قضايا وآراء

أخلاق المصريين.. إلى أين؟!

محمد عماد صابر
1300x600
1300x600
أجواء من الجنون.. نعم الجنون، لأنها خالية من كل عقل بل خالية من كل قلب وضمير.. عنف وصدام.. سب وشتم وملام.. تحريض على السجن والاعتقال، ودعم للجرح والاقتتال.. أين ذهبت قيم وأخلاق المصريين؟!

لا أقول لماذا غابت، وإن كانت معرفة الأسباب هامة للوصول إلى الحل، لكن هل هي كانت موجودة فعلا؟! أم أن المؤثرات الكاشفة كانت غائبة فلما ظهرت تبين أن ما كنا فيه لم يكن الأساس القيمي المطلوب والمكافئ لمواجهة تحديات الواقع سريعة التغيير؟!

ما كنا فيه ليست منظومة قيم تبنى عليها صروح الدول والمجتمعات.. ما كنا عليه حزمة من سلوكيات حميدة يتناقلها الآباء والأجداد ويندهش منها الأبناء.. ما كنا عليه لم تكن ثمرة لأساس راسخ من القيم أنشأته المؤسسات التربوية للدولة والمجتمع في البيت والمدرسة والمسجد والكنيسة والإعلام والأجواء العامة.. مناخ التربية والتكوين، لكنها كانت بقية من رصيد الفطرة الموجودة في كل زمان ومكان، وما زالت موجودة لأنه رصيد ممتد وباق لا ينفد، فضلا عن بقايا موروثات القدامى والكبار..

أخلاق المجتمعات مسؤولية تضامنية بين الدولة متمثلة في مؤسساتها الرسمية؛ مؤسسات التربية والتكوين والثقافة والإعلام والدين، وبين مؤسساتها الأهلية غير الرسمية؛ مؤسسة الأسرة والصحبة.. ولكل دوره ومهمته ورسالته، فضلا عن منظومة الرقابة والضمان والحماية لهذه القيم والأخلاق.

في المجتمعات المتحضرة الدولة هي الشريك المتضامن الأساسي في المشروع القيمي والأخلاقي، وباقي مؤسسات المجتمع الأهلية شركاء متضامنون تابعون وتوالٍ.

مؤسسات الدولة وشركاء المجتمع يتوافقون حول منظومة القيم ومجالاتها المتعددة، في العلوم والتعليم والعمل والعلاقات والحقوق والواجبات وغير ذلك، ليكون لدى المجتمع عموما دستور قيمي أخلاقي متفق عليه تطبيقا وحراسة وتطويرا.

منظومة القيم المجتمعية متعددة المصادر والمنابع، تشترك في صياغتها والاتفاق عليها مؤسسات التربية والتعليم والشباب والثقافة والدين والرياضة، وعلماء الاجتماع وعلماء النفس، والآباء والأمهات، والأبناء أنفسهم، وليست قالبا جامدا وجاهزا تصب فيه الأجيال صبا دون فكر ولا وعي.

منظومة القيم لا تعتمد على الدين فقط، كما يظن أو كما يروج البعض، فالغرب اللاديني يمتلك منظومة قيم عملية واقعية، وليست نظرية شعاراتية، يدير بها حياته وتتفق مع صحيح الدين الإسلامي نفسه، ماعدا استثناءات ليست كبيرة في المسافة والمساحة، لكن بالطبع الدين عندنا مصدر لكل خير، لكننا حتى اللحظة لم ننجح في ترجمته لعمل واقعي وإجراءات عملية، واكتفينا بالخطب والوعظ والكلمات.

واهم من يظن أن الأخلاق والقيم مسؤولية جماعة أو جمعية أو حزب أو حركة، مهما كانت إمكاناتها المادية البشرية والتنظيمية، لكنها منفردة تستطيع تقديم تجربة أو نموذج وبمعاناة، لأن أفراد الجماعة أو الحزب أو الحركة لا يتحركون في فراغ بل يتحركون في المجتمع.

خطورة تخلي الدولة عن مسؤوليتها الدستورية والإنسانية في تربية الأجيال؛ هي قيام الحركات والجماعات والأحزاب بهذا الدور كل في جماعته وكيانه وأسرته وعائلته.. هنا تكون دويلات داخل الدولة، ومجتمعات داخل المجتمع لكل دويلة أو مجتمع قيمه وأخلاقه وثقافته الخاصة (راجع واقع فصائل الحركة الإسلامية باختلاف أطيافها، وكذلك الكنيسة باختلاف مذاهبها والتيار اليساري والقومي بمختلف ألوانه).

أتكلم عن الواقع القيمي والأخلاقي والسلوكي، وليس السياسي التنافسي، فهذا شيء آخر مشروع، لكن على أساس أخلاقي وقيمي واحد يمثل قاعدة أساس المجتمع كما هو واقع الغرب.

لذا على الكيانات التي تعتمد التربية كمنهج للإصلاح والتغيير أن تعد الكوادر الداعمة لمؤسسات الدولة والمجتمع، لتقوم بدورها التربوي وفقا لمنظومة قيم المجتمع، لا أن تعد هي أجيالا خاصة بها وبمنظومة قيم خاصة وثقافة خاصة، بل ولغة خاصة وانتماءات خاصة متشابكة ومتصادمة، ما يزيد من معاناة الأفراد ومعاناة المجتمع.

مجتمع بلا قيم هو بيت بلا أساس.. هو بيت العنكبوت، وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت.
التعليقات (0)