قضايا وآراء

الشعبوية وإرث الترامبية في العالم العربي

نزار السهلي
1300x600
1300x600
سيكلف الرئيس الخاسر دونالد ترامب حلفاءه الجمهوريين الكثير من بواعث القلق، بعد إثارة الفتنة والتحريض للهجوم على مبنى الكونغرس، معقل "الديمقراطية والتشريع الأمريكي"، وسيرخي بظلاله على تيار الشعبوية الأوروبي المتغذي بنظريات اليمين العنصري عن المؤامرة والعداء للأجانب وكراهية وسائل الإعلام والمؤسسات الديمقراطية، وعلى الديكتاتوريات الحليفة له أو المفضلة لليمين الفاشي.

الانقسام بين الطبقة السياسية من الجمهوريين وناخبيهم، حدث منذ يوم الاقتحام، حيث استنكر العديد من الحزبيين الأحداث، بينما استقال العديد من الدبلوماسيين وكبار المسؤولين في اليوم التالي، رافضين تأييد إدارة ترامب. علاوة على ذلك، لخص ليندسي جراهام، السناتور الجمهوري القوي الذي كان حتى الآن من المؤمنين بالرئيس الخاسر، حيث قال عقب الهجوم: "لقد قطعنا شوطاً طويلاً معاً وترامب، وأنا أكره أن ينتهي بهذا الشكل. لكن لا تعتمد عليّ بعد الآن"، موجهاً حديثه لترامب، فضلا عن موقف زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل المعترف بفوز بادين وأدان بصراحة خطاب وسلوك ترامب.

تبعات الأحداث المتصلة بالهجوم على الكونغرس ستطال خصوصاً على الأحزاب اليمينية الشعبوية في فرنسا وألمانيا وعموم الساحة الأوروبية، التي تبنت خطابا موازيا مع صعود حقبة ترامب لذروة الشعبوية، وما شهدته من التحريض على العنف وحمل السلاح، أو التماهي مع شعبوية خطاب الكراهية للأجانب، والدعم غير الواقعي الذي حظي به اليمين المتطرف، حسب عالم الاجتماع الفرنسي "جان ايف كامو" الذي وصف الشبكة العنكبوتية التي يستخدمها ترامب مع وسائل التواصل مثل تويتر وفيسبوك بأنها "خلقت أتباع الترامبية المستاءين من كل النظام القائم وبأنهم وحدهم الوطنيون المناضلون الذين يستحقون نصراً لاستعادة ما سُرق منهم".

خطاب وسلوك سيكون له صدى واسع في أوساط حزب اليمين العنصري في فرنسا، والذي عبّرت عنه زعيمته ماري لوبان في أكثر من مناسبة، غير أنها في اجتماع الحزب الأخير يوم الخميس الماضي، أي بعد يوم من واقعة الهجوم على الكابيتول، اعترفت بفوز جو بايدن، بعد شهرين ونصف من إجراء الانتخابات، وأدانت الهجوم على مبنى الكونغرس، غير أن القاعدة الحزبية ما زالت تتبنى خطاب سرقة الانتخابات من ترامب.

في ألمانيا لا يختلف الموقف، فبعد إدانة المستشارة الألمانية ميركل لحادثة الهجوم، أصدر حزب البديل اليميني العنصري بيانا اعتبر أن الهجوم على مبنى الكونغرس هجوم على سيادة القانون.

غير أن فكرة المؤامرة والخطاب الشعبوي عن الإسلاموفوبيا والأجانب، ونظرية المؤامرة، تبقى راسخة في برامج أحزاب اليمين العنصري، إلا أن ما جرى يفصح بشكل أو بآخر عن الخطر العميق الذي تمثله هذه الأحزاب على امتحان الديمقراطية ومدى الاستفادة من ظاهرة الشعبوية في تقييم المجتمع، وتقسيمه إلى معتدلين ومتطرفين بعيدا عن أي موضوعية، بل بناء على نظرية وصائية كانت الحقبة الترامبية "خير" منظّرٍ لها طيلة أربع سنوات من حكمه.

مرت أربع سنوات، منذ أن أشعل ترامب النار بخطابه العنصري والأناني المتحيز للجنس وكراهية الأجانب، حتى أنه كان يدافع عن الأقوى وينتقد أي شيء لا يخدم مصالحه بشكل مباشر. بالطبع ترامب ديكتاتور طموح، وقد رأينا إعجابه بديكتاتور عربي بشكل سخيف وبمحتل إسرائيلي يمارس الأسس الروحية للعنصرية والفاشية. وكان قادراً على الذهاب إلى أبعد ما تسمح به وسائله (المحدودة لحسن الحظ) لممارسة عنصرية على زعماء عرب بطريقة استعلائية، ظناً أن الترامبية حالة أبدية يحلمون بالاستظلال فيها من مخاطر الديمقراطية والحرية، فكان أسوأ جواب قدمه حلفاء الشعبوية الترامبية من العرب؛ الهرولة خلف التصهين ليكسب ترامب جولة ثانية من الانتخابات ويكسبون أبدية قمع مجتمعاتهم.

عربياً، تخسر الشعبوية العربية ملهمها في الانقلاب على الثورات والديمقراطية، لذلك يغيب التعليق على شأن ليس بمقدور الحكومات العربية التعقيب عليه، لا من الخشية على الديمقراطية، ولا التنديد بخطاب الكراهية والتحريض على العنف، لأنه ببساطة هو ديدن الحكم المعتمد أساساً على قيادة المجتمعات العربية بقمع وحشي وبخطاب موازٍ لشعبوية خطيرة للغاية تمثلت بالتماهي مع خطاب "الإسلاموفوبيا"، وترهيب وحظر حركات إسلامية وأحزاب سياسية ومدنية، وملاحقة مفكرين وصحفيين وعلماء ونشطاء. لذلك يميل بعض زعماء الشعبوية العربية إلى بناء أسطورة تفيد بأنهم طاهرون وغير أنانيين، بينما أولئك الذين يعارضون أفعالهم هم في الأساس خونة في مراتب القوى المتآمرة والمخابر الغامضة.

نجد مثل هذه الظواهر الشعبوية، ليس فقط في أنظمة الحكم، بل في أحزاب عربية تقدس وتؤله زعماءها، من خلال ادعاء شكل من أشكال النقاء الأخلاقي، على حساب الجدال العقلاني، وعلى حساب قمع الحريات العامة، والمشاركة السياسية وانعدام المؤسسات الديمقراطية، وصولاً لاستخدام قوة الجرائم والتدمير الشامل المغلف بخطاب شعبوي محمي من الترامبية، وسلوك فاشي يبعث السرور في قلب المحتل الإسرائيلي واليمين العنصري.

أخيراً، نرى أن سلوك الترامبية الشعبوي للسلطة، والتفجير في الجمر، وجد حدوده أمام السلطة والقضاء والمؤسسات الديمقراطية، بينما تستمر الشعبوية العربية في الاصطدام بجثث ضحاياها وجدران المدن المحطمة من الاستبداد.

twitter.com/nizar_sahli
التعليقات (0)