قضايا وآراء

في وداع منذر الزميلي

عدنان حميدان
1300x600
1300x600
في وداعك أخي وأستاذي منذر الزميلي وأنت تغادرنا إلى الدار الآخرة، أستذكر كل حرف علمتني إياه فيما ينتظر المتوفى من خير عند ربه سبحانه وتعالى، خصوصا إن كان صاحب سيرة طيبة وسريرة نقية كسريرتك وورع وتقوى وحسن أداء للأمانة مثلك.

أسأل الله تعالى أن يوسّع لك في قبرك ويريك مقعدك من الجنة مع الأنبياء والصديقين والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

كان غيرك يؤلف الكتب وكنت تؤلف الرجال وتتعهد الشباب وتهتم بالنشء الصاعد وتقدم من جهدك ومالك ووقتك في رعاية العمل الكشفي أردنيًا وعربيا وإسلاميًا وتبوّأت عن استحقاق موقع رئاسة اللجنة الكشفية العربية ومواقع أخرى مختلفة فضلا عن ارتقائك بجمعية العروة الوثقى في الأردن حتى غدت بسنوات قليلة أيقونة في العمل الخيري والتنمية المجتمعية محليا.

وفِي جلساتك تذكّر من حولك بالله عز وجل وتحلّق بهم بأسلوبك الراقي ونظرتك الثاقبة في معاني القرآن الكريم وتدبر آياته وسبر لطائفه واستنباط دلالاته، و قد كان لي شرف استضافة انطلاقة مجلس الثلاثاء القرآني تحت إدارتك وتوجيهك وتفسيرك منذ عام 2008 والذي لم يزل قائما حتى فترة قريبة من فرض قيود هذا الوباء الذي أفقدنا كثيرا من أحبابنا وعلى رأسهم الأستاذ الغالي أبو الحباب.

لا زلت أذكر مقولتك الشهيرة: إذا ربنا سبحانه وتعالى أعطاك مفتاحا فلا تتركه ولا تتخلى عنه ولكن إذا نازعك الناس عليه لا تكسره وأعطهم إياه؛ وكم فيها من حكمة وعبرة في عدم التكالب على المناصب مع عدم التخلي عن خدمة الناس والنهوض بالواجب لأجلهم.

ولا يغيب عن ذاكرتي قلم الرصاص الدقيق الذي تسجل به حسابات الأمانات والأموال التي تديرها وتحسب كل شيء بها بالقرش والفلس، بينما يدك مبسوطة في البذل والعطاء بالخير.

من يتعامل معك عن بعد يهابك، ومن يقترب منك يحبك وكلما ازداد قربا منك ازداد محبة لك وهذه صفة نادرة لا يحملها كثير من الناس، كم كان يعجبني حرصك على جبر الخواطر وطلب السماح ممن تشعر أنك أخطأت بحقهم.

كم مرة يحدث أن تغضب مني لسبب أو آخر ثم لا يرتاح لك بال إلا إذا اتصلت هاتفيا تعتذر وتتأكد من سلامة الصدر نحوك، ما أرقاك وما أزكى هذا الخلق لديك رحمك الله.

كان البعض يقول له في عملنا التطوعي والكشفي احذر فلانا فهو مخبر، وكان جوابه الدائم ودون تردد أتمنى أن يكون كذلك شريطة أن يكون صادقا، حتى ينقل لهم حقيقة ما نقوم به من تربية للشباب وعناية بهم فيما يعزز انتماءهم لوطنهم ودينهم وأمتهم.

يُختبر الرجال بالسفر والمال وقد اختبرت أبا الحباب فيهما فما وجدته إلا مثالا للتواضع والزهد مع أنه ابن عائلة ثرية وما وجدته إلا مثالا للأمانة والنزاهة والدقة المتناهية في الحفاظ على المال العام والسخاء والكرم في ماله الخاص.

أذكر مرة سافرنا برحلة كشفية بحافلة مدرسية برا من الأردن إلى ليبيا وعلى نقطة الحدود المصرية قبل دخول ليبيا، ابتدع حرس الحدود هناك حيلة ذكية لتلقي الرشى حيث يطلبون زجاجات ماء للشرب وأنت حينها تضطر لشرائها من المحل الوحيد هناك ثم تقدمها لهم ولكن مشرف رحلتنا في حينه أبو الحباب منذر الزميلي رفض مجاراتهم في هذه الحيلة وقال لهم نحن لا ندفع الرشاوى مهما كانت، وهم بناء على ذلك قاموا بتعطيلنا وبتنا ليلة كاملة على الحدود حتى يئسوا منا ثم سمحوا لنا بالمغادرة دون دفع تلك الرشوة.

كان نموذجا للرجل المؤمن المنظم الدقيق الذي يراقب الله في سرّه وعلنه، وكانت له أياد بيضاء بأوجه كثيرة في الخير بمختلف المجالات، وما صندوق وقف حياة عن ذلك ببعيد، حيث طوّر فكرة إنشاء صندوق وقفي بأسهم محددة يموّل فيها المحسنون مشروع هذه الإذاعة المباركة ويحافظون على ديمومتها، وقد كان، وهو أيضا صاحب بصمة واضحة في تأسيس صندوق حياة للتعليم لمساعدة الطلبة في إتمام دراستهم الجامعية المكلفة في الأردن، وفي السنوات الأخيرة أصّل لمدارس الرضوان الخاصة في الأردن منهجية واضحة في العمل ورسم لها معايير دقيقة لضبط جودتها وتهذيب رسالتها.

تغادرنا لترتاح بجوار ربك وقد تركت لنا بدلا من الأثر الواحد آثارا من عطائك وبدلا من الصدقة الجارية الواحدة صدقات لا حصر لها، فأنعم وأكرم من إرث.

رحمك الله تعالى رحمة واسعة..

التعليقات (1)
كلمات صادقة وعبارات قوامها الإخلاص
السبت، 27-03-2021 04:26 م
"من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه". ومنهم عدنان حميدان "ينتظر"، نحسبهما كذلك ولا نزكي على الله أحدا.