مقالات مختارة

ماذا يخشى "حزب الله" في لبنان بعد اغتيال سليماني؟

أحمد عيّاش
1300x600
1300x600

في الساعات الماضية، استعاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في خطابه السنوي حول حالة الاتحاد، ما حدث في الثالث من كانون الثاني الماضي، عندما قتلت الولايات المتحدة قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني بطائرة دون طيار قرب مطار بغداد في العراق. وسبق لترامب أن جاهر بعملية الاغتيال. فهل في الأمر، دعاية انتخابية أم أن هناك أيضا هدفا آخر؟

في معلومات لـ"النهار" من أوساط شيعية على اطلاع على شؤون "حزب الله" أن في بيئة الأخير "ارتياب" من وجود تفاهم أمريكي- روسي تصل مفاعيله إلى لبنان. وهذا "الارتياب" يتعمّق يوما بعد يوم، معززا بشواهد من تطورات سوريا التي شهدت أخيرا مصرع القائد العسكري في الفيلق أصغر باشابور، الذي كان يوصف بأنه أهم مساعد ومقرّب من سليماني في سوريا.


يقول ترامب في خطابه الأخير، إن إدارته تعمل على "إنهاء الحروب في الشرق الأوسط وإعادة جنودنا للوطن". لكن ما لم يقله الرئيس الأمريكي، إن الفراغ الذي سيتركه الانسحاب العسكري الأمريكي من المنطقة، سيتم تعبئته بقوى أخرى.

 

وإذا كانت إيران، هي المرشحة من بين قوى أخرى لملء هذا الفراغ، فإن الخسائر التي منيت بها طهران ولا تزال في نطاق نفوذها في المنطقة، تعطي أهمية لحالة "الارتياب" لدى "حزب الله" المشار إليها آنفا.

ما صدر من مقالات في الصحافة الروسية في المرحلة التي تلت مقتل سليماني، كشف عن توجهات روسية غير مسبوقة حيال الدور الروسي في المنطقة عموما وسوريا ولبنان عموما. فهل من معطيات محلية تلاقي ما ورد في هذه المقالات؟

مصادر مواكبة لهذه التطورات، لفتت عبر "النهار" إلى ما أدلى به رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بعد لقائه الأخير قبل أسابيع  مع الرئيس سعد الحريري في بيت الوسط، عندما أشار إلى ما يمكن تنفيذه من مشاريع في الشمال، محددا مصفاة طرابلس التي صارت بعهدة شركة روسية. وتساءلت هذه المصادر عما إذا كان موقف الزعيم الاشتراكي مرتبطا بدور ما لموسكو بالحكومة الجديدة التي يترأسها حسان دياب؟

في سؤال لـ"النهار" إلى أوساط قريبة من لقاء بيت الوسط، حول أبعاد ما أدلى به جنبلاط بشأن الدور الروسي الاقتصادي في لبنان، فأجابت: "لا يمكن إغفال العلاقة الخاصة التي تربط الحريري بالقيادة الروسية ولا سيما مع الرئيس فلاديمير بوتين. لكن، هل هذه العلاقة وراء ما أدلى به جنبلاط، وكذلك وراء الموقف الذي صدر لاحقا عن الحريري الذي منح حكومة دياب فرصة قبل الحكم لها أو عليها؟" لم تشأ هذه الأوساط الذهاب إلى جواب جازم، سلبا أم إيجابا على هذا السؤال.

غير أنه في جعبة المصادر، ما يؤكد على عمق العلاقة التي تربط بين زعيم تيار "المستقبل" والكرملين. فهي موروثة من زمن الرئيس الراحل رفيق الحريري الذي أقام رابطا وثيقا مع بوتين إبان أزمة الشيشان التي مثلت أكبر التحديات للرئيس الروسي في مستهل حكمه.

 

في ذلك الزمن، وخلال لقاء جمع الأخير في موسكو مع الحريري الأب، أبدى الحريري الاستعداد للتوسط لحل هذه الأزمة من خلال دخول روسيا في عضوية منظمة المؤتمر الإسلامي، ما يسمح عندئذ بتوظيف نفوذ المنظمة في تسوية النزاع مع ثوار الشيشان الذين يقاتلون تحت راية الإسلام.

 

وعندما قال بوتين للحريري إنه يرى صعوبة في إقناع المملكة العربية السعودية التي تترأس هذه المنظمة بقبول عضوية روسيا فيها، إجابه الحريري بأن يترك الموضوع على عاتقه.

 

وبالفعل، أخذ هذه المهمة على عاتقه ونجح وذلك بفضل علاقته المميزة برئيس وزراء ماليزيا مهاتير محمد الذي تولى بنفسه إقناع الرياض التي قبلت بانتساب موسكو إلى المنظمة، فكانت هذه الخطوة مفتاح إخماد نيران النزاع في الشيشان.

وتخلص هذه المصادر إلى القول إن المساعدة التي قدمها رفيق الحريري لسيد الكرملين ما زالت حيّة عند بوتين الذي يردّ هذا الجميل لنجل الرئيس الراحل.

السؤال تكرارا: هل من صلة بين دور موسكو وبين إقلاع الحكومة الجديدة التي نالت فترة سماح من الحريري وجنبلاط؟

في تقدير أوساط ديبلوماسية، فإن النفوذ الإيراني في المنطقة عموما، وفي لبنان خصوصا، ما زال قويا على رغم الضربة الموجعة التي تلقتها الجمهورية الإسلامية بسقوط سليماني.

 

غير أن طهران صارت أكثر قابلية لتنسيق سياساتها الخارجية مع روسيا، التي صارت أكثر نشاطا في الشرق الأوسط أكثر من أي وقت مضى.

 

ولهذا، من غير المستبعد أن يكون الملف الحكومي اللبناني قد وجد طريقه إلى الحل، بفعل هذا التنسيق. فمن جهة، تولى الحزب فكفكة العقد في دائرة نفوذه وخصوصا عقدة "التيار الوطني الحر" الذي تخلى وللمرة الاولى منذ اتفاق الدوحة عام 2008 عن مطلب "الثلث المعطّل".

 

ومن جهة أخرى، انكفأ الطرف المعارض وفي مقدمهم سعد الحريري عن الوقوف في وجه التغيير الحكومي، بـ"تمني" روسي؟ ربما هناك الكثير من المعطيات التي لا تزال طيّ الكتمان، والتي في حال الوقوف عليها، ما يؤكد أو ينفي التكهنات الواردة آنفا.

 

غير أن الثابت، وفق مصادر ديبلوماسية، أن قبضة "حزب الله" لم تعد بالقوة نفسها قبل رحيل سليماني، الذي كان حاضرا بكل الإمكانات ليمنح الحزب القوة المادية اللازمة عندما يتطلب الأمر ذلك. وليس ما قاله جنبلاط في حديث صحفي في الساعات الماضية كلاما عابرا، عندما قال إنه على الروس "التقدم عمليا في لبنان".

 

لذلك ،عندما تتراجع وصاية إيران التي بدأت عام 2005، لا بد لـ"حزب الله" أن تساوره الخشية مما ستؤول إليه الأمور في هذا البلد الذي يصارع أزمات لا سابق لها.

 

(عن صحيفة النهار اللبنانية)

التعليقات (0)

خبر عاجل