قضايا وآراء

لبنان.. هل من أسعد باشا جديد ينقذنا من "الهيركات"

محمد موسى
1300x600
1300x600
لا تزال الأوسط السياسية والاقتصادية اللبنانية في حالة ترقب لما ستحمله الخطة الاقتصادية التي وصفتها الحكومة بخطة الإنقاذ، والتي بات مسار التأجيل هو عنوانها من جلسةٍ الى أخرى ومن أسبوعٍ إلى آخر، على وقع فيروس كورونا والتعبئة العامة في البلاد. غير أن المسرب منها في الإعلام كان كارثيا رغم تبرؤ الحكومة من الطفل اللقيط الذي يدعى "هيركات"، أو ما يعرف بقص الودائع من كافة الأطراف حتى إن رئيس البرلمان قرأ على الهيركات الفاتحة، في إشارة إلى دفنها.

إن مشروع قص الودائع ساقط بكل المقاييس، وهو أداة تدمير فاعلة على الطبقة الوسطى في لبنان والتي هي عنوان أي تنمية اقتصادية قادمة وذلك يسمى ألف وباء الاقتصاد وكأني بالخطة التي تم تسريبها كبالون اختبار انفقع سريعا في وجه من رماه لما سببه من اذى وتعدي وصل الى الشعور بالسرقة الموصوفة للبنان بجناحيه المقيم والمغترب.

ولكن على وقع الاجتماعات التي أعلنت عنها وزيرة الإعلام الدكتورة منال عبد الصمد مع الفعاليات الاقتصادية والصناعية وأهل الحل والعقد للمشاركة في الخطة الاقتصادية، أحببت ان أشارك على طريقتي وأدلي بدلوي في هذا المضمار، بسرد قصة عن أسعد باشا العظم، هو أسعد بن إسماعيل الوزير ابن الوزير. يقال إنه من مواليد معرة النعمان وكان قد وُلي حماة عام 1154 ميلادي، وتميز بأنه أمير مواكب الحج، ويُشهد له بالحنكة والذكاء وحبه للبسطاء من الناس.


وتروى عن أسعد باشا الحكاية التالية التي تعطي فكرة عن شخصيته وما أحوجنا الى أمثالها:

يقال إنه كان في يوم ما بحاجة إلى المال فاقترح عليه المحيطون به أن يفرض "ضريبة" على النصارى وعلى صناع النسيج، فسألهم أسعد باشا: وكم تتوقعون أن تجلب لنا هذه الضريبة؟ من خمسين إلى ستين كيسا.. أجابوا، فقال أسعد باشا: ولكنهم أناس محدودو الغنى فمن أين يأتون بهذا القدر من المال؟ فقالوا يبيعون جواهر وحلي نسائهم يا مولانا! فقال أسعد باشا: وماذا تقولون لو حصلت المبلغ المعلوم بطريقة أذكى من هذه؟!


في اليوم التالي قام أسعد باشا بإرسال رسالة إلى المفتي لمقابلته بشكل سري، وفي الليل وعندما وصل المفتي قال له أسعد باشا: نما إلى علمنا أنك ومنذ زمن طويل تسلك في بيتك سلوكا غير قويم، وأنك تشرب الخمر وتأكل لحم الخنزير وتخالف الشريعة، وأن أسعد باشا في سبيله لإبلاغ الباب العالي في إسطنبول ولكنه فضل أن يخبره أولا حتى لا يكون للمفتي حجة عليه! المفتي المفجوع بما يسمع أخذ يتوسل ويعرض علنا (كما هي الحال هنا) مبالغ مالية على أسعد باشا لكي يطوي الموضوع فعرض أولا ألف ذهبية، فرفضها أسعد باشا، فقام المفتي بمضاعفة المبلغ، ولكن أسعد باشا رفض مجددا، وفي النهاية تم الاتفاق على ستة آلاف ذهبية.


وفي اليوم الثاني قام باستدعاء القاضي وأخبره بنفس القصة، مضيفا أنه يقبل الرشوة، ويستغل منصبه لمصالحه الخاصة، وأنه يخون الثقة الممنوحة له! وهنا صار القاضي يناشد الباشا ويعرض عليه المبالغ كما فعل المفتي، فلما وصل معه أسعد باشا إلى مبلغ مساو للمبلغ الذي دفعه المفتي أطلقه ففر القاضي سريعا وهو لا يصدق بالنجاة!

بعدهما جاء دور المحتسب، وآغا الينكجرية، والنقيب، وشيخ التجار، وكبار أغنياء التجار من مسلمين ونصارى، ثم جمع خواصه الذين أشاروا عليه أن يفرض ضريبة جديدة لكي يجمع خمسين كيسا وقال لهم: هل سمعتم أن أسعد باشا قد فرض ضريبة جديدة في الشام؟ فقالوا: لا ما سمعنا، فقال ومع ذلك فها أنا قد جمعت مئتي كيس بدل الخمسين التي كنت سأجمعها لو استمعت لكم. فتساءلوا جميعا بإعجاب: كيف فعلت يا مولانا؟! فأجاب: إن جز صوف الكباش خير من سلخ جلود الحملان.

وعليه ليت أسعد باشا يأتي إلى لبنان وهو يعلم حقيقة كل الودائع التي استفادت بالمبالغ القياسية خلال فترات الفوائد المرتفعة، والتي بمعظمها تنتمي إلى أقل من واحد في المئة من المودعين المحملين بما يفوق الثمانين مليار دولار. وحبذا أيضا لو أن أسعد باشا يسأل الكثيرين من أهل الحل والعقد من أهل البلاط والسماسرة والمتعهدين، وهم كثر: من أين لكم هذا؟ برأيي أن أسعد باشا سيحصد الكثير من المال، بما يفوق الستين مليار دولار التي تشكل الفجوة الحقيقية في المالية العامة اللبنانية.

بمنتهى الصراحة والوضوح كفى عبثا بودائع اللبنانيين والعرب والأجانب في المصارف اللبنانية، وارحموا الطبقة الوسطى في لبنان أو ما تبقى منها. لا تقتلوا أحلام اللبنانيين في شقة صغيرة في ضواحي بيروت والتي سعرها يفوق حد سيف الهيركات الذي سلط من الخطة أو المسرب منها. لا تقتلوا أحلام أب يطمح في تعليم ولده في جامعة ذات سمعة مرموقة، والتي تقارب تكاليف الاختصاص فيها ضعفي المئة ألف دولار التي تحدث عنها تقرير الاستشاري "لازارد". أيها المجتمعون والباحثون عن حلول ابتدئوا حلولكم بالكف عن المناكدات السياسية والمماحكات في ملفات عالقة تعلمونها جيدا، وأسرعوا إلى حلول عملية ومنطقية عنوانها حساب الفساد وأهله والهدر وأهله، وحكم بعيد عن لغة مكافأة السارقين ولصوص الهيكل والذين تشير إليهم الشاشات اللبنانية يوميا بالإصبع والبنان.

أسعد باشا كم يحتاجك اللبنانيون الضعفاء والجوعى والخائفون على جنى عمرهم من أشباح سطوا على أموال اللبنانيين في ليلة ظلماء وعبثوا بالفوائد وأسعارها في غفلة من الزمان.

إن ملخص الكلام وبدون أرقام مالية وتفصيلات اقتصادية كتبت مرارا: حافظوا على نظام لبنان الليبرالي الحر، والذي يكفله الكتاب (الدستور) كما يحب أن يناديه رجل الدولة الأول في لبنان الرئيس الراحل فؤاد شهاب، وأنجزوا خطة مقبولة من عامة الناس مع صندوق النقد الدولي أو بدونه، بحسب المقتضيات القائمة، ولكن بعيدا عن جيوب اللبنانيين وممتلكاتهم وأرزاقهم. ولنتذكر مقولة أسعد باشا: "إن جز صوف الكباش خير من سلخ جلود الحملان"، فاذهبوا بقرار حاسم نحو الكباش وصوفهم، وكفوا أيديكم عن حملان وجلود اللبنانيين، وما أكثرهم.
التعليقات (0)