قضايا وآراء

وحيد حامد بين الإبداع الفني والإقصاء السياسي!!

عصام تليمة
1300x600
1300x600

مات الأستاذ وحيد حامد، وثار حوله الجدل والنقاش، شأن كثيرين من أهل الفن أو السياسة في بلادنا بعد أن جاء الإنقلاب العسكري، ويثار حول من يموت النقاش حول الترحم عليه، أم عدم الترحم، في الجنة أم في النار؟ عدو للإسلام، أم مسلم؟ تلك أسئلة ثارت بعد وفاته، وهي أسئلة أراها في الاتجاه الخطأ في التقييم، وبخاصة لشخص يتعلق عمله وعطاؤه بالإبداع الفني، وبموقفه من الحريات.

في رأيي: قضية الجنة والنار، من المفروغ منه أنها بيد الله سبحانه وتعالى وحده، ولا يملك أحد أن يحكم على أحد بها، وأما الاختلاف حول الترحم عليه أم لا، فهي قضية شخصية، فمن ترحم عليه فقد ترحم بحكم أنه مسلم مات على الإسلام، ومن لم يترحم فهو من باب مواقفه من الظلم، وجنايته، ولا نملك أن نمنع من ترحم، ولا من لم يترحم، فهي كما ذكرت مسألة دائرة بين موقف كل إنسان وقناعته.

وأعتقد أن بعض الإسلاميين، أو بعض المتعاطفين معهم، لم يصيبوا في تقييم الرجل من حيث الفن، وموقفه من المتدينين، وكان الأجدر والأوفق أن يتم تقييمه من حيث الموقف من المثل والقيم التي حاول تقديم فنه وإبداعه بناء عليها، فماذا كان موقف وحيد حامد من الحريات؟ وموقفه من الدماء وحرمتها، وكثيرا ما قدم الإرهابيين في أفلامه بأنهم سفكة للدماء، يصادرون حريات الناس.

 

لم يكن أقل إرهابا واستبدادا

في الحقيقة وحيد حامد لم يكن أقل إرهابا من الإرهابيين الذين قدمهم في أفلامه، ولا أقل استبدادا من المستبدين والإقصائيين الذين انتقدهم في أعماله، بل تفوق عليهم في بعض الأحيان، وهو ما سنذكر له بعض أمثلة عليه.

أما مسألة تقديم المتدين في صورة سيئة في السينما والدراما، فلم ينفرد بها وحيد حامد وحده، ولم يكن البادئ لها، فقد كان البادئ ـ غالبا ـ لها هو الأستاذ عبد الحي أديب، والد الإعلاميين: عمرو وعماد الدين أديب، فقد ركز في بعض أفلامه على هذه الصورة المشوهة والمشيطنة للمتدين، بدأها بفليمه: (امرأة في الطريق)، حيث قدم نموذج المتدين الذي يتحرش بالنساء، ويريد الزنا بهن، والمسبحة في يده دائما، لا يفتر عن ذكر الله، وهو يمارس هذه الفواحش!! وهو الدور الذي قام به الفنان عبد الغني قمر، بينما جعل المرأة اللعوب أقرب للطهر والجدعنة منه، وهو الدور الذي قدمته الفنانة هدى سلطان.

 

أعتقد أن بعض الإسلاميين، أو بعض المتعاطفين معهم، لم يصيبوا في تقييم الرجل من حيث الفن، وموقفه من المتدينين، وكان الأجدر والأوفق أن يتم تقييمه من حيث الموقف من المثل والقيم التي حاول تقديم فنه وإبداعه بناء عليها،

 



ولم يمنع ذلك من أن يقدم عبد الحي أديب فيلم: (سلطان)، وهو فيلم يبين جبروت وإذلال العسكر للمواطن الذي يقوم بتأدية الخدمة في الجيش، ويتحول ذلك إلى عقدة عنده من كل من يرتدي الزي العسكري، تحوله لقاتل ومتعطش للقتل.

حاول بعض المنافحين عن وحيد حامد في مسألة إبداعه الفني، والرد على من هاجمه من الإسلاميين لنظرته لهم في الفن، بأن نسبة ما قدمه عنهم هو قليل جدا مقارنة بغيرهم، لا يصل إلى نسبة 17% من نسبة أعماله وأفلامه، ولا أدري علام يقيس هؤلاء الموقف الإقصائي لوحيد حامد، والتشويه المتعمد بالكذب أو الصدق لصورة المتدين؟!

لو كان المقصود تقديم المتدين المتطرف بوجه عام، فهو كلام يقبل، لو أنه كذلك جاء بالمتدين المسيحي وعرض تطرفه، كما رأينا في فيلم: (بحب السيما)، ولو عرض الإمام حسن البنا كمتطرف من وجهة نظره لقبلنا ذلك، لو عرض في ذات السياق التاريخي متطرف آخر هو البابا شنودة، قام بخطف البابا يوساب الأول، أو احتجاز شنودة للمواطنة وفاء قسطنطين، في عملية تجاوز للقانون علنا، لو تم عرض المتطرف دينيا من هذه الأوجه المختلفة لقبل العرض، فهو يرفض التطرف من كل اتجاه.

ولو أننا تعاملنا مع هذا المنطق بالنسبة والتناسب، لحكمنا على التنظيم الخاص للإخوان المسلمين بأنه بريء جدا، وأن علينا أن ننظر إلى نضاله ضد الإنجليز والصهاينة في فلسطين، هذا إذا قارنا ما قام به في أحداث القتل لمدنيين سياسيين، بهذا التاريخ من النضال، سنحكم عليها بأنها أحداث لا تذكر، فبالنسبة والتناسب ستكون أعمال التنظيم الخاص لا تتعدى أربعة بالمائة!!

هل هذا معيار نقيم به المواقف؟ بالطبع لا، إما أننا نرفض قتل السياسي المخالف، ولو من التنظيم الخاص للإخوان، مهما كان دوره بطوليا في فلسطين، ومع الاحتلال الإنجليزي، فالخطأ خطأ مهما كان من قام به، وإما أن نكون من المبررين بحجة النسبة والتناسب.
 
وهو نفس المعيار الذي نقيم به وحيد حامد، فموقفه من الحريات، والدماء، وتأييد الظالم، موقف لا يغفره له مليون فيلم، ولا مليون إبداع، فرق بين أخطاء وحيد حامد في حق الله، فهذا موكول إلى الله عز وجل، ونسأل الله المغفرة لكل إنسان أخطأ في حق الله، لكن أخطاء الإنسان في حق البشر، وفي حرياتهم، لا يمكن التهاون فيها، إلا إذا عفا أصحابها وأهلها، ولا نعلم أن أحدا من أهلها عفا. 

 

نماذج واقعية

ورأينا نموذجا من ذلك من زوجة أحد الصحفيين ترفض العفو والصفح عن وحيد حامد، وقد كان الكاتب عماد الدين حسين كتب عنه وعن غيره ليفرج عنه السيسي لعذر طبي، فقد كاد الصحفي أن يفقد بصره في السجن، فكتب وحيد حامد يهاجمه، علما بأن الصحفي ليس من الإخوان، ولا محسوب على تجربة الدكتور محمد مرسي، ولكن لأنه سجين في عهد السيسي، فقد رفض وحيد ذلك، وهاجم عماد الدين حسين، وهو ما دونه وكتبه حسين في مقال في جريدة الشروق بعنوان: (جربوا الإفراج عن بعض مسجوني الإخوان)، يدعو فيه للإفراج عن بعض مسجوني الإخوان الذي يثبت أنه بريء، أو مريض مرضا خطيرا، أو طاعن في السن، ودعا إلى تحسين ظروف الباحث الأستاذ هشام جعفر. 

فاتصل وحيد حامد بعماد الدين حسين، يرفض فكرته، ويصر على موقف نظام السيسي من كل المعتقلين في سجونه، وكتب تفاصيل كلام حامد له في مقال في جريدة الشروق، بعنوان: (وحيد حامد وعتاب بشأن الإخوان والمصالحة) بتاريخ: 20 آذار (مارس) 2017م. أي: أن وحيد مصر على الإقصاء، ومصر على مساندة الظلم والبغي من سلطة مجرمة تجاه المعتقلين، رغم أن عماد الدين حسين طالب فقط بتحسين وضع بعض المسجونين في السجن، لم يطالب بالإفراج!!

ولم يكن هذا الموقف موقفا عابرا لوحيد حامد، بل سلوك ممنهج لديه، وهو ما تراه في مداخلة له مع الأستاذ محمود سعد، في برنامج على قناة (النهار) المصرية، موجود على اليوتيوب، بعنوان: مشادة كلامية بين الكاتب وحيد حامد والإعلامي محمود سعد، يدعو فيه وحيد للقبض على الإخوان بالدبابات، ومداخلة كلها لا تنم إلا عن روح إقصائية.

 

الكارثة الحقيقية لوحيد حامد كرجل يزور الحقائق، بحق أناس لا يملكون حق الدفاع عن أنفسهم، فكانت مع الدكتور محمد مرسي رحمه الله، والذي كشف زيفه وتزويره هو المستشار هشام جنينه، وقد بين أن الأوراق التي قدمها وحيد حامد تتهم محمد مرسي بتبديد المال العام، بأنها فواتير مزورة!!

 



من يدافع عن وحيد حامد بدعوى أنه أبدع في الفن، وهاجم الاستبداد الديني والسياسي، ما أمارة ذلك يا قوم؟ الأفلام التي عملها، كلام طيب، لكن لو كانت مواقف الرجل متسقة مع ما قدمه، لا نختلف على أفلامه وما قدمه فيها من مواد تهاجم الاستبداد، لكن ما قيمة أن تكتب ترفض الاستبداد، وعندما تختبر في مواقفك العملية منه، تكون مستبدا مثل المستبدين الذين تهاجمهم تماما وزيادة.

وقد كتب صديقنا الدكتور معتز الخطيب على صفحته على الفيس بوك، موقف وحيد حامد من رفضه أن تعود الفنانة عبير صبري للتمثيل، ما دامت ترتدي الحجاب، وذلك وقت أن ارتدت الحجاب، وحجاب عبير وقتها بالمناسبة هو نفس شكل الحجاب الذي ترتديه السيدة انتصار السيسي وبنات السيسي تماما، فهل وحيد حامد رفض حجاب آل بيت السيسي كما رفضه من عبير صبري؟ بالطبع لا يجرؤ، رغم هجوم عدد من المتدينين لحجاب عبير، يعني بمنطق المدافعين عن وحيد حامد، وقعت عبير بين إقصاء المتشددين من المتدينين، والمتشددين من مدعي التنوير كذلك!! فالنتيجة واحدة بنفس المعيار والمنطق إن وُجد الإنصاف في الحكم.

أما الكارثة الحقيقية لوحيد حامد كرجل يزور الحقائق، بحق أناس لا يملكون حق الدفاع عن أنفسهم، فكانت مع الدكتور محمد مرسي رحمه الله، والذي كشف زيفه وتزويره هو المستشار هشام جنينه، وقد بين أن الأوراق التي قدمها وحيد حامد تتهم محمد مرسي بتبديد المال العام، بأنها فواتير مزورة!! نعم مزورة، وقد كان في غنى عن ذلك، لو أنه تناول أداء محمد مرسي سياسيا، لكنه الغرض المريض، الذي يدفع بعض الناس لتجاوز الحقائق، وقد كان مرسي وقتها في السجن، أي ليس في السلطة، وليس لديه أي وسيلة يدافع بها عن نفسه!!

ليست لدي مشكلة في من يدافعون عن وحيد حامد من حيث فنه وإبداعه، فهذا سياق ومجال متروك لأهله، لكن الأزمة أن نخلط الإبداع بالحقوق والمظالم، وإلا لكان من حق كل داعية وشيخ من شيوخ السلطة قال قولا وعمل بضده، أن تتكلم عن علمه، تاركا تأييده للظلم، وتاركا سلوكياته المشينة، وتاركا ممارسته للظلم والإقصاء، فهل فعل ذلك من دافعوا عن وحيد حامد؟!! 

[email protected]

التعليقات (0)