هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
خصصت صحيفة "نيويورك تايمز" افتتاحيتها، التي جاءت تحت عنوان "ها هو وباء فيروس كورونا قد جاء"، للحديث عن موضوع فيروس كورونا، قائلة إن العالم يواجه النار بعد محاولاته تجاهلها.
وتبدأ الصحيفة افتتاحيتها، التي ترجمتها "عربي21"، بالقول إن "العالم في عام 2002 واجه موجة فيروس سارز، الذي اعتبر قفزة مصيرية من الخفافيش إلى القطط وإلى الإنسان، وحذر خبراء الصحة العالمية من أنه نذير للأشياء القادمة: فالتغيرات المناخية والعولمة تتعاونان من أجل جعل أمراض الحيوانات تتحول بسهولة لتصبح أمراضا بشرية جديدة، والمسألة هي مسألة وقت عندما يتحول مرض منها إلى كارثي قبل أن يتحرك العالم لتجنب الآثار السيئة، هذا لو تم البدء في التخطيط المبكر له".
وتستدرك الافتتاحية بأنه "تم احتواء مرض سارز بشكل سريع؛ لأن الفيروس كان قاتلا بدرجة يمكن اكتشافه بسهولة، واختفى المرض من الوعي الإنساني، وبالتالي تراجعت الحالة الملحة لمواجهة دورات قاتلة في المستقبل".
وتشير الصحيفة إلى أنه "في عام 2009 عندما ظهرت إنفلونزا الخنازير أول مرة في الولايات المتحدة تتبع الباحثون أصل المرض إلى مزرعة خنازير في المكسيك، ودعا الباحثون إلى أهمية إعداد خطة طويلة الأمد، خطة فاعلة وليس رد فعل، ومرة أخرى اختفت الأخبار وكذلك تم تبادل الاتهامات، ومرة أخرى كانت موجة إنفلونزا الخنازير خفيفة واختفت مرة أخرى من اهتمام الرأي العام".
وتلفت الافتتاحية إلى أن دورة الفزع والنسيان عادت مرة أخرى عام 2014 مع انتشار مرض إيبولا في غرب أفريقيا، وقام الرئيس باراك أوباما بإنشاء مكتب جديد للطوارئ لتحسين جهود الرد الفيدرالي، وقامت إدارته بالإعلان عن مبادرة دولية لمساعدة الدول التي تعد أكثر عرضة لمخاطر المرض والفقيرة لتكون مستعدة لمواجهة موجات جديدة، وبحلول عام 2018 توقف التقدم الذي حصل، وتم حل المبادرة ووقف الصندوق حتى مع اندلاع موجة جديدة لإيبولا في جمهورية الكونغو الديمقراطية".
وتقول الصحيفة: "ها نحن أمام موجة جديدة، ففي كانون الأول/ ديسمبر اندلعت موجة جديدة لفيروس سارز- سي أو في-2، الذي قفز من الحيوان إلى الإنسان، وأصاب الفيروس حتى الآن 83 ألف شخص حول العالم في أكثر من 50 دولة، ومات حتى الآن 3 آلاف شخص، معظمهم في الصين حيث انتشر المرض، ومرة أخرى دق خبراء الصحة العالمية ناقوس الخطر، ولا أحد يعرف الوضع ومدى السوء هذه المرة، فمرض كوفيد-19 الذي يتسبب به الفيروس يعد قاتلا بنسبة 7- 20 من حالات البرد الموسمية، التي تقتل على مستوى العالم ما بين 300 إلى 650 ألف شخص، لكن هذه الوفيات قد تبدو متواضعة لو تبين أن الكثير من الحالات لم يتم الكشف عنها".
وتبين الافتتاحية أن "هذا لا يعني أن سارز سي أو في-2 انتشر بسهولة أكبر من سارز والبرد الموسمي، ومن الصعب اكتشافه، وهو نوع من الفيروس الذي يصعب احتواؤه حتى في أفضل الأوضاع، والعالم ليس في وضع أفضل السيناريوهات ليواجه المرض، فتصاعد القومية وتراجع الثقة والحروب التجارية، كلها قوضت التعاون بين القوى العظمى، وهذا كله وسط استشراء عمليات التضليل وتنامي الشك في العلم الذي يعرقل فهم الرأي العام للأزمة ورد الحكومات عليها".
وترى الصحيفة أن "الولايات المتحدة التي تواجه انتخابات رئاسية قامت بتسيس ما يجب أن يكون أولوية صحية، ففي يوم الثلاثاء حذرت مديرة المركز الوطني للحصانة وأمراض التنفس، الدكتورة نانسي ميسنيور، من أن وباء عالميا بات محتوما، ودعت الرأي العام الأمريكي لتحضير نفسه لآثاره، وفي اليوم ذاته قال رئيسها دونالد ترامب إن الأمور تحت السيطرة".
وتنوه الافتتاحية إلى أن "ترامب طلب ميزانية 2.5 مليار دولار لمواجهة كوفيد-19، وهو مبلغ أقل من ذلك الذي طلبه الخبراء، 15 مليار دولار، وقام ترامب باختيار نائبه مايك بنس، الذي فشل بصفته حاكما لولاية إنديانا بالرد على اندلاع موجة أتش آي في، التي أدت إلى حالات إصابة كان من الممكن منعها، واستبعد ترامب الدكتور أنتوني فوشي، الذي يعد من أطول المديرين خدمة من الذين عملوا في المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية، وقاد البلاد منذ عام 1984 في كل وضع واجهت فيه انتشار مرض معد".
وتجد الصحيفة أن "هناك إمكانية لأن يكون مرض كوفيد-19 مجرد اختبار ناري، وليس نيرانا حقيقية، فانتشاره على مستوى العالم بات حقيقة، إلا أن هناك الكثير من الأمور المجهولة حوله: فهل سيكون المرض معديا، لكن بدرجة متواضعة، أو قاتلا بدرجة أقل من الفزع الحالي؟ وهل سيظهر ميلا للتراجع مع حلول المواسم الدافئة؟ وهل سيتمكن الباحثون من إنتاج حقنة له بشكل سريع؟ ويقول فوشي إن لقاحا قد يكون متوفرا خلال شهرين وسيطرح في السوق بعد عام، وستؤدي هذه التطورات إلى كسر حالة الخوف حول العالم والأسواق المتراجعة بسبب انتشاره".
وتقول الافتتاحية: "لو انخفض مستوى الخوف الأشهر القادمة، وهو ما لا يتوقعه الباحثون، فعلى العالم تذكر ما نسيه في موجات سابقة، وهو ظهور عامل مسبب للمرض، وقد يكون أكثر خطورة من الذي سبقه، ولو كنا غير محظوظين فسيكون الأسوأ الذي تشهده الإنسانية في ذاكرتها".
وتفيد الصحيفة بأن "ما هو واضح بالتأكيد، فإنه رغم التحذيرات في السنوات السابقة فإننا لا نزال غير مستعدين لمواجهة موجات من الأوبئة، ليس في الصين التي تواصل فيها الأسواق، وبعد عقدين من سارز، بيع الحيوانات الحية، فيما يواصل النظام المستبد عرقلة نشر المعلومات الحقيقية حول مرض معد، وليس في أفريقيا، التي لا تزال تفتقد السلطات الصحية فيها القدرة على مواجهة الأزمات، وتعاني دولها من الاضطرابات والعنف، ولا في الولايات المتحدة التي فقدت التزامها لمواجهة الوباء بسبب القطع في الميزانية وصعود القومية".
وتقول الافتتاحية: "صحيح أن تقدما قد حصل في إنتاج اللقاحات وبسرعة لم يشهدها التاريخ، في وقت صححت فيه منظمة الصحة العالمية الكثير من مظاهر القصور السابقة التي عرقلت ردها على موجات سابقة من الوباء، إلا أن أمريكا تخلت عن دورها بصفتها قائدة عالمية، فيما سارعت دول أفريقية وأوروبية لملء الفراغ الذي تركته، إلا أن كوفيد-19 يعني أن هناك الكثير مما يجب فعله".
وترى الصحيفة أن "السلطات الفيدرالية فشلت في الرد مباشرة على كوفيد-19، خاصة بما يتعلق بالإمدادات التي يجب توفيرها، الغذاء والدواء، وهناك حاجة للاستثمار في وزارات الحكومة الصحية، فهي تقف على جبهة المواجهة لأي أزمة صحية، وهي تعاني من أزمة تمويل ومن ضغوط كبيرة، وليست لدى الغالبية منها القدرة على الوقوف أمام وباء، فهي لا تستطيع القيام بالتشخيص السريع، ولا ملاحقة المصابين، أو توعية الرأي العام ومواجهة حملات التضليل دون تمويل وقدرات بشرية".
وتدعو الافتتاحية أيضا إلى تمويل الوكالات الفدرالية، فـ"مواجهة الوباء تعني توفير اللقاحات والمواد الطبية، وهناك حاجة للتشخيص المتقدم للأمراض، ولا يمكن عمل هذا دون البحث الفيدرالي والرقابة".
وتشير الصحيفة إلى أن ترامب طالب بقطع التمويل عن مراكز أبحاث السيطرة على الأمراض ومنعها، وعن معاهد الصحة الوطنية، وخفض البرامج التي تقوم بدراسة الأمراض المعدية في الدول النامية، بما في ذلك التي تهدف لدراسة فيروسات، مثل كوفيد-19.
وتختم "نيويورك تايمز" افتتاحيتها بالقول إن "سياسة عزل أمريكا عن بقية الدول ليست ناجعة؛ لأن المرض لا يحترم الحدود، وأفضل طريقة لمنع الوباء القادم هي من خلال مساعدة الدول الأخرى، مهما كانت، لتكون قادرة على مقاومة عدو مشترك قبل أن تضطر أمريكا لمواجهته على أراضيها".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)