قضايا وآراء

مخيم اليرموك يدفع ثمن إذلاله لمنظومة الأسد

غازي دحمان
1300x600
1300x600
بعد عامين على الحرب المدمرة التي خاضتها منظومة الأسد على مخيم اليرموك، بذريعة طرد تنظيم "داعش" منه، أصدرت محافظة دمشق مخططاً تنظيمياً جديداً للمخيم، على أساسه سيتم تحويله إلى منطقة استثمار تتولاها شركات الإعمار، ما يعني ليس فقط تغيير هوية المخيم وتدعيم الرواية الصهيونية بأن الفلسطينيين ليسوا لاجئين بل مقيمين، فضلاً عن حرمان سكانه من حق العودة إليه.

في السنوات السابقة شكّل دخول "داعش" إلى اليرموك لغزاً عسكرياً محيّرا، إذ إن المنطقة محاطة من كل جهاتها بقوات النظام والمليشيات الرديفة، بالإضافة إلى المليشيات العراقية والأفغانية، ولم يكن لداعش وجود في كامل محيط دمشق باستثناء جيب اليرموك. وقد أعطى هذا الوجود مبرراً للنظام لتدمير المخيم بشكل ممنهج، كما أن تأخير طرد "داعش" منه (وبالمناسبة لم يكونوا سوى فصيل صغير بتسليح رديء) إلى هجرة أعداد كبيرة من سكان اليرموك باتجاه أوروبا.

يقال إن لجنة شكّلها نظام الأسد، من نخبته الأمنية ورجال أعماله ومقاوليه، لبحث كيفية الاستفادة من المناطق التي شكّلت حواضن الثورة وتم تهجير سكانها. وتوافقت آراء عناصر اللجنة على أن اليرموك يقع في قلب دمشق وقريب جداً من مركز العاصمة التجاري، ومن غير المنطقي منحه للفلسطنيين، الذين سيتم تصنيفهم بعد انتصار النظام ضمن الفئات المهزومة في الحرب، والذين ستنعكس الهزيمة على وضعهم الاجتماعي، وعلى أساسها سيتم تقرير أماكن سكنهم، ربما في مناطق بعيدة عن العاصمة وضمن عشوائيات بائسة جديدة.

يقوم تنفيذ هذه الخطة على تكتيك جديد يتناول إعادة تعريف اليرموك، على أنه أرض سورية تم منحها لمؤسسة اللاجئين الفلسطنيين للإقامة المؤقتة، حيث تبقى الأرض ملكاً للدولة السورية فيما يتم تعويض سكان اليرموك على الهياكل التي تم بناؤها، وإن أرادوا البقاء في اليرموك؛ فعليهم شراء وحدات سكنية في مناطق التنظيم الجديدة بالأسعار التي ستقررها شركات البناء، مع ملاحظة أن التعويضات الممكن دفعها لا تساوي أكثر من 5 في المئة من سعر الأبنية الجديدة، في وقت باتت غالبية سكان اليرموك ضمن نسبة الـ90 في المئة من السوريين المصنفين في خانة الفقر والعوز.

ثمّة قناعة لدى الكثيرين، فلسطينيين وسوريين، أن منظومة الأسد انتهزت فرصة الحرب لتصفية حساب طويل وعميق مع اليرموك، إذ طالما شكّل هذا المخيم رمزاً للتمرد على أشكال الظلم، صحيح أنه كان رمزاً للتهجير الصهيوني، لكنه انطوى أيضاً على وعي بالظلم والقهر بمختلف مصادره وأشكاله، حيث جمع المخيم كل التيارات والتوجهات السياسية والاجتماعية السائدة في المنطقة، يساريين وليبراليين وإسلاميين، من فلسطينيين وسوريين. إذ يندر وجود مثقفين سوريين دون عيشهم لفترة على المخيم أو ترددهم عليه، بحكم الحالة الثقافية في المخيم، وما وفرته الفصائل من منابر إعلامية ومناخ ثقافي سياسي.

غير أن مشكلة منظومة الأسد لا تقف عند هذا الحد، إذ أنها تعمّدت معالجة إفرازات المخيم الثقافية والسياسية عبر اعتقال كل من يثبت له نشاط سياسي وإعلامي من الفلسطنيين والسوريين، وقد طالت الاعتقالات آلاف الأشخاص من جميع التيارات وعلى مدار أكثر من جيل.

تتمثل مشكلة المشاكل بالنسبة لمنظومة الأسد مع مخيم اليرموك، برفض المخيم الإقرار بأن نظام الأسد مقاوم وقومي، ولم تنفع دعاية المنظومة الأسدية ولا إرهابها بفرض الاعتراف به كمقاوم. بل على العكس، كان المخيم دائما يكشف أكاذيبه عندما يتظاهر ضد مجازره في مخيم تل الزعتر وضد حربه على الثورة الفلسطينية في لبنان، وإغلاقه لحدود الجولان ومنع أي مقاومة عبرها، وكذلك رعايته لأكبر سجن في العالم، يوازي السجون الإسرائيلية، لاعتقال وتعذيب النشطاء الفلسطينيين، فرع فلسطين وتوابعه.

لم ولن ينسى نظام الأسد أن اليرموك رفض في سنوات الثورة السورية أن يكون بندقية ضد أشقائه، ورغم ضغط منظومة الأسد ودعايتها بأن هذه الثورة انحراف عن بوصلة تحرير فلسطين، في محاولة لإخراج شعب اليرموك وإرغامهم على الوقوف معه.. إلا أن مخيم اليرموك أبى إلا أن يكون ملجأ لكل لاجئ هارب من قصف أسلحة الأسد، من حمص وأحياء دمشق الجنوبية، فكان لا بد من قصفه بالطائرات وتدمير المعبد (جامع عبد القادر الحسيني) على رأس اللاجئين ومستضيفيهم.

رفض اليرموك وكلاء منظومة الأسد وخدمها، من فصائل هامشية، كالقيادة العامة التابعة لأحمد جبريل ومنظمة الصاعقة وسواها، تعامل باحتقار وتهميش مع هؤلاء، فرفض الاعتراف بفلسطينيتهم، وعاملهم كمرتزقة خونة لقضيتهم، وتثبت شهادة خالد نجل أحمد جبريل ضد سكان المخيم وتشفيه منهم؛ هذه الحقيقة.

تنتهز منظومة الأسد الفرصة لمعاقبة اليرموك وشعبه، ولن يضيّع هذه الفرصة، فلم يذلّه أحد، بقدر ما أذلّه شعب اليرموك، ومعروف كيف يكون عقاب الأنذال عندما تأتي الفرصة إليهم.

twitter.com/ghazidahman1
التعليقات (0)