قضايا وآراء

سوريا.. ماذا بعد تقرير منظمة حظر الأسلحة الكيميائية؟

حسين عبد العزيز
1300x600
1300x600

شكل تقرير منظمة حظر الأسلحة الكيميائية (8 نيسان / إبريل) تطورا مهما على صعيد تحميل النظام السوري المسؤولية عن جريمة استخدام غاز السارين والكلور في ثلاثة حوادث منفصلة في منطقة اللطامنة بمحافظة حماة.

لقد تحول هذا التقرير إلى وثيقة قانونية ذات شرعية دولية تدين النظام السوري لمساءلته قانونيا.

كما تكمن أهمية التقرير في كشفه امتلاك النظام السوري أسلحة كيميائية بشكل رسمي، خلافا لإدعاءاته المستمرة بأنه لم يستخدم السلاح الكيميائي، وأن جميع المخزونات من هذه المواد أخرجت من سورية تحت إشراف منظمة حظر الأسلحة الكيميائية. 

وقد صرح المدير العام لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية فرناندو أرياس في الخامس من تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي بأنّ المنظمة ما زالت تنتظر ردودا على أسئلة بشأن ترسانة سوريا.

وقبل ذلك، أعلنت المنظمة في شهر آب (أغسطس) أن إعلان النظام السوري حول ترسانته للأسلحة الكيميائية لا تزال تشوبه نواقص واختلافات وتباينات.

لكن، الأكثر أهمية هو أن التقرير شكل نقلة مهمة جدا في تعاطي المجتمع الدولي مع الملف الكيميائي السوري، عبر إخراجه من دائرة التسييس (مجلس الأمن) إلى الدائرة القانونية ـ الجنائية (منظمة حظر الأسلحة)، بعد سنوات من إصرار روسي على عدم منح منظمة حظر السلاح الكيميائي صلاحيات تحديد المسؤولية لمستخدمي الأسلحة الكيميائية، وحصر هذه الصلاحية بيد مجلس الأمن فقط.

 

هل يمكن أن يؤدي تقرير المنظمة الكيميائي إلى تغيير في طريقة تعاطي المجتمع الدولي مع النظام السوري؟ أم أن المسألة ليست سوى مراكمة ملفات ووثائق لاستخدامها في وقت لم يحن بعد؟

 



فعلى مدار السنوات السابقة، اكتفت منظمة حظر السلاح الكيميائي بتحديد ما إذا كانت الأسلحة الكيميائية قد استخدمت أم لم تستخدم، ولم تتعد ذلك إلى تحديد الجهة المسؤولة.

ماذا بعد ذلك؟ هل يمكن أن يؤدي تقرير المنظمة الكيميائي إلى تغيير في طريقة تعاطي المجتمع الدولي مع النظام السوري؟ أم أن المسألة ليست سوى مراكمة ملفات ووثائق لاستخدامها في وقت لم يحن بعد؟

من الناحية القانونية ثمة أربعة طرق لمعاقبة النظام:

1 ـ يستطيع مجلس الأمن الدولي إحالة ملف السلاح الكيميائي الى محكمة الجنايات الدولية باعتباره جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية، وفق المعاهدات الدولية ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية استنادا للمادة 13 من نظام المحكمة الجنائية الدولية.

كما يمكن لمجلس الأمن التحرك وفقا لمنطوق الفقرتين 15 ـ 16 من القرار الدولي الخاص بسوريا 2018.

2 ـ تستطيع الجمعية العامة للأمم المتحدة اللجوء إلى قرار الاتحاد من أجل السلام 377 لعام 1950.

ولم يتم اللجوء إلى قرار الاتحاد من أجل السلام إلا في حالات معدودة إثر فشل مجلس الأمن في التوصل إلى إجماع: الحرب الكورية 1950، العدوان الثلاثي على مصر 1956، إنشاء قوات طوارئ دولية 1956 التابعة للأمم المتحدة في الشرق الأوسط، تدخل حلف وارسو في هنغاريا 1958.

3 ـ تستطيع أي دولة موقعة على نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية الطلب من المدعيّ العام للمحكمة الجنائية الدولية بمباشرة التحقيقات بالملف، عملا بالمادة 14 من نظام المحكمة الجنائية الدولية.

لكن مشكلة هذا الاتجاه، يكمن في أن نظام المحكمة الجنائية الدولية، يمنع سماع الدعوى إذا كانت منظورة أمام محكمة أخرى.

4 ـ تحالف إنساني دولي يتجاوز مجلس الأمن، يهدف إلى حماية المدنيين السوريين من الأسلحة الكيميائية والبراميل المتفجرة، كما جرى نهاية التسعينيات حين تدخل حلف شمال الأطلسي لحماية المدنيين من عمليات القتل والتطهير في يوغسلافيا.

 

على مدار السنوات السابقة، اكتفت منظمة حظر السلاح الكيميائي بتحديد ما إذا كانت الأسلحة الكيميائية قد استخدمت أم لم تستخدم، ولم تتعد ذلك إلى تحديد الجهة المسؤولة.

 



غير أن الأمر يختلف من الناحية السياسية، فبدون إرادة سياسية لا يمكن أن تصبح هذه الطرق واقعا متحققا، لأن المعطيات الدولية في هذه المرحلة لا تسمح باعتماد أي من الحلول الثلاثة لمعاقبة النظام السوري.

الولايات المتحدة ليست في واردة شن عمليات عسكرية من أجل هذه المسألة، فهي تعلم منذ سنوات أن النظام استخدم السلاح الكيميائي ضد المدنيين وأنه ما يزال يمتلك أسلحة كيميائية، وهو ما صرح به وزير الخارجية مايك بومبيو "يحتفظ النظام السوري بكميات كافية من المواد الكيميائية، لا سيما السارين والكلور، وخبرة من برنامج الأسلحة الكيميائية التقليدية لاستخدام السارين في إنتاج ونشر ذخائر من الكلور، وتطوير أسلحة كيميائية جديدة".

وعليه، لن يحدث في المدى المنظور وربما المتوسط حدوث تغيرات في التعاطي الأمريكي تجاه هذه المسألة، فالمشكلة الأمريكية ليست في القتل وإنما في طريقة القتل، فلقد تغاضت الإدارتين الأمريكيتين عن القصف المستمر والبراميل المتفجرة وعمليات الإعدام والاعتقالات التعسفية.

ما يهم واشنطن هو عدم استخدام أسلحة كيميائية بهدف منع أنظمة أخرى في العالم على استخدام السلاح الكيميائي.

إن التحركات الأمريكية السياسية والقانونية والاقتصادية ليست بهدف إسقاط النظام بالقوة الناعمة، بقدر ما هي تهدف إلى تغيير سلوكه، ولعل قانون "سيزر" الذي سيدخل حيز التنفيذ بعد شهرين ما يؤكد ذلك، فقد منح القانون الرئيس الأمريكي التخفيف من وطأته إذا ما وجد تغيرا في سلوك النظام السوري.

يدرك النظام السوري هذه المعطيات، ويعتبرها مسائل ثانوية طالما لا يوجد قرار دولي بإسقاطه، ولذلك هو يعتمد سياسته القديمة "اللعب على الوقت" على أمل أن تحدث تغيرات في المشهد الدولي من شأنها أن تنعكس لصالحه، وقد وجد في فايروس "كورنا" ما يدعم نهجه.

*كاتب وإعلامي سوري

التعليقات (0)