هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشر معهد "ايسبي أونلاين الإيطالي" للدراسات تقريرا، سلط فيه الضوء على عواقب اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني، وتداعيات تصاعد الأزمة في ليبيا ومنطقة الخليج على استقرار أسواق الطاقة الدولية.
وقال المعهد، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن المشاركة المتزايدة لروسيا وتركيا في المشهد الليبي أدّت إلى تغيّر كبير في توازن المنافسة على الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط.
الدور الاستراتيجي للصراع الليبي
أفاد المعهد بأن التدخل العسكري التركي في ليبيا لدعم حكومة الوفاق الوطني مثّل نقطة تحول في واحدة من أكثر الأزمات الدولية استمرارية. وفي محاولة لوقف التدخل الخارجي المتزايد في ليبيا، عُقدت قمة دولية في برلين في 19 كانون الثاني/ يناير؛ لضمان امتثال جميع الأطراف لحظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة، ووضع أسس وقف عام لإطلاق النار.
لكن عشية الاجتماع، أغلقت المليشيات والقبائل الموالية للجنرال حفتر محطات النفط على طول ساحل الوسط الشرقي لليبيا، ما حدّ بشكل كبير من إنتاج النفط الليبي الخام إلى أكثر من النصف. ولا تُظهر التطورات الأخيرة آثار توسع الأزمة الليبية من الناحية السياسية والأمنية فحسب، وإنما من الناحية الاقتصادية أيضا. ومن المنظور الإقليمي، يرتبط النشاط التركي الجديد ارتباطا وثيقا بالمصالح والتسابق الذي يؤثر على أوروبا وشرق المتوسط، خاصة في قطاع الطاقة.
ونوه المعهد بأن الدعم التركي لحكومة طرابلس يمثل محاولة لضمان مستقبل الاتفاقيات المبرمة مع حكومة الوفاق الوطني في نهاية سنة 2019، التي تجيز تعريف الحدود البحرية الجديدة مع ليبيا. ويبدو أن تركيا تريد بذلك إرسال إشارة قوية إلى جميع الجهات الفاعلة التي تشاركها مصالح الطاقة في المنطقة، خاصة إلى الاتحاد الذي تشكله كل من إسرائيل واليونان ومصر وقبرص.
وذكر المعهد أن قبرص وقّعت مؤخرا اتفاقية لبدء أشغال مد خط أنابيب شرق البحر المتوسط بتكلفة تقديرية تبلغ حوالي ستة مليارات يورو، وهو مشروع يهدف إلى توفير حوالي 10 بالمئة من احتياجات أوروبا من الغاز الطبيعي بحلول سنة 2025 عن طريق تجاوز تركيا. بدلا من ذلك، تنص الخطة التركية على إنشاء خط أنابيب بديل للغاز للاستغلال المشترك مع جمهورية شمال قبرص التركية (المعترف بها من تركيا فقط) لموارد الغاز الضخمة الموجودة في المياه الإقليمية المحيطة بالجزيرة.
وبيّن المعهد أن تركيا مصممة على لعب دورها دون تهميش مكانتها في المنافسة على الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط. ومن خلال الاتفاق مع ليبيا السراج، تهدف أنقرة إلى توسيع نفوذها في النقاش على استغلال الموارد الطبيعية في شرق البحر الأبيض المتوسط لفترة كافية، لتأخير مشروع خط أنابيب شرق البحر المتوسط المثير للجدل.
وفي الواقع، تعتمد المسألة الأساسية لسوق الغاز الطبيعي الآن على قدرة تركيا على تأمين مصالحها طويلة الأجل في ليبيا، وتعزيز دورها كمركز للطاقة في منطقة البحر الأبيض المتوسط؛ من خلال تنويع إمداداتها من الغاز الطبيعي، ويظهر ذلك في افتتاح خط أنابيب ترك ستريم في كانون الثاني/ يناير 2020.
القيمة الجغراقتصادية للتوترات في الخليج
أوضح المعهد أن العواقب الجيوسياسية للأزمة بين الولايات المتحدة وإيران لا تقتصر على أمن الخليج العربي ومنطقة الشرق الأوسط فحسب، بل سيكون لها أيضا تأثير عميق على استمرار تدفقات التجارة وإمدادات الطاقة التي يعتمد عليها استقرار الأسواق والاقتصاد العالمي. وقد يكون للصراع المحتمل بين البلدين تداعيات خطيرة على عملية عبور ناقلات النفط والغاز الطبيعي المسال عبر مضيق هرمز، الذي يمر من خلاله سنويا ثلث النفط وربع الغاز الطبيعي المسال لتوزيعه للعالم.
وحذّر المعهد من أن الإغلاق المحتمل للمضيق هو أسوأ السيناريوهات، بالنظر إلى أن أول مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم، وهي قطر التي تشترك في حقل غاز الشمال مع إيران، ستضطر إلى تعليق سلسلة الإمدادات الرئيسية للغاز ومشتقاته التي تمر عبر البحر. ويمكن لإيران، التي هددت مرارا وتكرارا أمن إمدادات الطاقة في المنطقة، أن تضرب بقوة أكبر عن طريق استهداف القوافل البحرية على نطاق واسع.
نتيجة لذلك، سترتفع أسعار الغاز المسال؛ لأن السوق لن يكون قادرا على تعويض هذا النقص لفترة طويلة. ولا تعد الدول الآسيوية مثل اليابان وكوريا الجنوبية والهند والصين الوحيدة التي تعتمد على الغاز الطبيعي المسال القطري بفضل سعره التنافسي، بل تورده عدة دول أوروبية بنسبة 11 بالمئة من إجمالي حجم الغاز الطبيعي المستورد في سنة 2019.
وأشار المعهد إلى الارتباط المزدوج بين أسعار النفط والغاز. وفي حالة حدوث تصعيد، فإن الزيادة المحتملة في تكلفة البرميل الواحد من النفط ستؤدي إلى ارتفاع سعر عقود توريد الغاز الطبيعي المسال المفهرسة على قيمة نفط برنت الخام، التي تعد أسعارها حساسة تجاه التوترات الدولية.
لكن يبدو أن هناك عدة عوامل لدرء صدمة أسعار الغاز، لعل أولها الفائض الكبير للغاز الطبيعي المسال في السوق، خاصة الفائض الأوروبي، الذي سيمكن من تعويض الإمدادات القادمة من قطر. أما العامل الثاني، فهو تدني احتمال اندلاع صراع واسع النطاق، على الرغم من أنه ينبغي عدم استبعاد ذلك تماما. كما أن الهجوم الإيراني ضد الأهداف القطرية يبدو غير مرجح إلى حد كبير على ضوء المصالح الثنائية العديدة والعلاقات الجيدة بين البلدين.
ثالثا، قد يؤدي استمرار التوترات في الخليج العربي إلى دفع المستوردين الرئيسيين، خاصة الأوروبيين، إلى زيادة تنويع مصادر الإمداد، حيث تنوي الولايات المتحدة وأستراليا بالفعل زيادة إنتاجهما من الغاز الطبيعي المسال للتصدير. ورغم المخاطر المرتبطة بالدور الحاسم لدولة قطر في سوق الطاقة، يتوقع المستثمرون انخفاض الأسعار أيضا خلال سنة 2020.
ما هي السيناريوهات المحتملة؟
يرى المعهد أن الوفرة الحالية للغاز في السوق الدولية التي تضمنها الزيادة في الاستثمارات والإنتاج، بالإضافة إلى العرض التنافسي المتزايد، ستساهم على الأرجح في انخفاض القدرة التفاوضية للمصدر الفردي، وبالتالي تجنب احتمال اندلاع أزمات الطاقة المرتبطة بانقطاع الإمدادات من قبل الدول المصدرة مثل قطر.
في المقابل، قد يكون للأزمة الليبية عواقب جيوسياسية ذات صلة أكبر بقضية الغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط، خاصة من خلال استمرار التدخل التركي في البلاد، ما سيساهم في تدهور العلاقات مع دول مثل مصر وإسرائيل واليونان وقبرص، وتهديد مشروع خط أنابيب شرق البحر المتوسط.
اقرأ أيضا: إندبندنت: كيف أصبح حفتر عقبة أمام السلام في ليبيا؟