ليوم كامل أو عدة أيام، المطبّقة في بعض دولنا العربية والإسلامية، غير موجودة في معظم دول العالم.
5. اتهام الحكومات بالتآمر على المساجد فيه مبالغة، حيث إنها ليست وحدها المغلقة، فالحال كذلك مع المدارس والجامعات.
6. مقارنة المساجد بالأسواق غير منطقية، فالصلاة يمكن أداؤها فرادى وجماعات داخل البيوت، بينما المحلات التجارية مهمة لقوت الناس.
7. السلطات في الأردن -على سبيل المثال- تسمح بأداء صلاة الجمعة في المساجد، وهي الصلاة الوحيدة التي لا يمكن أداؤها في البيوت.
8. بالأمس القريب، وبعد بيان علماء الإخوان في الأردن، ورسالة عدد من علماء الشريعة للملك بشأن موضوع فتح المساجد في رمضان، صدر قرار للرئيس التركي أردوغان بتشديد إجراءات الحظر، ومنع تجمعات الإفطار في رمضان، الأمر الذي قد ينسحب على سنّة صلاة التراويح، فهل يمكن اعتبار ذلك أيضا مؤامرة على الإسلام والمسلمين؟
انعدام الثقة في الحكومات هو الأساس في هذه القضية، وما يحدث من جدل حولها هو عرَض للمشكلة وليس مناقشة لأصل المرض فيها، والقائم على ديكتاتورية السلطة في بلادنا
9. انعدام الثقة في الحكومات هو الأساس في هذه القضية، وما يحدث من جدل حولها هو عرَض للمشكلة، وليس مناقشة لأصل المرض فيها، والقائم على ديكتاتورية السلطة في بلادنا وعدم اختيار الحكومات من قبل الناس، ناهيك عن الممارسة اليومية للفساد، والاستثناءات الكثيرة للمتنفذين باسم السلطة (تم إجراء سباق سيارات "رالي" في إحدى مناطق الأردن السياحية، رغم سريان قانون حظر التجول يوم الجمعة).
الخلاصة
إن كانت هناك معركة سياسية وإعلامية يمكن أن تتم مع الحكومات حول إجراءات الوقاية من كورونا، فهي معركة من شقين؛ الأول قديم جديد بشأن طريقة اختيار الحكومات، وضرورة وجود حكومات منتخبة بشكل حقيقي من قبل الشعب، ليثق بها ويحترم قراراتها، والثاني حول إجراءات مكافحة الوباء بصفة عامة، بحيث تتواصل المعارضة، وفي مقدمتها الحركة الإسلامية، مع الكفاءات الطبية والإدارية الموجودة لديها، وتقيم الحجة على السلطة بخطة بديلة للتعامل مع التفشي الخطير للوباء، على أن تشمل الخطة كل مرافق الحياة، بما فيها الجامعات والمساجد.
ولكن ذلك بطبيعة الحال لا يبرر تقصير الحكومات التي صعدت إلى أعلى الشجرة منذ بدء الجائحة ولم تحسن النزول، فلا هي قلّدت أي بلد غربي متقدم في هذا المضمار (نيوزلندا مثلا في مجال إجراءات الحد من الوباء، وبريطانيا مثلا في مجال توفير اللقاح وإجراءات العودة للحياة الطبيعية)، ولا قدّمت نموذجا يحتذى بهذا المضمار؛ بل سلّمت رقبتها للمؤسسة العسكرية، وكأنّ كورونا مجرم فار من وجه العدالة تسعى أجهزة الأمن للقبض عليه حيا أو ميتا.