هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
اعتبر مؤرخ بريطاني أن تطبيع السودان مع الاحتلال الإسرائيلي يعد "ضربة رمزية" للدعم العربي لفلسطين وقضيتها.
جاء ذلك في مقال للمؤرخ اليهودي البريطاني آفي شليم، على موقع "ميدل إيست أي"، وترجمته "عربي21"، مشيرا إلى أن الاتفاقات العربية الإسرائيلية تمثل نجاحات في السياسة الخارجية الأمريكية من وجهة نظر الرئيس دونالد ترامب.
وقال شليم إن "المشترك بين الاتفاقات الثلاثة لأبو ظبي والمنامة والخرطوم، أنها لا تشترط على إسرائيل الاعتراف بأي حقوق وطنية فلسطينية".
واعتبر أن اتفاق السودان على الرغم من أنه أقل أهمية من الناحية الاقتصادية والاستراتيجية من الاتفاقات التي وقعت مع الدول الخليجية، إلا أنه مع ذلك "ذو أهمية رمزية بالغة".
وتاليا النص الكامل للمقال كما ترجمته "عربي21":
أما وقد تخلت إسرائيل والولايات المتحدة وعدد متزايد من البلدان العربية عن حل الدولتين، فلربما تكمن الرؤية الأفضل للمستقبل في دولة ديمقراطية ثنائية القومية تتساوى فيها حقوق الفلسطينيين واليهود
في الثالث والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول، وأمام حشد من وسائل الإعلام في المكتب البيضاوي، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن السودان وإسرائيل اتفقا على تطبيع العلاقات بينهما، زاعماً لنفسه الفضل في التوسط لإبرام الصفقة. جذب الاتفاق اهتماماً إعلامياً أقل وأثار مستوى أقل من الجدل في العالم العربي مقارنة بالاتفاق الذي وقعته إسرائيل مع كل من الإمارات العربية المتحدة والبحرين.
لا يوجد بين السودان وإسرائيل حدود مشتركة ولم يكونا من قبل في حالة حرب. إذن، ما الذي يميز هذا الاتفاق؟
أسهل الأمور تفسيراً هو توقيت الصفقة. فقبل أسبوعين من الانتخابات الرئاسية، وحيث أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن ترامب أدنى حظاً من منافسه الديمقراطي جو بايدن، يحتاج الرئيس الأمريكي إلى حكاية نجاح في السياسة الخارجية تدخل البهجة على قلوب أنصار إسرائيل في المعسكر الديمقراطي وداخل تيار المسيحيين الإنجيليين.
ولكن منذ 1968 يصوت 71 بالمائة من اليهود الأمريكيين، في المعدل، لصالح الحزب الديمقراطي، بينما يضمن الجمهوريون لأنفسهم دعم المسيحيين الإنجيليين. ولذا كان ينبغي أن يكون واضحاً منذ البداية أن المكاسب الانتخابية التي ستتحقق من هذه الصفقة هامشية إن لم تكن تافهة.
أما السبب الأعمق للتنمر الذي مارسه ترامب بلا هوادة على حكومة السودان الانتقالية والهشة لكي تطبع مع إسرائيل فيرجع إلى دعمه غير المشروط لليمين المتطرف في إسرائيل وعداوته الدفينة للنضال الفلسطيني من أجل الاستقلال والدولة.
نجم عن هذه العداوة سلسلة من اللكمات التي وجهها ترامب للقضية الوطنية الفلسطينية، مثل إغلاق مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وقطع جميع أشكال التمويل الأمريكي لوكالة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، وإنهاء الدعم الاقتصادي للسلطة الفلسطينية، والاعتراف بسيادة إسرائيل على كل القدس.
وحقيقة الأمر هي أن صفقة القرن التي خرج بها ترامب لم تكن خطة للسلام بقدر ما كانت رخصة لإسرائيل حتى تضم بشكل رسمي قطاعات كبيرة من الضفة الغربية المحتلة. وعندما رفض الفلسطينيون بغضب تلك الصفقة، راح ترامب يضغط بشدة على الدول العربية حتى تطبع علاقاتها مع إسرائيل وتتخلى عن الفلسطينيين.
أهمية رمزية
من وجهة نظر ترامب، تمثل الاتفاقات العربية الإسرائيلية نجاحات في السياسة الخارجية. والمشترك بين الاتفاقات الثلاثة أنها لا تشترط على إسرائيل الاعتراف بأي حقوق وطنية فلسطينية. ومع أن الاتفاق مع السودان أقل أهمية من الناحية الاقتصادية والاستراتيجية من الاتفاقات التي وقعت مع الدول الخليجية، إلا أنه مع ذلك ذو أهمية رمزية بالغة.
بعد حرب حزيران (يونيو) 1967، انعقدت قمة لجامعة الدولة العربية في الخرطوم، العاصمة السودانية، وتعهد المشاركون فيها بما اشتهر باللاءات الثلاث: لا للاعتراف، ولا للتفاوض، ولا للسلام مع إسرائيل. ومع أن هذه الصيغة تركت مجالاً للمفاوضات غير المباشرة والاتفاقات غير الرسمية مع إسرائيل، إلا أن الدعاية الإسرائيلية ظلت تصور الأمر على أنه دليل مطلق على الرفض العربي.
ما لبثت أسطورة الرفض العربي أن تحطمت عندما أبرمت مصر معاهدة السلام مع إسرائيل في عام 1979 وتبعها الأردن في عام 1994. ولكن ظل الموقف العربي الجماعي تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني على ما هو دون تغيير إلى أن انعقدت قمة أخرى للجامعة العربية في بيروت في شهر مارس / آذار من عام 2002.
تبنت القمة بالإجماع مقترحاً سعودياً كأساس لما بات يعرف فيما بعد بالمبادرة العربية للسلام، وهي المبادرة التي عرضت السلام والتطبيع مع إسرائيل من قبل جميع أعضاء جامعة الدول العربية الاثنين والعشرين مقابل إنهاء الاحتلال والسماح بنشوء دولة فلسطينية مستقلة في قطاع غزة والضفة الغربية تكون عاصمتها القدس الشرقية. وكان في القلب من المبادرة مبدأ مبادلة الأرض بالسلام.
تجاهلت إسرائيل بكل بساطة مبادرة السلام العربية، وأثبتت من خلال أفعالها، إن لم يكن باستمرار من خلال كلامها، أن الأرض أكبر قيمة لديها من السلام مع الفلسطينيين.
الضم الزاحف
استمرت عمليات ضم إسرائيل لأراضي الضفة الغربية في ظل حكومات العمل والليكود على حد سواء منذ العام 1967. ولم يزل الغرض من المستعمرات اليهودية المتمددة باستمرار في أنحاء الضفة الغربية هو قطع الطريق على إمكانية قيام دولة فلسطينية متواصلة الأطراف وقابلة للحياة. وهو ما يعكس خياراً لا تخطئه العين يفضل الاستيلاء على الأرض على صنع السلام.
لم يزل الليكود، الحزب اليميني الحاكم، ملتزماً بعقيدة إسرائيل الكبرى، والتي تعتبر بموجبها يهودا والسامرة، كما يطلق على الضفة الغربية انسجاماً مع ما ورد في الكتاب المقدس، جزءاً لا يتجزأ من الوطن التاريخي. ولم يحصل إطلاقاً أن اعترف الحزب يوماً بحق الفلسطينيين بأن يكون لهم دولة خاصة بهم في أي جزء من الأراضي التي احتلت في عام 1967. ومن هنا فإن الشعار الذي يطلقه رئيس الوزراء بنجامين نتنياهو ليس "الأرض مقابل السلام" وإنما "السلام مقابل السلام."
احتفل نتنياهو بالهدية التي قدمها له ترامب بالتأكيد على أن لاءات الخرطوم الثلاث انقلبت رأساً على عقب، وبات السودان الآن يقول نعم للاعتراف، نعم للمفاوضات، ونعم للسلام مع إسرائيل. ومع ذلك يعلم ترامب ونتنياهو أن السلام مع إسرائيل لا يلقى قبولاً لا عند الشعب السوداني ولا عند شعوب البلدان العربية الأخرى. ولكن الرأي العام العربي والديمقراطية وحقوق الإنسان لا تحتل مرتبة عليا في قائمة أولوياتهما، هذا إن كان لها وجود أصلاً في تلك القائمة.
إذا ما أخذناها معاً بالاعتبار، تمثل الاتفاقات الثلاثة الأخيرة تراجعاً كبيراً عن مبادرة السلام العربية. فهي تمنح إسرائيل كل ما تريده دون الإصرار على شرط الدولة الفلسطينية المنصوص عليه في المبادرة الأصلية. ما زالت المملكة العربية السعودية متمسكة بالمبادرة العربية للسلام، ولكنها ربما مسألة وقت ثم تترجم ما يجري من تعاون سري في مجالي الأمن والاستخبارات مع إسرائيل إلى علاقات دبلوماسية رسمية.
طعنة في الظهر
جاءت صفقة السودان مع إسرائيل، على خطى ما أبرمته الإمارات والبحرين من اتفاقات، لتسلط الضوء على تغيير جيوسياسي كبير جداً في الشرق الأوسط، تلك المنطقة المتأزمة والمضطربة. يشير هذا التغيير إلى انتقال الدول العربية بعيداً عن التزامها التقليدي تجاه أشقائها الفلسطينيين باتجاه الاندماج في المحور الأمريكي الإسرائيلي، والذي يهدف بالدرجة الأولى إلى احتواء إيران.
لا عجب إذن أن راح المتحدثون الفلسطينيون ينددون مراراً وتكراراً بالاتفاقات الثلاثة واعتبارها طعنة في الظهر. فالفلسطينيون متمسكون بإقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل وعاصمتها القدس الشرقية، وخاصة أن حل الدولتين هذا، حظي منذ التسعينيات بإجماع دولي ضخم، شمل حتى وقت قريب جميع الدول العربية.
أما وقد تخلت إسرائيل والولايات المتحدة وعدد متزايد من البلدان العربية عن حل الدولتين، ولا يملك الفلسطينيون سبيلاً لتحقيقه، فلا مفر من البحث عن حل بديل للصراع.
حسبما أراه فإن البديل العادل الوحيد لحل الدولتين الذي قتلته إسرائيل بسرقتها للأرض الفلسطينية هو دولة ديمقراطية واحدة تقع بين نهر الأردن والبحر المتوسط بحقوق متساوية لجميع مواطنيها بغض النظر عن الجندر والدين والعرق. على النقيض من مكائد ترامب التي لا يريد منها سوى خدمة مصالحه الشخصية، تشكل الدولة الديمقراطية ثنائية القومية حلاً أصيلاً ورؤية نبيلة.