قضايا وآراء

قتل باسم القانون.. "الإعدام في مصر" (1)

محمود جابر
1300x600
1300x600

قامت الشرطة المصرية بتنفيذ أحكام الإعدام في خمسة عشر محكوم عليهم بالإعدام، عشرة في القضية رقم 3455 لسنة 2015 جنايات كلي جنوب الجيزة، ثلاثة في القضية رقم 12749 لسنة 2013 جنايات مركز كرداسة، واثنان من المحكوم عليهما في القضية رقم 20091 لسنة 2013 جنايات باب شرقي - محافظة الإسكندرية، والمعروفة بـ"أحداث مكتبة الإسكندرية"، جراء محاكمة مشكوك في نزاهتها، وقضاء تجرأ على أحكام الإعدام وأسهب في إصدارها، في قضايا سياسية، وقعت أحداثها في ظروف سياسية مضطربة في مصر.

في 7 كانون الأول/ ديسمبر، قضت "الدائرة 14- إرهاب" بمحكمة جنايات الجيزة بإعدام 13 في القضية المعروفة إعلاميا بـ"أجناد مصر". والحديث عن دوائر الإرهاب يُفرد له حديثٌ مستقل مستقبلا، لكنه مُصنف على أنه قضاء استثنائي غير طبيعي، دأب على إصدار أحكام إعدام جماعية.

أُهدرت ضمانات المحاكمة العادلة في هذه القضية، حتى إن نيابة النقض أوصت بنقض الأحكام على متهمي قضية تنظيم أجناد مصر (أحكام الإعدام والمؤبد والسجن المشدد) الصادرة بحقهم من محكمة الجنايات، وإعادة النظر بالموضوع، لكن المحكمة لم تأخذ برأيها.

لا أقول عن أي متهم إنه بريء؛ فالقتل والإرهاب بصوره كافة، مرفوض ومُجرَّم عندي، لكن العدالة والإنصاف تقتضيان توفير المحاكمة أمام قاضٍ طبيعي يطمئن أمامه المتهم، ويتمتع بضمانات المحاكمة العادلة التي كفلها الدستور والقانون المصري، والقانون الدولي لحقوق الإنسان.

وقد استوقفني وآلمني أكثر، تنفيذ الإعدام في اثنين من أبناء مدينتي الإسكندرية في قضية عاصرتُ أحداثها، وتابعت فصولها كمحامٍ، ثم قمت بمتابعتها حقوقيا، وعملتُ على كشفِ حقيقتها ومأساتها عن قُرب.

ففي 28 أيلول/ سبتمبر 2015، أصدرت محكمة جنايات الإسكندرية حكمها فى القضية ضد 71 متهما، وقضت بإعدام ياسر عبد الصمد محمد عبد الفتاح (وشهرته ياسر ُشكر)، وياسر الأباصيري عبد المنعم إسماعيل، حضوريا، بالإضافة لآخر غيابيا، وقضت بالسجن المؤبد لـ25 شخصا، والسجن المشدد 15 سنة لـ21 شخصا، وبالسجن المشدد 10 سنوات لـ22 شخصا.

وقد تم الطعن على الأحكام أمام محكمة النقض، وبتاريخ 3 تموز/ يوليو 2017 قضت محكمة النقض المصرية برفض الطعن وتأييد حكم الإعدام الصادر ضد المتهمين، ليصبح حكما نهائيا، واجب النفاذ.

وعلى الرغم من إثبات تعرضهما لانتهاكات جسيمة قبل وفي أثناء المحاكمة، إلا أن القضاء لم يكن منصفا في أثناء النظر بالقضية ذات الطابع السياسي، والانتهاكات جعلت محاكمتهما تفتقد لضمانات المحاكمة العادلة، لذا يُعد حكم الإعدام الصادر عن المحكمة إعداما تعسفيا.

المنفذ فيه حكم الإعدام، ياسر عبد الصمد محمد عبد الفتاح، وشهرته ياسر شُكر، هو من مواليد 24 كانون الثاني/ يناير 1975، وكان يعمل محاسبا قانونيا، وكان متزوجا وله أربعة أطفال. قُبِض عليه في 26 شباط/ فبراير 2014، وتعرض للتعذيب الوحشي غير الآدمي - حسب إفادة زوجته - بالصعق الكهربائي والضرب بمقر مديرية أمن الإسكندرية، وتعرض للاختفاء القسري، ولم يُعرض على النيابة العامة فور القبض عليه، بالمخالفة للدستور والقانون المصريين.

والضحية الثاني الذي تم إعدامه، وهو ياسر الأباصيري عبد المنعم إسماعيل، هو من مواليد 26 أيلول/ سبتمبر 1971، وكان يعمل بالمقاولات المعمارية، وكان متزوجا وله أربعة من الأولاد. وتم القبض عليه في أثناء عودته من عمله بتاريخ 5 آذار/ مارس 2014، ثم أُخفي قسريا – حسب إفادة زوجته - وانقطع التواصل معه لمدة 11 يوما، تعرض خلالها للتعذيب الشديد بمقر مديرية أمن الإسكندرية، حيث الصعق بالكهرباء في أنحاء متفرقة من الجسد. وقد شاهدت زوجته آثار التعذيب عليه، وهي عبارة عن حروق في الجسم، وجروح في الوجه نتيجة الضرب. وعندما عُرض على النيابة طلب العرض على الطبيب الشرعي لإثبات واقعة التعذيب، إلا أن رئيس النيابة رفض طلبه.

وعن حكم الإعدام: بمطالعة حيثيات حكم محكمة الجنايات في هذه القضية، تبين أن الحكم استند إلى شهادة عدد من ضباط الشرطة (محضر تحريات ضباط الأمن الوطني، محاضر الشرطة)، وعلى هذا الأساس كونت المحكمة قناعتها عن القضية، ورسخ في وجدانها إدانة المتهمين، لتقضي بإعدام الياسرين حضوريا، بالمخالفة للمبادئ المستقرة عليها أحكام محكمة النقض في ما يخص محاضر التحريات الشُرطية، التي لا تصلح وحدها لتكون دليلا جازما لإنزال عقوبة الإعدام، أو غيرها من العقوبات.

وكان لنيابة محكمة النقض في القضية رأيٌ، حيث أثبتت في مذكرتها أن بعض أوراق القضية التي استند الحكم عليها "مفقودة"، والأصل أنه يتعين على المحكمة أن تبني حكمها على الوقائع الثابتة في الدعوى، لا أن تبني حكمها على أمور لا سند لها في الأوراق، ولكن قضاة المحكمة لم يُعيروا ملاحظة النيابة اهتماما، مما جعل المحكمة العليا تسير في ركب السلطة التنفيذية، وغلبت السياسة على القانون فانكسر ميزان العدالة على منصة قضاء النقض. بالإضافة لما تقدم، لم تُمكِّن المحكمة دفاع المحكوم عليهم بالإعدام من تقديم شهود نفي، واكتفت بشهود الإثبات من رجال الشرطة!

إن حقوق الإنسان تعلو فوق كل شيء، وأعظم تلك الحقوق" الحق في الحياة". الإنسان أيّا كان جنسه أو لونه أو ديانته أو انتماؤه السياسي؛ له حقوق وضمانات يجب ألا يُحرم منها في أثناء محاكمته، بل وقبل محاكمته، ومنذ اللحظة الأولى لتوقيفه، فيجب أن يُعامل المعاملة الإنسانية اللائقة التي منحها له القانون والدستور والعهود والمواثيق الدولية كافة، وذلك بغض النظر عن طبيعة القضية وملابساتها والظروف السياسية التي صاحبتها.

فقد تعرض المتهمون في هذه القضية وغيرهم كثيرون في عدة قضايا أخرى لانتهاك حقهم في الحياة، وتم استخدام عقوبة الإعدام وإساءة استعمالها، فحصدت المشانق رؤوس أبرياء من المعارضين السياسيين بـ"اسم القانون"، وما زال يقف العشرات في طابور الموت ينتظرون دورهم.

وهذا الإعدام دائما ما يسبقه القبض والاحتجاز التعسفي بالمخالفة للقانون والدستور المصري، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.


الاختفاء القسري، وهو الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية، يتم على يد موظفي الدولة أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها.

وأخيرا، التعذيب والإكراه على الاعتراف؛ هما الوسيلة الأشهر في مصر في القضايا السياسية، لانتزاع الاعترافات تحت التعذيب البدني والمعنوي، في حين أنه "لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة من الكرامة".. هكذا في مصر يُقتل الأبرياء باسم القانون.. وللحديث بقية.

التعليقات (0)