قضايا وآراء

نهاية عام التطبيع.. فماذا عن "التقطيع"؟

قطب العربي
1300x600
1300x600
انتهى عام 2020 بحلوه ومره، لكن أسوأ ما فيه أنه كان عام التطبيع بامتياز، شهدنا خلاله تهافتا نحو الكيان الصهيوني من دول عربية ليست في حالة اضطرار لذلك، وليس لها حدود مع الكيان، مثل الإمارات والبحرين والسودان وأخيرا المغرب.

بدأ العام بإعلان ترامب عن صفقة القرن في 28 كانون الثاني/ يناير 2020، بحضور رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو وبحضور ثلاثة سفراء عرب هم سفراء الإمارات والبحرين وسلطنة عمان لدى واشنطن، كانت تلك الصفقة أحد المشاريع التي وعد بها ترامب وأراد أن يحقق من خلالها مكسبا سياسيا يساعده في حملته الانتخابية لاحقا، وقد تضمنت حديثا عن دولة فلسطينية هلامية (أرخبيل تربطه جسور وأنفاق وليست أرضا ممتدة عبر التراب الوطني الفلسطيني المحتل)، كما أنها رسخت القدس عاصمة للكيان الصهيوني، ومنحت الضوء الأخضر للكيان لضم غور الأردن ومستوطنات الضفة.

ومع الرفض الفلسطيني الرسمي والرفض الشعبي العربي الواسع لتلك الصفقة، إلا أن إدارة ترامب لم تيأس، وظلت تتحرك نحو تطبيق عملي لها، وقد وجدت ضالتها في حكومات عربية ضعيفة، أو طامحة لدور سياسي أكبر من حجمها، كما هو الحال مع الإمارات التي بدأت موجة التطبيع الجديدة في آب/ أغسطس المنصرم، لتتبعها البحرين بشكل سريع.

لم يبدأ التطبيع الإماراتي في آب/ أغسطس حسب المعلن، ولكنه سبق ذلك بشهور وربما بسنوات وإن بطريقة سرية. ففي 17 كانون الثاني/ يناير 2020 أعلنت إسرائيل عن البدء بتأسيس جناح للمشاركة في معرض إكسبو دبي الذي كان من المفترض أن يُفتتح في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي بحضور إسرائيلي عالي المستوى. وتطورت العلاقات تباعا ليخرج الكثير من السر إلى العلن، وصولا إلى إعلان التطبيع الكامل، ومن قبل ذلك حث الفلسطينيين على قبول صفقة القرن، ومن بعد ذلك حث العديد من الدول العربية والإسلامية على التطبيع مع الكيان الصهيوني، والتي كانت منها دعوة باكستان لهذا التطبيع وهو ما رفضته علنا إسلام أباد، لكنه على كل حال يوضح أن الإمارات تتعامل الآن كسمسار تطبيع في المنطقة، وهو الدور الذي رسمته لنفسها والذي تظن أن سيمكنها من تحقيق بقية أجندتها التخريبية في المنطقة.
موجة التطبيع الأخيرة التي انطلقت منذ آب/ أغسطس الماضي ليس لها مبررات موضوعية، ولكن الحكومات الضعيفة في دول هذه الموجة رضخت لضغوط أمريكية قوية لدعم ترامب في حملته الانتخابية

موجة التطبيع الأخيرة التي انطلقت منذ آب/ أغسطس الماضي ليس لها مبررات موضوعية، ولكن الحكومات الضعيفة في دول هذه الموجة رضخت لضغوط أمريكية قوية لدعم ترامب في حملته الانتخابية (والحمد لله أنها لم تفده شيئا)، وقبلت ببعض الفتات الذي عرضه عليها ترامب مقابل التطبيع مع الكيان.

فالسودان حصل على قرار أمريكي برفع اسمه من قائمة الإرهاب، وهو أمر كان سيتم حتما بعد أن زالت أسبابه، وإن تأخر عدة أسابيع حتى يصل الرئيس الجديد بايدن إلى البيت الأبيض، لكن جنرالات السودان وجدوها فرصة للحصول على دعم أمريكي صهيوني لهم يقوي كفتهم في مواجهة شركائهم المدنيين في السلطة. ولذا فقد سارع الفريق البرهان لمقابلة نتنياهو في عنتيبي في 3 شباط/ فبراير الماضي إبان احتدام الخلاف السياسي مع قوى الحرية والتغيير.

أما المغرب الذي يبعد آلاف الأميال عن فلسطين المحتلة، والذي يتولى ملكه رئاسة لجنة القدس، فإنه سارع للتطبيع نظير تعهد أمريكي بدعمه في قضية الصحراء، وهو تعهد مؤقت من إدارة ترامب ليس ملزما لإدارة بايدن، فكما وقعه ترامب "بجرة قلم" يمكن أن يلغيه بايدن "بجرة قلم".

أما البحرين فلم تحصل على شيء نظير تطبيعها سوى ترويجها كوجهة سياحية وكملاذ مالي آمن لغسيل الأموال.

تتبقى من الدول العربية المتوقع التحاقها بقطار التطبيع المملكة العربية السعودية؛ التي حامت حول الحمى لكنها تخشى حتى اللحظة الوقوع الكامل في المحظور، صحيح أنها عبر قيادتها الجديدة الممثلة في الأمير محمد بن سلمان قدمت الكثير من الخطوات على طريق التطبيع، لكنها تفضل التريث ومتابعة تطورات دخول غيرها من الدول في حظيرة التطبيع وردود الفعل المختلفة، وربما تنهي ترددها خلال الأسابيع أو الشهور القليلة المقبلة بعد تحديد مصير المصالحة الخليجية من ناحية، وبعد وصول بايدن إلى البيت الأبيض من ناحية أخرى.
تفضل السعودية التريث ومتابعة تطورات دخول غيرها من الدول في حظيرة التطبيع وردود الفعل المختلفة، وربما تنهي ترددها خلال الأسابيع أو الشهور القليلة المقبلة بعد تحديد مصير المصالحة الخليجية من ناحية، وبعد وصول بايدن إلى البيت الأبيض من ناحية أخرى

كما أن من الدول المرشحة للدخول في حظيرة التطبيع دولة اليمن الجنوبي حال انفصالها عن اليمن الشمالي، بحكم هيمنة الإمارات عليها.

وسط ظلمة الانكسار الرسمي العربي والانبطاح أمام الكيان الصهيوني هناك شموع تضيء للمقاومة الشعبية في كل مكان. فعقب إعلان المغرب عن توقيع اتفاقية التطبيع خرجت مظاهرات للشعب المغربي تندد بذلك، واجهتها الشرطة بخشونة، كما أصدرت العديد من الأحزاب والجماعات المغربية بيانات تنديد بذلك (يستثنى طبعا حزب العدالة وشركاؤه في الحكم من أحزاب القصر "المخزن")، وهذا الموقف ليس غريبا على الشعب المغربي الذي صدح طوال السنوات الماضية بالهتافات الداعمة للقضية الفلسطينية. كما خرج السودانيون للتظاهر ضد مساعي التطبيع مع الكيان الصهيوني.

وإذا كانت مصر هي أكبر وأول دولة عربية تفتح الباب للتطبيع، فإن شعبها ظل رافضا لهذا التطبيع بكل قوة رغم مضي 42 عاما على توقيع معاهدة كامب ديفيد ومعاهدة السلام، وقد كانت انتفاضته ذات دلالة ضد الفنان محمد رمضان الذي تفاخر بنشر صورة له مع ممثل إسرائيلي. وهو الموقف الذي يتكرر في الأردن الذي وقع في العام 1994 اتفاقية وادي عربة، وتكرر في البحرين أيضا وسيتكرر في أي دولة تدخل حظيرة التطبيع، ولا يستثنى من ذلك سوى الإمارات التي لا تسمح بأي نوع من التعبير عن الرأي لمواطنيها الرافضين بطبعهم لهذا التطبيع.

توقفت إسرائيل مؤقتا عن خطتها لضم غور الأردن وأراضي مستوطنات الضفة الغربية لتسهيل دخول دول عربية جديدة إلى بيت الطاعة الصهيوني، ولكنها لم تلغ هذا القرار لتقطيع أوصال الضفة الغربية، وهو ما يحتاجه بشدة رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو في الانتخابات المقبلة.

twitter.com/kotbelaraby
التعليقات (0)