هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
خطوة تسبق آلاف الخطوات بدأت
بالكشف عن مبادرة وطنية أطلقها قائد حركة حماس في قطاع غزة، يحيي السنوار، الذي
ذاق من الأسر ما جعله حريصا كل الحرص على قيادة مشروع تحرير الأسرى من سجون
الاحتلال. فالرجل استطاع أن يغير مفاعيل القوة بكافة أدواتها، واستكشاف أنماط
جديدة لمقاومة الاحتلال بكافة الوسائل التي أحدثت تحولا ملموسا في أداء المقاومة
الشعبية والفصائلية وفي مقدمتها حركة حماس، الفصيل الأكبر على الساحة الفلسطينية..
تؤكد هذه الخطوة أن هناك ذكاء في الإعلان عن
هذه المبادرة، من حيث اختيار التوقيت المناسب الذي يتعرض له العالم لجائحة عالمية
قتلت الآلاف ودمرت قطاعات واسعة، منها الصناعية، والتجارية، والسياحية، والصحية...
إلخ، كذلك الحوار المباشر مع أبناء الشعب الفلسطيني من خلال قناة الأقصى الفضائية،
حيث استطاع السنوار أن يجيب على معظم التساؤلات التي طرحت والتي طالما كانت غالبية
المجتمع الفلسطيني بانتظار إجابات لها وبشغف، لا سيما أن يأتي ذلك على لسان قائد
حركة حماس في قطاع غزة.
استثمر السنوار هذه اللفتة المهمة ليعلن عن
المبادرة التي اخترقت مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية وأحدثت هزة سياسية وسط حالة
الفوضى الأمنية التي تسيطر على نتنياهو، نتيجة فشل الاحتلال في السيطرة على وباء
كورونا الذي يتفشى بقوة بين سكان دولة الاحتلال وقتل منهم حتى كتابة هذه السطور ما
يزيد عن 71 إسرائيليا.
حرّك السنوار المياه الراكدة، وألقى بقنبلة من
العيار الثقيل على دولة الاحتلال، والتي اعتبرها البعض هزة في عرش نتنياهو أثقل من
الجائحة التي تهدد حياة الآلاف من الإسرائيليين، وأكثرها خطرا على تشكيل حكومة
الوحدة الوطنية التي سيترأسها نتنياهو في المستقبل القريب بعد موافقة غانتس على
الانضمام في هذه الحكومة.
فهل يستطيع الاحتلال أن يدير هذه المعركة في
ظل أزمة سياسية وأمنية وإنسانية؟ وهل يعتبر الاحتلال أن هذا التوقيت مناسب لإدارة
عملية تفاوضية مع المقاومة؟ وكيف يمكن إدارتها؟ ومن سيرعى عملية التفاوض؟ وهل
الأطراف الدولية المنشغلة في مكافحة وباء كورونا ستمنح الاحتلال فرصة لاسترداد
عافيته لتحرير جنوده الأسرى لدى المقاومة؟
الكثير من التساؤلات ستُطرح على طاولة
نتنياهو، وهو مرغم للإجابة عليها لإقناع قادة الاحتلال بضرورة التقاط الفرصة
وتوظيف تنازلاتها التي قدمتها المقاومة بما يتوافق مع مصالح الاحتلال. إلا أن
القراءة التحليلية لهذه المبادرة تؤكد أن هناك تحديات كبيرة أمام طرفي التفاوض،
منها:
التحديات التي تواجه حركة حماس
ثمة تحديات تواجه حركة حماس بإمكانها أن تعكر
صفو المزاج العام الذي يخيم على أروقة الحركة، والمنبعث من حالة التفاؤل في قدرة
فريق المفاوضات من تحقيق أهداف المبادرة وإطلاق سراح آلاف الأسرى من سجون
الاحتلال، ومن بين تلك التحديات:
1- عدم قدرة الحركة من إجراء مفاوضات مباشرة مع
الاحتلال، وإن كانت من خلال أي وسائل اتصال مرئية تُستخدم في ظل انتشار الوباء
العالمي، لعد نضوج فكرة مشروعية التفاوض المباشر مع الاحتلال، وخشية أن يؤثر ذلك
على الموقف الشعبي من الحركة والذي يرى أن التفاوض المباشر مع العدو يُعد خروجا عن
السياق الوطني. وهي تجربة أثبت فشلها قياسا بتجربة السلطة في التفاوض منذ ما يزيد
عن 25 عاما.
2- عدم استقلالية حركة حماس في التفاوض مع الاحتلال
دون وسطاء، فمصر وقطر والأمم المتحدة أطراف دولية لا يمكن استبعادها من أي عملية
تفاوضية.
3- عدم استقرار الحالة السياسية لدى دولة
الاحتلال، فلم يتم بعد تشكيل حكومة الائتلاف الوطني الإسرائيلي والملزمة بتوقيع أي
اتفاق لتبادل أسرى مع حماس.
التحديات التي تواجه الاحتلال
لا تقل خطورة التحديات التي تواجه الاحتلال عن
تلك التي تواجه حركة حماس، وقد تتقاطع بعض التحديات بين الطرفين لتشكل عقدة أمام
عملية التفاوض، ومن بين تلك التحديات:
1- عدم نجاح نتنياهو في إقناع غانتس والقيادة
الإسرائيلية بضرورة إبرام صفقة لتبادل الأسرى؛ يتم من خلالها إطلاق سراح الجنود
الأسرى لدى المقاومة.
2- عدم قدرة الاحتلال من السيطرة على انتشار
فيروس كورونا، وفرض إجراءات أمنية مشددة على الإسرائيليين، وقد يدخل الكيان في أي
لحظة في مرحلة حرجة للغاية يُعلن خلالها انهيار القطاع الصحي وبعض القطاعات
الأخرى، الأمر الذي سينعكس على عملية التفاوض وإحالة ملف الأسرى لما بعد الجائحة.
3- تشدد حركة حماس في الكثير من التفاصيل الدقيقة
في عملية التفاوض، رغم تنازلها المبدئي، والذي يُعد مدخلا قويا لإجراء التفاوض
وتحقيق تقدم ملموس فيه، باعتبار أن أي صفقة لتبادل الأسرى يجب أن تضمن إطلاق سراح
آلاف الأسرى الأمنيين والمحكوم عليهم بالسجن مدى الحياة وأصحاب المؤبدات، والنساء
والأطفال.
4- حاجة الوسطاء الدوليين لوقت طويل لترتيب هذا
الملف بعد فشلهم في التوصل لرؤية تضمن تنفيذ اتفاق تبادل الأسرى، فهل يوفر
الاحتلال وتوفر حركة حماس مرونة كاملة للوسطاء لتسهيل مهامهم في سبيل إنهاء هذا
الملف قبل نهاية الجائحة كحد أقصى أو مع نهاية هذا العام
ستبقى الأيام كفيلة بالإجابة
على العديد من التساؤلات التي تصعب الإجابة عليها أمام تحديات أقل خسائرها هو فشل
العملية التفاوضية.