هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشر موقع "فورين أفيرز" مقالا لكل من أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن، البروفيسور هنري فاريل، والمحاضر في جامعة جورج تاون، أبراهام نيومان، عن أثر انتشار فيروس كورونا على العولمة، يقولان فيه إن الأزمة الحالية تكشف عن نقاط ضعف في السوق لم يكن أحد يعرف أنها موجودة.
ويقول الكاتبان في مقالهما، الذي ترجمته "عربي21"، إن "فيروس كورونا المستجد يتشكل بطريقة ستكون امتحانا قويا للعولمة، ففي الوقت الذي تتحطم فيه سلاسل الإمدادات، وتحاول فيه الدول توفير المواد الطبية والحد من السفر، فإن الأزمة تدفع لإعادة النظر في الاقتصاد العالمي المترابط، فلم تسمح العولمة فقط بانتشار المرض المعدي، لكنها عززت أيضا من حالة من الاعتماد المتبادل بين الشركات والدول، بشكل جعلها عرضة للصدمات غير المتوقعة".
ويشير الباحثان إلى أن "الشركات والدول تكتشف اليوم مكامن الخطر التي تعاني منها، لكن الدرس الحقيقي من وباء كورونا لا علاقة له بفشل العولمة، بل بكونها هشة رغم منافعها، فعلى مدى عقود أدت جهود الشركات المستمرة للتخلص من الفائض إلى توليد ثروة غير مسبوقة، لكن هذه الجهود خفضت من حجم المصادر غير المستخدمة، ففي الأوقات العادية تنظر الشركات إلى هذه المصادر على أنها مقياس للقدرة الإنتاجية الراكدة، أو حتى المهدرة، لكن وجود موارد غير مستخدمة بكمية كبيرة يجعل النظام هشا في وقت الأزمة".
ويجد الكاتبان أنه "في ظل غياب خيارات إنتاجية آمنة من الفشل فإن هذا يؤدي إلى تحطم سلاسل الإمداد، كما هو الحال في بعض قطاعات الصحة نتيجة لفيروس كورونا، ويتعرض منتجو الإمدادات الطبية لضغوط بسبب زيادة الطلب العالمي، ما أدى إلى تنافس الدول فيما بينها على المصادر، وكانت النتيجة تحولا في ديناميات القوة بين الاقتصاديات العالمية الكبرى مع تلك التي كانت مستعدة لمواجهة الفيروس من خلال حشد المصادر لأنفسهم، أو مساعدة من ليس لديهم، وتوسيع تأثيرها على الساحة الدولية نتيجة لذلك".
ويلفت الباحثان إلى أن "العولمة طالما وصفت بأنها أدت إلى انتعاش السوق العالمية، وسمحت لأصحاب الصناعات ببناء شبكات إمداد مرنة، عبر استبدال مزود أو مكون بآخر في حال اقتضت الحاجة، وفي كتاب آدم سميث (ثروة الأمم) فإن ثروات العالم تكونت من خلال استفادة التجارة من التوزيع المعولم للأدوار في العمل، فالتخصص أنتج الفعالية التي قادت إلى النمو".
ويستدرك الكاتبان بأن "العولمة أدت إلى تبعية متبادلة معقدة، فالشركات التي تبنت شبكات الإمداد العالمية أدت إلى شبكة معقدة من شبكات الإنتاج التي ربطت الاقتصاد العالمي معا، ما سهل إنتاج مكونات منتج معين في عدد من الدول، إلا أن التحرك باتجاه التخصص جعل من عملية الاستبدال أمرا صعبا في بعض الأحيان، خاصة في بعض المهارات أو المنتجات، ومع تحول الإنتاج إلى مستوى عالمي أصبحت الدول مترابطة نتيجة لذلك؛ لأنه لم تعد باستطاعة دولة بعينها السيطرة على البضائع والمكونات التي يحتاجها اقتصادها كلها، ونتيجة لهذا اندرجت الاقتصاديات الوطنية في شبكات التزويد العالمية".
ويبين الباحثان أن "انتشار المرض الناجم عن الإصابة بفيروس كورونا كشف عن هشاشة هذا النظام المعولم، فقطاعات معينة من الاقتصاد، خاصة تلك التي تملك وفرة كاملة، كانت لديها القدرة على تجاوز الأزمة بشكل جيد نسبيا، أما الأخرى فربما عانت من إمكانية الانهيار لو منع الوباء دولة واحدة من إنتاج مكون حيوي يستخدم في منتج، فمثلا عبرت شركات تصنيع السيارات في أوروبا عن مخاوفها من نقص الإلكترونيات الصغيرة؛ لأن شركة صناعة، مثل (أم تي إي أدفانسد أوتوموتيف سليوشنز) أجبرت على تعليق الإنتاج في أحد مصانعها في إيطاليا".
ويفيد الكاتبان بأنه "منذ وقت مبكر كان المصنعون يقومون ببناء مخازن من الإمدادات لحماية أنفسهم في ساعة كهذه، لكن في عصر العولمة، فإن الكثير من التجارات تتبع مقولة رئيس شركة (أبل) تيم كوك، من أن التخزين (هو شر بشكل أساسي)، وبدلا من الدفع لتخزين القطع التي تريدها الشركات، فإنها تعتمد على شبكات الإمداد في (الوقت المطلوب)، لكن في وسط الوباء العالمي فإن (الوقت المطلوب) قد يكون متأخرا، وبسبب المشكلات التي تواجه شبكات الإمدادات فقد انخفض إنتاج أجهزة الحاسوب المحمولة (لابتوب) بنسبة 50% في شباط/ فبراير، أما الهواتف النقالة فإنه سينخفض إنتاجها في الربعية المقبلة إلى 12%، ويتم إنتاج البضاعتين بمكونات منتجة من شركات آسيوية متخصصة".
ويقول الباحثان إن "المصاعب التي تواجه مصنعي الإلكترونيات تعرقل أيضا الكفاح ضد فيروس كورونا، فالإمدادات الطبية الحيوية مثل الكواشف، وهي مكونات رئيسية في معدات الفحص، التي تستخدمها المختبرات للكشف عن فيروس (آر أن إي)، تنفد من مخزون الكثير من الدول، وتسيطر على إنتاج هذه الكواشف شركتان: الشركة الهولندية (أوياجين)، التي اشترتها الشركة الأمريكية (ثيرمو فيشر سيانتيفك)، و(روتش لابوراتيرز) السويسرية، ولم تكن الشركتان قادرتين على تلبية الطلب المتزايد، وكان النقص سببا في نقص معدات الفحص في الولايات المتحدة، التي وجدت نفسها متأخرة عن بقية الدول في شراء المواد الكيماوية التي تحتاجها".
وينوه الكاتبان إلى أن "الحكومات تجد نفسها في وضع سيئ مع انتشار الفيروس، وحتى قبل انتشار كوفيد-19 كانت الشركات الصينية تنتج نصف الأقنعة الطبية في العالم، وزادت الشركات من قدراتها الإنتاجية بسبب الأزمة، لكن الحكومة الصينية اشترت المنتجات من الأقنعة الطبية كلها، في وقت صدرت فيه بعض الأقنعة وأجهزة التنفس إلى الخارج، وكانت الصين بحاجة إليها، لكن شراءها أدى إلى عرقلة استجابة بقية الدول على المرض".
ويقول الباحثان إن "الوضع لم يكن أفضل للدول الأوروبية، ومنعت روسيا وتركيا تصدير الأقنعة الطبية وأجهزة التنفس، وفعلت ألمانيا الشيء ذاته رغم أنها عضو في الاتحاد الأوروبي الذي يمثل (سوقا واحدة) بتجارة حرة لا قيود عليها بين الدول الأعضاء، وقامت الحكومة الفرنسية بعمل بسيط، وهو السيطرة على الأقنعة الطبية كلها، واشتكى المسؤولون الأوروبيون من أن تحركات كهذه تضعف التضامن، وتمنع دول الاتحاد من تبني استراتيجية موحدة ضد الفيروس، وتم تجاهل كلامهم".
ويشير الكاتبان إلى أن "سياسة إفقار الجار هددت بتصعيد الأزمة وتعميقها، وخنقت سلاسل الإمدادات العالمية من المواد الطبية الطارئة، وكانت المشكلة أكثر صعوبة بالنسبة للولايات المتحدة التي تأخرت في تبني رد قوي على الوباء، وكان لديها نقص في العديد من المعدات الطبية التي تحتاجها، ولدى الولايات المتحدة مخزون من الأقنعة الطبية لكن لم يتم تجديده منذ عام 2009، ويحتوي على جزء من الاحتياجات التي تريدها، ولم يكن مستغربا أن يستخدم مستشار دونالد ترامب للتجارة، بيتر نافارو، هذا النقص وغيره لتهديده الحلفاء وتبرير الخروج من اتفاقيات تجارية دولية، وقال إن الولايات المتحدة بحاجة لجلب القدرات الإنتاجية وسلاسل الإمدادات الضرورية للدواء، ولهذا عبرت ألمانيا عن خوفها من محاولة إدارة ترامب شراء لقاح تحت التطوير لمواجهة المرض من الشركة الألمانية واستخدامه في أمريكا، وتفكر برلين بتقديم عطاء مضاد أو منع الولايات المتحدة من توقيع عقد".
ويلفت الباحثان إلى أنه "في الوقت الذي استخدمت فيه إدارة ترامب للخروج من الاندماج الدولي، استخدمت الصين الأزمة لإظهار قدرتها على القيادة العالمية، وعانت الصين بصفتها أول بلد يضربه الفيروس من ثلاثة أشهر صعبة، لكنها الآن تتعافى في وقت يواجه فيه بقية العالم الوباء، وهذا يمثل مشكلة للشركات الصينية التي عادت للإنتاج، لكنها قد تجد أن الطلب على منتجاتها سيكون قليلا من الدول التي تواجه الوباء، ورغم الأخطاء التي ارتكبتها الصين في البداية، وأدت إلى وفاة آلاف الأشخاص، إلا أنها تعلمت كيف تواجه الفيروس الجديد، خاصة أن لديها مخزونا كبيرا من المعدات ونشرتها واستخدمتها بمهارة".
وينوه الكاتبان إلى أن "إيطاليا طلبت من دول الاتحاد الأوروبي، في بداية آذار/ مارس، معدات طبية طارئة؛ لأن النقص في المعدات جعل الأطباء يتخذون قرارات مؤلمة حول المريض الذي يجب إنقاذه، ولم يستجب أي بلد لطلبها، لكن الصين سارعت لمساعدتها، وعرضت بيع معدات التنفس والأقنعة الطبيعة وبدلات وقاية، وكما قال الخبيران الطبيان راش دوشي وجوليان غوريتز، فإن الصين حاولت تصوير نفسها على أنها قائدة عالمية تقاتل ضد فيروس كورونا المستجد، وتقوم بتقديم بادرة حسن نية، وتوسع تأثيرها".
ويرى الباحثان أن "هذا يمثل وضعا محرجا لإدارة ترامب، التي كانت بطيئة في ردها على الفيروس، والتي اعتقدت أن منع المسافرين من أوروبا هو الحل الوحيد للدفاع عن نفسها ضد فيروس دخل إلى الأراضي الأمريكية، وبدلا من أن تكون قائدة تنشر حسن النوايا في العالم فإنه لم تكن لدى أمريكا إلا كميات صغيرة من المصادر التي يمكنها تقديمها لبقية دول العالم، وربما حصلت أمريكا على كرم الصين، وعرض الملياردير جاك ما مؤسس (علي بابا) التبرع بـ500 ألف جهاز فحص وملايين الأقنعة الطبية".
ويفيد الكاتبان بأنه "في الوقت الذي يواجه فيه قادة العالم فيروس كورونا فإن عليهم مواجهة حقيقة أخرى، وهي أن الاقتصاد العالمي لا يعمل بالطريقة التي ظنوا أنه يعمل بها، فالعولمة تعني التخصص في العمل والمهام بين الدول، وهو نموذج خلق فاعلية كبيرة، لكنه حمل معه مكامن ضعف، وكشفت صدمات، مثل كوفيد-19، عن هذه المكامن، فمزود واحد في العالم أو مناطق متخصصة بمنتج معين قد يخلقان وضعا هشا أو أزمات، ما يعني كسر سلاسل التزويد، وسيتم الكشف عن هذه المكامن في الأشهر المقبلة".
ويختم الباحثان مقالهما بالقول: "ستكون النتيجة تحولا في السياسة العالمية، فالدول التي تحاول حماية مواطنيها قد تقرر منع التصدير، أو السيطرة على الإمدادات الحيوية حتى لو عنى هذا الإضرار بالجيران والحلفاء، ومن هنا فإن التراجع عن العولمة يعني أن السخاء سيكون أداة قوية لمن يستطيع القيام بها، وفي الأزمة الحالية لم تكن أمريكا قائدة في مجال الرد الدولي، وتخلت على الأقل عن جزء من دورها للصين، ويقوم هذا الوباء بإعادة تشكيل الجيوسياسية والعولمة، لكن الولايات المتحدة لا تتكيف مع الوضع، فهي مريضة وتختبئ تحت البطانية".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)