قضايا وآراء

ترامب العربي

محمد أمين
1300x600
1300x600
متابعة الدراما الأمريكية التي وصلت ذروتها بدعوة رئيس أمريكي ما زال في منصبه للانقلاب، وهجوم رعاعه على مبنى الكونغرس، يوضح إلى أي مدى كان ترامب المنتهية ولايته شبيها بكثير من الحكام العرب، فقد طبق ترامب بشكل حرفي مقولة "يالعّيب يا خرّيب"، العقلية السلطوية المستبدة في العالم العربي والتي تعتقد أن الحكم والدولة هي إرث شخصي لها ولعائلتها، فإما أن يستمر الرئيس في الحكم أو يحرق البلد.

عقلية ترامب العنجهية العنصرية الأنانية التي برزت منذ اليوم الأول وتجلت في آخر أيامه؛ تجعل من السهل تفكيك السر الذي أحاط بعلاقته المتينة مع بعض الحكام العرب، ومدحه لحاكم مصر متغزلا فيه باعتباره دكتاتوره المفضل. فتعيين ترامب زوج ابنته وابنته في مناصب حكومية، هو أمر يشبه معظم التعيينات التي يجريها الحكام العرب، والقائمة على علاقة القرابة والمحسوبية والولاء الشخصي، كما أن إعلاء ترامب من مصالحه الشخصية وصفقاته التجارية على مصالح البلد هي صفة أخرى يتقاطع فيها مع كثير من الحكام العرب.
ما قام به ترامب مِن ممارسات رديئة وغوغائية تعكس سر انسجامه مع بعض القادة في منطقتنا، ورحيله بهذا الشكل مهزوما مدانا مذموما، يبشر بأن التهريج والكذب والبلطجة حبلها قصير مهما طال

وإذا أضفنا لكل ذلك احتقاره للمؤسسات واتخاذ قرارات فردية متجاوزا نصائحها، وامتهانه لحقوق الانسان والالتزامات والمواثيق الدولية، يجعلك أمام حاكم عربي بامتياز، أذكى الانقسام في بلده، وحرّض شعبا على شعب آخر. وكان مشهد الكونغرس نتيجة طبيعية لكل الممارسات التي انتهجها ترامب منذ دخوله البيت الأبيض عام 2016؛ إلى أن نجح في تحويل الولايات المتحدة الأمريكية ل "جمهورية موز"، وفقا لتوصيف بعض الرؤساء الأمريكيين السابقين.

في المحصلة فإن ما قام به ترامب مِن ممارسات رديئة وغوغائية تعكس سر انسجامه مع بعض القادة في منطقتنا، ورحيله بهذا الشكل مهزوما مدانا مذموما، يبشر بأن التهريج والكذب والبلطجة حبلها قصير مهما طال.

وفي البحث والمقارنة بين ما يجرى في أمريكا وبين العالم العربي، فرغم كل ما تشهده الولايات المتحدة الأمريكية من أحداث، فإنها كدولة مؤسسات ذات نظام ديمقراطي راسخ قادرة على تجاوز هذه الأزمة إذ تملك ميكانيكيات الديمقراطية، ولديها أدواتها في التخلص من تسلل حاكم كترامب لأعلى هرم السلطة وطرده.
الأمريكيون الذين لم يتمكنوا من تحمل دكتاتور كترامب لأربع سنوات، تمكنوا من ازاحته في أول انتخابات، فماذا عن بعض الشعوب العربية التي ترزح تحت حكم نظم مستبدة منذ أربعة أو خمسة عقود؟

الأمريكيون الذين لم يتمكنوا من تحمل دكتاتور كترامب لأربع سنوات، تمكنوا من ازاحته في أول انتخابات، فماذا عن بعض الشعوب العربية التي ترزح تحت حكم نظم مستبدة منذ أربعة أو خمسة عقود؟ فكر بعضها في التخلص منهم عبر ثورات شعبية، ليرد المستبدون بإعلان حرب شعواء أحرقوا فيها الأخضر واليابس، وقذفوا شعوبهم التي خرجت بسلمية للمطالبة بالتغيير بالبراميل الحارقة، والطائرات، وأطلقوا عليها مليشيات طائفية عنصرية بشعة لتنهش فيهم قتلا وتهجيرا، فيما قامت أنظمة عسكرية أخرى بالانقلاب على الديمقراطية وسحل وسجن كل المعارضين الذي ارتكبوا جرما لأنهم وصلوا للسلطة عبر صناديق الاقتراع! أما الممالك فأودعت ناشطيها السجون.

إن العالم العربي في أمسّ الحاجة للديمقراطية، ففيه عشرات الترامبيين من القادة المستبدين النرجسيين العنصريين الذين لا يتورعون عن منكر سياسي فعلوه، الذين أسسوا جيوشا بعقيدة قتالية واحدة قوامها إخضاع الشعوب والاستعداد للانقضاض عليها إذا ثارت؟ هؤلاء الحكام الذين نفض الأمريكيون واحدا منهم بالصناديق، لم يُبقوا في دولنا صناديق للاقتراع لأنهم اختطفوها واختطفوا نتائجها مبكرا، هم صادروا كل شيء، كما أغلقوا كل السبل للتغيير، وأحرقوا الأمل، فيبقى السؤال مشروعا: ما العمل؟
التعليقات (1)
"أيكم أحسن عملا"
الأحد، 10-01-2021 05:07 م
لنقتبس من ثورة الإسلام و نعتبر من قائدها محمد (ص) إذا كان العمل عبادة فإن الثورة كذلك