قضايا وآراء

الأردن.. المهمة المستحيلة لإعادة التموضع

حازم عيّاد
1300x600
1300x600

استقبلت عمّان خسارة دونالد ترامب الانتخابات الرئاسية بارتياح رسمي غير معلن لكنه كان واضحا لدى الأوساط السياسية والشعبية؛ ارتياح لم يقابله استحسان رسمي تام لفوز الديمقراطي جو بايدن بمنصب الرئاسة لارتباطه الوثيق بإرث أوباما وحقبة الربيع العربي التي تخللها الكثير من الضغوط الديمقراطية على الدول العربية للمضي في إصلاحات سياسية.

بايدن ورغم انتمائه للتيار التقليدي في الحزب الديمقراطي إلا أن دعم القوى السياسية والاجتماعية الليبرالية واليسار التقدمي لحملته أثار مخاوف العديد من مراكز القوى في النظم السياسية العربية؛ مخاوف سرعان ما تراجعت بعد إعلان جو بايدن المرشحين لتولي المناصب الاستشارية والوزارية في إدارته؛ فالتعيينات في مجملها أشارت إلى انشغال الإدارة الجديدة باستعادة التوازن في الساحة الداخلية وفي مؤسسات الدولة المتضررة من سياسات ترامب وإجراءاته التنفيذية في الآن ذاته؛ فضلا عن انشغالها وانكبابها بترميم القوة الأمريكية الناعمة التي تضررت في الساحة الدولية سواء في الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية أو مع الحلفاء في القارة الأوروبية والناتو؛ والأهم مواجهة التحدي الروسي والصيني في الآن ذاته.

قدرة الأردن على التكيف وإعاة التموضع مع هذه الرؤى والتحولات بدت متيسرة وسهلة للوهلة الأولى؛ فإدارة بايدن متمسكة بالحلول الدبلوماسية وبتفعيل المؤسسات الدولية وتفعيل الدور الأردني في ما يسمى عملية السلام بين الكيان الإسرائيلي والفلسطينيين؛ غير أنها سرعان ما ارتبكت بعد الإعلانات المتتابعة والمتسارعة للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي؛ فإحياء مسار التفاوض بين الكيان الإسرائيلي والفلسطينيين فقد زخمه بعد إعلان الإمارات والبحرين والمغرب التطبيع مع الكيان الإسرائيلي واقتراب السودان من توقيع اتفاق مماثل دون مراعاة للمصالح الفلسطينية أو الدور الأردني التقليدي الذي تم تجاوزه من على نطاق واسع هذه المرة سواء في القدس أو في الحلول السياسية والتطبيعية المقترحة.

تطبيع أضعف الرؤية الأردنية الفلسطينية في ظل المشاريع التطبيعية المعلنة؛ والمتضمنة إنشاء منظمات إقليمية كمنظمة غاز شرق المتوسط ومشاريع اقتصادية كخط حديد السلام القادم من البحرين والإمارات مرورا بالأراضي السعودية نحو ميناء حيفا الفلسطيني المحتل عام 1948؛ فالرؤى المقترحة تجاوزت حدود الاصطفاف والتحالف لمواجهة القوى الإقليمية الصاعدة كتركيا وإيران نحو تهديد المصالح الحيوية والجيوسياسية المباشرة لكل من الأردن وفلسطين ومصر.

إعادة التموضع مسألة تزداد صعوبة مع انضمام المزيد من الدول العربية لمسار التطبيع الذي قادته أبوظبي والتحقت به المنامة والرباط؛ إذ رُسم مسار جديد للرياض ومسقط وقطر ومصر والأردن فالمنظومة السياسية والاقتصادية الجديدة التي تقف على رأسها أبوظبي والكيان الإسرائيلي تحولت إلى قاطرة من الممكن أن تتضاعف قوتها في حال انضمام الرياض لها ومباركة إدارة بايدن والديمقراطيين لمسارها السياسي الاقتصاي بعيدا عن مسار التفاوض والمفاوضات الفلسطيني المصري الأردني؛ الذي سعت عمّان لإحيائه عبر لقاءات نظمها كل من وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي والمصري سامح شكري والفلسطيني رياض المالكي. 

 

إعادة التموضع في عهد الإدراة الجديدة وفي عصر التطبيع معضلة أردنية خطيرة ومهمة شبه مستحيلة رغم الجهود الواضحة التي تبذلها المؤسسات السيادية الأردنية لترتيب المشهد الداخلي؛

 



إعادة التموضع الأردني تزاد صعوبة مع كل خطوة تتخذها إدارة الرئيس المنتهية ولايته ترامب وحلفائه وعلى رأسهم أبوظبي والكيان الإسرائيلي؛ فالحلفاء الجدد في سباق مع الزمن لمحاصرة جهود الإدارة الجديدة لإعادة هندسة السياسة الخارجية الأمريكية تجاه المنطقة على وقع الاتفاق النووي مع إيران الممتدة في سوريا والعراق؛ أو على وقع إحياء المفاوضات والضغوط على مشاريع الاستيطان والضم الإسرائيلية؛ أو على وقع الأزمات والملفات الساخنة كاليمن وليبيا وأزمة حصار قطر التي شهدت إعلانا مماثلا للتطبيع من قبل وزير الخارجية الكويتي أحمد الناصر بين الرياض والدوحة؛ إعلان لم يترجم بعد رغم الزخم الكبير لتحركات جاريد كوشنر لكل من الدوحة ومدينة نيوم للقاء أمير قطر تميم وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

إعادة التموضع الأردني لا تقتصر على الملف الفلسطيني أو الليبي أو ملف حصار قطر إذ تشمل مروحة أوسع من الملفات المتداخلة مع ملف الإصلاح السياسي الداخلي الذي تلاشى وأصبح من الماضي؛ فانفتاح الأردن على الحلول السياسية والمشاريع الاقتصادية التي يروج لها رعاة التطبيع في المنطقة ستقود إلى شحن الساحة الداخلية بحمولة سياسية تتجاوز الإصلاح السياسي وخطابه التقليدي نحو خطاب جديد و مشاريع جديدة تقوض استقرار البلاد .

إعادة التموضع في عهد الإدراة الجديدة وفي عصر التطبيع معضلة أردنية خطيرة ومهمة شبه مستحيلة رغم الجهود الواضحة التي تبذلها المؤسسات السيادية الأردنية لترتيب المشهد الداخلي؛ ورغم جهود الخارجية الأردنية والملك عبد الله الثاني بالانفتاح على المسارات المتعددة سواء الأردني الفلسطيني المصري أو المسار الخليجي؛ فتحركات الملك عبد الله الثاني الأخيرة تجاه المنامة وتجاه القاهرة تشير بوضوح إلى تقلص هامش المناورة الأردنية بل والمصرية لصالح خيار أبوظبي/ تل أبيب الذي يفرض نفسه كمسار إجباري في الإقليم.

 

إحياء مسار التفاوض بين الكيان الإسرائيلي والفلسطينيين فقد زخمه بعد إعلان الإمارات والبحرين والمغرب التطبيع مع الكيان الإسرائيلي واقتراب السودان من توقيع اتفاق مماثل دون مراعاة للمصالح الفلسطينية أو الدور الأردني التقليدي الذ تم تجاوزه من على نطاق واسع هذه المرة سواء في القدس أو في الحلول السياسية والتطبيعية المقترحة.

 



ختاما: خيارت ومسارات متضاربة ومتجاذبة تتقاطع في الساحة الأردنية على شكل مشاريع اقتصادية وسياسية مستقبلية يصعب التعامل معها بعمليات تموضع تقليدية لن تتجاوز حددود الخيلج العربي والبحر الأحمر؛ مسارات رغم خطورتها لم تحسم عمّان موقفها بعد؛ على أمل أن تبرز متغيرات جديدة متخلقة من واقع الإدراة الجديدة والمسار السياسي الداخلي في الكيان الإسرائيلي والساحة الإقليمية؛ فخيار التموضع خارج المعسكر التقليدي للأردن مستحيل كخيار التموضع التقليدي الذي بات خطرا ومكلفا في الآن ذاته . 

 hazem ayyad
@hma36
  

التعليقات (0)