هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في السنوات العشر الأخيرة
دئبت على أن أقضي نهاية العام في فلسطين المحتلة لأتابع عن كثب آخر التطورات
والمستجدات في الأرض الطيبة، التي تتعرض للنهب والاقتلاع والتهجير والتدمير
الممنهج، وأتعرف عن قرب على أوجاع الناس وهمومهم ومعاناتهم تحت سنديان الاحتلال،
ومطرقة السلطتين الفلسطينيتين. كما تعودت أن أكتب مقالا أراجع فيه أهم التطورات في
العام الآفل، لعلنا نأخذ من حوادثه وتطوراته عبرة أو عبرتين، لعام على وشك
الانبلاج. في نهاية عام 2020، لم أتمكن من العودة للوطن، بسبب الإجراءات المشددة
على السفر، ولكنني سأحافظ على تقليد مراجعة العام المنصرم والتوقف عند أهم محطاته.
مشاهد عربية ودولية
قبل أن أدخل في أهم تطورين شهدهما عام 2020
وهما جائحة كورونا، ودخول أربع دول عربية في علاقات طبيعية مع الكيان الصهيوني،
أود أن نستعرض بعض الأحداث الكبرى التي شهدها العام المنصرم، وبدأها باتساع حروب
اليمن والتي شملت احتلال الإمارات المتحدة جزيرة سقطرى ودعم المجلس الانتقالي
الجنوبي الذي يسيطر على عدن وعدد من ولايات الجنوب. كما إن الأزمة الإنسانية في
اليمن تفاقمت، حتى تم تصنيفها من قبل الأمم المتحدة على أنها أكبر مأساة إنسانية
في الوقت الحاضر. فعدا عن الحروب والنزوح والضحايا والأوبئة والتشرد، فهناك نحو
80% من الشعب اليمني بحاجة إلى معونة غذائية.
عدد سكان اليمن الآن يصل إلى نحو 30
مليونا منهم 24 مليونا يحتاجون إلى نوع ما من المساعدة الإنسانية، من بينهم 60% لا
يستطيعون توفير الطعام لأنفسهم. إنها قنبلة موقوتة، كما قال المتحدث باسم برنامج
الأغذية العالمي. هذه المأساة يسأل عنها أولا من شنوا عواصف الحزم لتخليص الشعب
اليمني من هيمنة الحوثيين المدعومين من إيران، وانتهت بهم الحملة إلى تدمير اليمن
نفسه وتفكيكه، وضرب مكونات الشعب اليمني بعضه ببعض، حتى لا تقوم له قائمة لسنين
طويلة. لكن السحر انقلب على الساحر، حيث تقف دول الحزم عاجزة عن وقف الصواريخ
الحوثية والطائرات المسيرة، التي تقصف المدن والمطارات والمنشآت النفطية في
أراضيها.
* المسألة الليبية شهدت تطورات مهمة جدا خلال
عام 2020. فقد بدأت السنة وقوات الجنرال المتعطش للسلطة، خليفة حفتر، تدق العاصمة
طرابلس ومطار معيتقة والميناء وتسيطر على أجزاء كبيرة من المناطق الغربية. وفشلت
كل محاولات وقف إطلاق النار التي دعت إليها روسيا وألمانيا والأمم المتحدة. لكن
اتفاقية حكومة الوفاق مع الحكومة التركية يوم 27 نوفمبر 2019، بدأت تقلب الموازين
العسكرية، واستطاع الهجوم المعاكس أن يستعيد المناطق الغربية كافة، ويكسر قرون
حفتر ويلاحقه إلى سرت والجفرة. ولولا تدخل الدول الكبرى والتهديد المصري، والتحذير
الروسي لإيقاف القتال، لوصلت قوات الوفاق إلى بنغازي.
لكن هذا الوضع أوجد بيئة
مناسبة للعمل السياسي، في ظل موازين القوى الجديدة بقيادة المبعوثة الأممية
بالإنابة ستيفاني وليم، التي تولت قيادة العملية السياسة، بعد استقالة غسان سلامة
في شهر مارس، احتجاجا على عدم تعاون بعض أعضاء مجلس الأمن، الذين يؤيدون القرارات
شفهيا ويخترقونها عمليا. ونحن نقفل العام نشاهد أن الأمور الآن أقرب إلى الحل،
خاصة بعد وصول وفد مصري رسمي لطرابلس لإعادة العلاقات. أما مصير حفتر، فمن المفروض
أن التحقيقات في المقابر الجماعية في ترهونة ستقوده إلى محكمة الجنايات الدولية.
* لا بد أن نذكر انفجار ميناء بيروت يوم 4
أغسطس، الذي يعتبر أكبر زلزال لبناني منذ اغتيال رفيق الحريري يوم 14 فبراير 2005.
الانفجار دمر، أو ألحق ضررا بالغا بثلث بيروت وخلّف أكثر من 200 قتيل وآلاف
الجرحى، وخسائر مادية تزيد عن 15 مليار دولار. وكما ضاعت الحقيقة في التحقيقات في
مقتل الحريري لمدة 15 سنة وتكاليف 700 مليون دولار، ستضيع الأمور هنا، وسيجدون كبش
فداء على طريقة «سليم عياش» في التحقيقات الجارية في الانفجار.
* الأزمة بين إثيوبيا وكل من مصر والسودان حول
سد النهضة، حازت درجة كبيرة من الاهتمام الدولي، حيث أصرت إثيوبيا على البدء
بتعبئة السد في شهر يوليو، بدون التوصل لاتفاق، وهو ما اعتبرته الحكومة المصرية
تهديدا لأمنها القومي، ولكن عادت الأمور وهدأت، وكل ما سمعناه من صراخ أحمد موسى
وعمرو أديب ولميس الحديدي لا يتعدى حربا كلامية تذروها الرياح.
كنت أود الإسهاب في مواضيع دولية أخرى مثل
سوريا وإيران والقرم وبوليفيا، لكن المساحة المخصصة لا تسمح بذلك. وأود فقط أن
أذكر حرب التحرير التي شنتها أذربيجان لاسترجاع أراضيها المحتلة من قبل أرمينيا
لنحو 30 سنة، بعد أن يئست من المجتمع الدولي ومجموعة منسك للوساطة، وقرارات مجلس
الأمن الأربعة عام 1993 التي طالبت بانسحاب القوات الأرمينية من الأراضي التي
احتلتها. النموذج الأذربيجاني أثبت، أن الحق الذي لا تسنده القوة قد يضيع في
متاهات المنظمات الدولية.
جائحة كورونا والتطبيع
كان أول ظهور لهذا الفيروس في مدينة ووهان
الصينية في أوائل ديسمبر 2019 ولذلك أطلق عليه اسم «كوفيد -19» أي الفيروس التاجي
المستجد 2019. لكن التاريخ سيتذكر أن 2020 هي سنة الجائحة، علما أن منظمة الصحة
العالمية صنفت الوباء في 11 مارس بأنه جائحة.
استطاع هذا الفيروس أن يضع العالم كله في حالة
ذعر وارتباك لمدة ربما تصل إلى سنة ونصف السنة على الأقل. انتصر هذا الفيروس على
الدول العظمى والصغرى، الغنية والفقيرة، الصناعية والبدائية، وأدخل العالم في
الجحور والمعازل، وأصاب إلى الآن ما يزيد عن 70 مليونا، وقتل أكثر من مليون ونصف
المليون، تصدرت الولايات المتحدة المرتبة الأولى في أعداد المصابين والضحايا.
انتصر الفيروس على الناس جميعها ونشر الرعب في الشوارع والحارات وحول المدن
الكبرى، مثل نيويورك ولندن وباريس وروما إلى مدن أشباح. أغلق الجامعات والمدارس
والمطارات والمسارح والسينمات، وأوقف حركة المواصلات البرية والبحرية والجوية.
أوقف عجلة الاقتصاد، وأقفل مئات الملايين من الوظائف والأعمال الصغيرة والكبيرة.
زاد عدد الجياع نحو 200 مليون إنسان في العالم، وترك نحو ملياري طفل بدون صفوف
مدرسية.
انخفضت المداخيل عالميا بنسبة 10% والاستثمارات الأجنبية بنسبة 40%
والتجارة الدولية بنسبة 20% وقطاع السياحة أوشك على الانهيار. نحو 27 دولة تخلفت
عن سداد ديونها المستحقة. والطريق إلى التعافي من آثار الجائحة، قد يأخذ عشرات
السنين ومليارات الدولارات. لقد بدأ العالم يتفاءل، ويشعر بأن هناك نهاية قريبة
لهذا الخطر، عندما أعلن رسميا عن التوصل إلى لقاح شاف من صنع عالمين تركيين يعملان
في شركة بيونتك الألمانية، التي دخلت في شراكة مع شركة فايزر الأمريكية، حيث بدأ
اللقاح يوزع على من هم في الخطوط الأمامية من المعركة مع الوباء، الأطباء
والممرضين والممرضات. لعلنا نشهد في الشهور الستة الأولى لعام 2021 انحسار صفحة
هذا الوباء الخطير مرة وإلى الأبد.
أما عن ملف التطبيع فاللوم في رأيي يقع أولا
على القيادة الفلسطينية الرخوة، التي تنسق مع العدو لاعتقال المناضلين التزاما
باتفاقية أوسلو الكارثية، وتنتظر أموال الضرائب من الكيان الصهيوني، بسبب اتفاقية
باريس الاقتصادية. لقد فتحت تلك الاتفاقية شهية الدول العربية المرتبطة بالفلك
الأمريكي، أن تتملص من التزاماتها بالقضية الفلسطينية، وتفتح قنوات الاتصال السري
والعلني مع الكيان الصهيوني وصولا إلى التطبيع. لقد أعطت مواقف السلطة الباردة
المبرر للدول السائرة على طريق التطبيع، أن تعجل في خطواتها، مستغلة وجود ترامب من
جهة والضعف الفلسطيني من جهة أخرى. وأود في مسألة التطبيع أن أمر على مجموعة نقاط
مختصرة.
– ما كان التطبيع يسير بهذه الوتيرة في منطقة
الخليج، لولا أن هناك دعما سعوديا، فالبحرين لا تخطو خطوة واحدة بدون ضوء أخضر
سعودي، خاصة بعد سحق الثورة الشعبية في دوار اللؤلؤة في 15 مارس 2011.
– العلاقات الإماراتية الإسرائيلية تطورت منذ
عام 1996 ووصلت إلى درجة عالية من التنسيق الأمني والمخابراتي، خاصة بعد وصول محمد
دحلان فارا من غزة عام 2007 ليتسلم ملف التنسيق بين السلطتين. لقد كان مقتل محمود
المبحوح 2010 مؤشرا واضحا لهذا التعاون العميق بين الأجهزة الأمنية.
– عملت الإمارات على تدبير اختطاف الثورة
السودانية، وإجهاض الحراك الشعبي مقابل دعم مالي للعسكر بقيمة ثلاثة مليارات دولار
من السعودية والإمارات، ووعود بترتيب العلاقات مع الولايات المتحدة. وكانت أول
زيارة لحميدتي للسعودية يوم 23 مايو 2019 وبعد عودته فورا قام عبد الفتاح البرهان
بزيارة لعبد الفتاح السيسي في قصر الاتحادية، وبعد عودته ارتكبت مجزرة 3 يونيو،
التي ذهب ضحيتها أكثر من 30 قتيلا و116 جريحا. بعد استقرار الوضع ولقاء البرهان
بنتنياهو يوم 3 فبراير 2020 في أوغندا بترتيب من محمد بن زايد، بدأت المفاوضات حول
التطبيع مقابل شطب اسم السودان من قائمة الإرهاب، واستئناف العلاقات الأمريكية
السودانية.
– كذلك قامت الإمارات بترتيب اتفاقية التطبيع
المغربي الإسرائيلي، مقابل اعتراف الرئيس الأمريكي ترامب بمغربية الصحراء. هذا
الاعتراف جاء غطاء لعملية التطبيع، التي يرفضها غالبية الشعب المغربي. فالعلاقات
بين إسرائيل والحكومة المغربية سرا وعلنا لم تنقطع منذ عام 1961.
– كل من يطبع يقبض الثمن على حساب فلسطين.. وكل
من يدعي أنه يطبع من أجل فلسطين فذلك امتهان لعقول الناس واحتقار للشعوب. التطبيع
لا يعني إلا التخلي المطلق عن القضية الفلسطينية حتى لو صدر بيان بارد بالالتزام
بالقضية الفلسطينية.
بقي أن نقول إن من أفضل ما انتهت إليه سنة
2020 هو أفول نجم الرئيس دونالد ترامب، الذي سخر سنوات رئاسته لخدمة المشروع
الصهيوني الأشد تطرفا، لدرجة يبدو معها جابوتنسكي حمامة سلام قياسا لثلاثي الشر:
كوشنر – فريدمان- غرينبلات، الذين أنجزوا صفقة القرن، ولا بد للشعب الفلسطيني أن
يوحد قواه وينهض من جديد بعد فشل مشروع أوسلو لاسترداد زمام القيادة من المطبعين
والمفاوضين والمهرولين لتعود إلى أيدي المناضلين والصامدين والمقاومين.
(القدس العربي)