انتشر في القرن السادس
عشر والسابع عشر علم التنجيم، وهو علم يختص بدراسة تأثير الأجرام السماوية على
الأرض، وكان هذا العلم يحظى بالجدية آنذاك انطلاقا من فلسفة أن الكون كل مترابط
التأثير، فلماذا لا يكون للضوء الذي يصل إلى الأرض من السماء تأثيرا على كوكبنا،
وما علاقة وضع الشمس بتغيرات الطقس السنوية على الأرض؟
في نوفمبر 1572 شاهد
الفلكي الدنماركي تيكو براهي 1546 ـ 1601 جسما سماويا لامعا، فتعجب عن وجود جسم
لامع في السماء، وبسبب إمكانيات العلم المحدودة آنذاك، اعتبر براهي أن هذا الجسم
نذير من الله بحدوث تغيرات عنيفة ستحل في المستقبل.
في عام 1577 ظهر مذنب
لامع، هو استكمال للإشارات الربانية التي بدأت مع الجسم اللامع عام 1572 وفق
براهي.
لكن تيكو براهي لاحظ
أن المذنب كان بعيدا عن القمر وأنه مر عبر الكرات الكوكبية مما يعني أنه لا توجد
كرات صلدة تحرك الكواكب، وهنا تساءل، ما الذي يجعل الأجرام السماوية ثابتة في
مساراتها؟
استنتج براهي أن
مسارات الأجرام السماوية يتقاطع بعضها مع بعض وبذلك وضع منظومة جديدة للسماء جمع
فيها أفضل ما في نظريتي بطليموس وكوبرنيكوس.
وأدى به تدقيقه الشديد
في تفقد أحد المذنبات في 1577 إلى الاعتقاد السائد في العالم الآن، بأن المذنبات
أجرام سماوية حقيقية تتحرك في مدارات محددة منتظمة، بدلا من كونها تنشأ في الغلاف
الجوي للأرض.
وعندما نشر تيكو الثبت
الذي جمعه عن 777 نجما، حددها بعناية فائقة على القبة السماوية الضخمة في مكتبته.
طيلة إحدى وعشرين سنة
في جزيرة هفين، جمع تيكو وتلاميذه من المادة ما يفوق في حجمه ودقته أية مادة
معروفة من قبل، وسجل كل يوم ولعدة سنوات، حركة الشمس الظاهرية، فكان من أوائل
الفلكيين الذين أدخلوا في حسابهم انحراف الضوء وأخطاء الراصدين والآلات.
وأثناء تواجده بجزيرة هفين وبمساعدات مادية من الملك فريدريك، تمكن براهي من بناء أول مرصد في أوروبا، وأطلق على المبنى اسم قلعة يورانيا أو يورانيبورغ.
الاكتشاف العظيم لـ "كبلر"
في هذه الأثناء كان
يوهانس كبلر 1571 ـ 1630 يخط اكتشافاته الكبرى، وبينما كان يدرس في مدينة جراتس
الألمانية، انشغل بسؤال لم يخطر على بال أحد، حيث كان يعتقد بضرورة علم الفلك من
الأبعاد الميتافيزيقية.
في منظومة كوبرنيكوس
تدور ستة كواكب فقط حول الشمس، لا سبعة حول الأرض كما كان يعتقد سابقا، وهذه
الكواكب السبعة تتماشى مع أيام الأسبوع السبعة ومع المعادن السبعة ومع نغمات السلم
الموسيقي السبع.
أما العدد ستة فليس
كذلك، الأمر الذي دفع كبلر للتساؤل لماذا وضع الله الكواكب الستة على تلك
المسافات؟
بعد جهود حسابية
مضنية، توصل كبلر إلى اكتشاف هام وهو أنه لا يوجد سوى ستة كواكب.
رسم كبلر دائرة، ثم
رسم داخلها مضلعا (مثلثا أو مربعا أو مخمسا أو مسدسا)، ثم رسم دائرة داخل المضلع،
وبعدها بدأ في حساب النسب التي تحددها المضلعات المختلفة ليرى هل يتوافق أي منها
مع النسب الخاصة بالمسافات التي تبعدها الكواكب عن الشمس، فلم يتوافق أي منها.
لجأ إلى الكرات
والمجسمات متعددة الأوجه بدلا من الدوائر والمضلعات، وبترتيب الكرات والمضلعات
ترتيبا صحيحا، حصل على ست كرات تتطابق مساحتها مع المسافات التي تبعد بها الكواكب عن
الشمس، والتي حددتها نظرية كوبرنيكوس، وهذا يعني أن ثمة ستة كواكب لا غير.
حاول كبلر تبين
العلاقة الرياضية بين الزمن الذي يقضيه الكوكب في الدوران حول مداره، والمسافة
التي تفصله عن الشمس، وتمكن بعد جهود مضنية من صياغة قوانين ما تزال إلى الآن
تحتفظ بقيمتها العلمية.
أصبح اسم كبلر مشهورا،
وقد بلغت شهرته شأنا جعل تيكو براهي يدعوه عام 1599 للحضور إلى براغ لكي يعمل
مساعدا له في بلاط الإمبراطور رودلف الثاني 1552- 1612.
وفي عام 1600، سافر
كبلر إلى براغ للعمل مع براهي، لكن بعد أشهر قليلة من عمله توفي أستاذه، وبذلك ورث
كبلر جميع الإنجازات الرصدية لتيكو براهي، وصار كبلر عالم فلك في البلاط الملكي.
قوانين كبلر لحركة
الكواكب
ينص قانون كبلر الأول
على أن كل كوكب من كواكب المجموعة الشمسية يتحرك في مدار إهليجي حول الشمس، حيث
تقع الشمس في إحدى بؤرتيه.
وبهذا القانون أثبت
كبلر صحة نظرية كوبرنيكوس بأن الشمس هي مركز الكون، وجميع الكواكب والأجسام
السماوية تدور حولها في مسار بيضاوي أو على شكل قطع ناقص، حيث إن الشمس لا تقع في
المنتصف وإنما في أحد أطراف الشكل البيضاوي.
قانون كبلر الثاني ينص
على أن الخط الواصل بين الكوكب والشمس يقطع مساحات متساوية خلال أزمنة متساوية، أي
أنه يوجد خط وهمي يصل بين الكواكب والشمس، وهذا الخط يدور بدوران الكواكب حول
الشمس، بالتالي يكون الدوران سريعا كلما كان الكوكب قريبا من الشمس، وتقل سرعته
كلما ابتعد عن الشمس.
أما قانون كبلر الثالث
فينص على أنه يتناسب مكعب بعد الكواكب عن الشمس تناسبا طرديا مع مربّع سنته، أي أن
النسبة بين مكعب المسافة ومربع الزمن تكون مقدارا ثابتا دائما.
إلى جانب اهتمامه بعلم
الفلك، اهتم كبلر بتناظر الأنظمة البلورية وبدأ اهتمامه بها عن طريق دراسة بلورات
الثلج، فاكتشف أن هناك قوى طبيعية تربط بين جزيئات المواد تعمل على تنمية المادة
وترصفها بتلك الأشكال الهندسية المنتظمة.
كما أكتشف أن بلورات
الثلج تختلف عن بعضها البعض، ومع ذلك فهي تظهر أمامه وتعيد نفسها كلما أدار
البلورة 60 درجة، وهذا هو التناظر السداسي.
وكان أول من ذكر بأن
الانكسار الضوئي هو المسؤول عن الرؤية بالعين، وأن استخدام العينين يعطي إحساسا
بالعمق، وقام بصنع نظارات للمصابين بكل من قرب وبعد النظر، وشرح كيفية عمل
التلسكوب.
وأعلن أن المسؤول عن
الجاذبية هما الجسمين معا وليس جسما واحدا، وكمثال على ذلك، فإن القمر هو من يسبب
حركة المد والجزر على الأرض.
وعلى الرغم من
الاكتشافات الكبيرة التي حققها كبلر، إلا أنه يمثل مع كوبرنيكوس مرحلة انتقالية،
لأن نظريات كبلر تحتوي على أبعاد ميتافيزيقية، مثل قوله إن الكواكب تتخذ شكلا
إهليليجيا في حركتها حول الشمس لأن هذا الشكل هو الأنسب، فهو يحاكي شكل البيضة،
وبما أن البيضة هي أصل الحياة، فإنها مؤهلة دون غيرها لتمثيل حركة العالم
الحقيقية، وأما الرياضيات، فقد كانت بالنسبة له أداة استعملها لضبط حركة الكواكب
اعتقادا منه بأنها تعكس الروح الإلهية التي تتجلى في النظام الكوني.
كان كبلر رجلا عميق
التدين، وتحتوي كتابته جميعا على إشارات كثيرة إلى الله، حيث اعتقد أن أعماله ما
هي إلا واجب ديني عليه كمسيحي، يسعى لفهم أعمال الله.
حامت الشكوك حول
معتقدات كبلر الدينية منذ أن كان طالبا، فهو لم يتفق مع العقيدة الأرثوذكسية
اللوثرية، واختلف مع البروتستانية الأرثوذكسية، والميل الذي أبداه نحو التسامح
الديني قاد السلطات في توبنغن إلى الشك بمعتقداته الدينية الأرثوذكسية، وفي عام
1612 حُرم كبلر من حقوقه الكنسية وطرد من عمله، وسبب له هذا الأمر ألما كبيرا.