قضايا وآراء

المراهنة على الأمن القومي الخليجي مقابل التطبيع!

عبير كايد
1300x600
1300x600
ألا تدرك السعودية أن تهويل إسرائيل بالخطر الإيراني على الخليج ليس سوى خديعة؟

لكل دولة الحق بإنشاء علاقات دولية وتطبيعية، بل وتصالحية مع أي دولة بالعالم حسب مصالحها، لكن ليس على حساب قضية عادلة، وهنا تكمن المفارقة، فالتطبيع مع دولة احتلال كإسرائيل هو بمنزلة مشروع تمدد استيطاني سرطاني؛ فبالعودة إلى ميثاق الأمم المتحدة، إسرائيل دولة احتلال ومستوطناتها غير شرعية، وبالنسبة للشعب العربي فإسرائيل عدوة الأمة العربية والإسلامية لهذا السبب.

لا أحد ينكر ما قدمته المملكة العربية السعودية من مساعدات مالية تصل إلى 6.47 مليار دولار على مدى عقود من الزمن، حتى إنها لا تزال تدعم السلطة الفلسطينية وتحتضنها حتى اللحظة. هل استخدمت السلطة الفلسطينية ما يقارب السبعة مليارات في بناء الدولة الفلسطينية والبنية التحتية؟ سؤال أتركه للسلطة ورموزها لمعرفة مصير تلك المساعدات التي لا علم للشعب الفلسطيني بها.

موقف الرياض من القضية موقف عروبي ووطني وليس غريبا على المملكة، كونها قلب الأمة العربية والإسلامية النابض ومهمتها الأزلية حتى اليوم دعم الضعفاء ومساندتهم في انتزاع استقلالهم، كما ينص ميثاق الجامعة العربية. لكننا اليوم كمفكرين ونخب أكاديمة مستقلة حُرة بتنا نأمل ألا تنزلق السعودية في نفق التطبيع المظلم، لأن من شأنه أن يخلق صراعات إقليمية طويلة الأمد، لكن المخزي وغير المنطقي أن يعاقب الشعب الفلسطيني عقابا جماعيا، بسبب سوء القيادة. التضحية بحقوق الشعب الفلسطيني التاريخية تعتبر خطأ استراتيجيا جسيما، لمجرد أن التطبيع هو حجة لمجابهة إيران عسكريا على حساب أمننا القومي في الخليج العربي.

أم ستبقى الحجة الأخيرة شماعة أمريكا لبيع الخليج المزيد من السلاح ووعده بحماية وهمية، ومن ثم نقاطع ونحاصر قطر لأنها تتواصل مع إيران؟ ترامب قال جهرا مؤخرا: نحن موجودون في الشرق الأوسط لحماية إسرائيل وأمنها. وتل أبيب باتت اليوم بأمسّ الحاجة للاعتراف بها وتقبلها خليجيا، فهو يصب في مصلحة طرف واحد.

يجب أن تبقى المملكة بعيدة عن أن تصبح كبش فداء ولقمة سائغة بفم إسرائيل وواشنطن بسبب الضغوطات التي تمارس عليها دوليا. يجب ألا تترك الرياض تندفع إلى الانتحار السياسي والسيادي والعسكري أمام الرأي العام السعودي والعربي، كي لا تخسر هيبتها كدولة محورية حاضنة للأمة العربية والإسلامية..

السعودية دولة ذات تأثير كبير في المنطقة، ويجب ألا تساوم على عقيدتها الوطنية والعربية. النبي محمد صلى الله عليه وسلم طبّع مع اليهود وعاملهم بالحسنى، لكن يهود الأمس لم يحتلوا أرضه ولم يدمروا 450 قرية ولم يشردوا أهل المدينة.

هناك من يرى في إسرائيل مخلّصاً، لكن السعودية ليست بحاجة لمخلّص ولا لتطبيع كي تكسب شرعية، فشرعيتها منحها الشعب السعودي إلى الملك سلمان وولي عهده وهيئة البيعة. فلا قوانين ولا قرارات الكونجرس الأمريكي استطاعت النيل من الرياض ومن مكانتها في المنطقة والعالم.

إسرائيل دولة خارجة عن القانون

هل التزم الجانب الإسرائيلي سابقا بتطبيق قرارات مجلس الأمن التي تخص حل الدولتين، ولنأخذ مثالا القرارين 242 و194؟ بعيدا عن مقولة الصهاينة بأنه لا يوجد شريك للسلام، هل يمكن الوثوق بإسرائيل وبالتزامها بمواثيق وقوانين دولية عبر خبرة الفلسطينيين معها؟

ما زالت مبادرة الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز قائمة، التي تنص على أن الأرض مقابل السلام. فعلى ماذا نراهن؟ على تصدير رؤوس أموال الخليج لإنعاش الاقتصاد الإسرائيلي مقابل الشرعية؟ لذا التطبيع بالنسبة لإسرائيل هو استغلال لا سلام.

باتت إسرائيل بأمسّ الحاجة لبناء اقتصاد قوي عبر استغلال وشرعنة سرقة خيرات الخليج، واحتلال أسواقه بقوة التطبيع، فأوروبا مُكلفة، والجدير بالذكر هو أن إسرائيل تأخذ ولا تعطي.

بدأت إسرائيل مفاوضات مباشرة مع الإمارات لبيع طائرات الدرون من أجل استخدامها في اليمن ودول أخرى، إضافة لبيعها برنامج Pegasus وأجهزة تجسس عالية الجودة إلى الإمارات، فهل نضمن عدم تجسس إسرائيل مباشرة على المواطنيين الخليجيين والعرب وعلى حكام المنطقة لابتزازهم لاحقا؛ من أجل تقويض سيادتهم وقراراتهم السياسية؟

هل نسعى إلى إطلاق الرصاص الحي على أنفسنا بسلاح المال والاستثمار الذي ترعاه إسرائيل بحجة الخطر الإيراني على أمننا؟ أعلم أن دول الخليج ستتحول تدريجيا إلى دول مستهلكة للبضاعة الإسرائيلية، الأمر الذي سيحول دون ازدهار الصناعات المحلية واستثماراتها، في الوقت التي تُضخ فيها أموال الخليج خارجا لبناء التكنلوجيا الإسرائيلية.

حتما سنصبح كالولايات المتحدة التي اعتمدت على الصين في التصنيع خلال العقدين الماضيين، بعد أن فشلت واشنطن في تطويق أزمة الاستهلاك المفرط خلال أزمة "كوفيد 19".

يتمحور هاجس إسرائيل وحلمها التاريخي في الهيمنة الاقتصادية والعسكرية في الخليج العربي، والتمكن من دخول أسواق الخليج العربي لتسويق منتجاتها سواء الخفيفة أو الثقيلة في التكنولوجيا والمعدات الحربية، لكن الفضيحة المثيرة هي أن إسرائيل مدانة بسرقة براءات اختراع في تصنيع الأسلحة من شركات أمريكية، إذ إن نسبة ثلاثة أرباع براءات الصناعات الإسرائيلية سُرقت بحرفية من شركات أمريكية، ثم قامت إسرائيل بتعديلها وتصنيعها ثم بيعها في السوق الأمريكية للعرب، على أنها أسلحة أمريكية (بالعربي الفصيح حلقة خبيثة مفرغة). شكاوى البنتاغون بهذا الشأن لا تحصى، ويمكن للقارئ أن يطّلع عليها. أضف إلى ذلك أن إسرائيل لن تسمح لأية دولة خليجية بامتلاك ترسانة حربية تتفوق عليها، وإلا لكانت قد مدت مصر والأردن بسلاح متطور. وهذا موقف الحزب الديمقراطي أيضا، الذي جدد أخيرا مطلبه وطالب بإمداد إسرائيل بأسلحة نوعية متفوقة على دول المنطقة.

تؤدي الجغرافية السياسية دورا مهما في إدراك استراتيجية المستقبل في المنطقة والأزمة التي سيخلّفها التطبيع مع الخليج على المدى الطويل؛ فمنذ اندلاع الحرب في اليمن، تتعرض السعودية لقصف مواقعها الحيوية ومنشآتها الحساسة، كما حصل في بقيق باستهداف شركة أرامكو من قبل الحوثيين، حلفاء إيران، وجاء رد واشنطن باغتيال قاسم سليماني. المعادلة بسيطة: الخطر الإيراني لا يزال قائما في اليمن وسوريا ولبنان.

واشنطن تستهدف المصالح الإيرانية في العراق لا أكثر. وفي حال تعرُّض الرياض وحلفائها لضربات عسكرية إيرانية، هل ستدافع تل أبيب عنهم لتضع نفسها في مواجهة عسكرية مباشرة مع إيران؟ أم سيطال القصف مدنا سعودية وسيؤدي تدريجيا إلى حراك شعبي ضد الحاكم الذي طبّع مع إسرائيل؟

إسرائيل وحليفتها واشنطن تحتاجان لقواعد عسكرية خارج أراضيهما لضرب إيران في المنطقة، فقط الأمن القومي الخليجي من سيتأثر بتلك الضربات.

إذا كانت إيران تشكل فعلا خطرا حقيقيا، فلماذا يحاول ترامب تأجيل الاتفاق النووي معها ويجعل منها ذريعة وشماعة لتمرير التطبيع الشامل بين الخليج وإسرائيل على حساب الأمن القومي الخليجي؟

تذكروا جميعا أنه لو سقطت السعودية سيسقط الخليج برمته! ويجب ألا ننخدع بأن إسرائيل التي هُزمت في 2006 في الجنوب البناني ولم تستطع القضاء على حماس حتى اللحظة، سوف تدافع عن الخليج أمام إيران التي تسعى لامتلاك سلاح نووي وتمتلك صواريخ بالستية طويلة المدى.

شهدنا أن واشنطن لم تحرك ساكنا بعد تعرض بقيق وأرامكو والمنشآت النفطية لهجوم، ولم تسارع لمساندة السعودية بعد الهجوم! واشنطن قادت حروبا فاشلة، والدليل على ذلك حرب أفغانستان التي دامت 18 عاما، وانتهت بتحول طالبان من حركة إرهابية إلى شريك سلام! والعراق دمره مستشارو بوش الذين كان غالبيتهم من اليهود الأمرييكيين، وكان همهم الوحيد استعادة أمجاد اليهود في العراق وترميم المعابد اليهودية وترتيب سفرات لليهود من أجل الحج إليها .

في النهاية، نحن بحاجة إلى حلول للخروج من الأزمة الراهنة عبر إعادة بناء جامعة الدول العربية دبلوماسيا واقتصاديا وعسكريا، على أمل أن تبقى السعودية القوة الإقليمية القادرة على لم الشمل العربي وترتيب البيت العربي.
التعليقات (0)